Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Aug-2017

انتصار الورقة على الآلة - د. ياسين رواشده
 
الراي - ادت الثورة التكنولوجية في العالم الى تغييرات هائلة متلاحقة في جميع نواحي الحياه حيث ساهمت تلك الثورة في تقصير المسافات وتبسيط المعقد وتسهيل الوصول الى المعرفة التقليدية.
 
وقد مرت الصحافة وتطورت تبعا للتطور التكنولوجي الهائل فقد كان اختراع «الراديو» حدثا بارزا حيث اصبح بالامكان ليس قراءة الحديث او الخطاب بل سماع «صوت» المتحدث والشخص المعني.. سماع نبرات صوته وتردد موجاتها وجرى التعرف على الناس من صوتهم. وقد قيل وقتها انه يكفي ان تضع في بيتك جهاز راديو لتستغني عن الصحيفة !!. لكن ذلك لم يحدث رغم تطور الاذاعات واتساع رقعة تغطياتها.
 
كما ان اختراع التلفزيون قد اضاف ثورة جديدة في عالم الاعلام والصحافه فقد اصبح الناس يشاهدون بام اعينهم الاشخاص واشكالهم وحركاتهم ولون ملابسهم مما اعطى للاعلام مصداقية اكبر وشفافية اشد. وقد اعيدت الكرة في الحديث عن «مستقبل» الصحافة الورقية «ذلك بان التلفزيون سيغني عن الصحيفة والجريده.. بحجة ان التلفزيون اصبح متوفر وباحجام صغيرة ومختلفة.. لكن الصحافة الورقية لم تتراجع.
 
لكن مع وجود الاذاعة ولاحقا اضيف لها التلفزيون لم يستغن الناس عن الصحافة الورقية لاسباب كثيرة منها ان الصحيفة الورقية لها جاذبية وميزات لا تمتلكها لا الاذاعة ولا التلفزيون لا لانه لا يمكن «لف» الاذاعة والتلفزيون» ووضعها في جيبك كما توضع الجريدة عادة بل لاسباب نفسية واجتماعية وعملية ايضا.
 
وبعد ظهور الكمبيوتر والاجهزة الذكية فاعيد التحدي للصحف الورقية إذ ان المعلومة التي تؤديها الصحيفة اصبحت تصل بالصوت والصورة والاهم بالسرعة القصوى الى المشاهد بمجرد الضغط على «الزر».
 
لكن ضغط «الزر» هذا رغم انه يوفر الوقت والمساحة ويفتح عالم المعلومة على مصراعيه مما لا تستطيع الصحيفة الورقية توفيرة الا ان هذا «الزر» لا تملكه تلك المساحة ولا القطاع الاوسع من الناس الذين يستطيعون دون «زر» الوصول الى الصحيفة الورقية دون الحاجة الى «شحن» جهاز الهاتف او «الايباد» الذكي او الغبي سيان..
 
اضافة الى ان»الصحافة الالكترونية» تحتاج الى شروط وميزات حتى لو افترضنا ان العاملين فيها يملكون ذات المهنية والاحتراف كما الصحافة الورقية الا ان تلك الشروط تجعل «الالكترونية» محدودية الانتشار وتخضع لعوامل توفر الشبكة – شبكة الاتصال – وتوفير الطاقة الكهربائية المباشرة او غير المباشرة–البطاريات – وتوفرها بنوعية معينة وهذه امور تحد كثيرا من الانتشار في بلد كالاردن مثلا.
 
ان التحول الى الصحافة الالكترونية والغاء الورقية هي كلمة حق يراد بها باطل – حق في ضرورة مواكبة التطور التكنولوجي واستخدام وسائل الاتصال – كوسيلة اضافية وليست اساسية في الوصول الى المعلومة.
 
ان الاستغناء عن الصحافة الورقية فيه خطورة كبيرة لانها تجعل الوصول الى الخبر والمعلومة محدود جدا قياسا بالصحيفة الورقية الذي لا محدودية لانتشارها.
 
وقد ظهرت مؤخرا ومجددا اصوات في الاردن تطالب باغلاق الصحف الورقية «لانها مكلفة» وغير ضرورية امام الصحافة الالكترونية.. لكن هذا الشعار الارتجالي يحمل في طياته اخطارا كثيرا واهمها تقليص كبير لنسبة المواطنين الاردنيين الذين ستصل لهم الانباء والمعلومات والمواد الاعلامية الضرورية وهو امر لايمكن لاي دولة السماح به.
 
ولو قمنا بتحليل وتفنيد تلك الاصوات التي تطالب بالغاء الصحافة الورقية فاننا سنحتاج وقتا ومساحة اكبر لكننا باختصار نؤكد بان تراجع الصحافة الورقية سيعني تراجع في حجم المعلومات الى الجمهور الاردني ونقص كبير في نسبة الذين تصل لهم المعلومة الالكترونية لكي لا نقول «الاميين» الكترونيا والذين لا يرغبون – لاسباب مختلفة–في استخدام الهاتف الذكي سوى للتواصل الشخصي.. اضافة لعوامل نفسية واجتماعية وتقنية كثيرة لا مجال للخوض فيها.
 
صحيح ومقبول نقد الصحافة الورقية والدعوة لتطوير نفسها ومواكبة التطور التقني بان تفسح المجال لمستخدمي الاليات الالكترونية بالوصول اليها بيسر وهو ما تفعلة الصحافة الورقية الان بوضع مواقع الكترونية لها على وسائل الاتصال الاجتماعي.. كما ان على الصحافة الورقية لكي تحافظ على زخم الحضور والقبول الاوسع ان تطور من عملها برفع مستوى وحجم الراي والراي الاخر طولا وعرضا خاصة ان العالم اصبح قرية صغيرة وان الاراء والمعلومات والافكار تنتقل بسرعة مذهلة مما يجعل حجب المعلومة او تزويرها غير ممكن ومع الزمن سيفقد صاحبها المصداقية المطلوبة عند «القراء».
 
ونحن بحاجة الى «مسح تقني» للحالة الاردنية عند الاشارة الى هذه المسالة. ذلك اننا سنجد ان نسبة من يملكون اجهزة اتصال ذكية – وهي الاجهزة التي يمكن بواسطتها متابعة الصحافة الالكترونية هي قليلة جدا (ربما اقل من خمسة بالمئة من السكان ولا تزيد عن 30 بالمئة ممن يملكون هواتف نقالة).
 
اي ان نسبة الذين يملكون الاجهزة «الذكية» قياسا باجهزة الاتصال «الخلوية» عموما لا يزيد عن النصف. اي ان نسبة من يملكون جهاز «خلوي ذكي» في الاردن هم نسبة محدودة جدا مهما كان اتساعها وخصوصا في الريف الاردني مما يجعل المنافسة تظل لصالح الورق على الالة التي نحتاج «لتشغليها» اليات وادوات ونفقات اضافية اخرى.
 
ان مجالات انتشار الصحافة الورقية غير محدود ومجال ما تصل اليه يظل متسعا اكثر بكثير من «الصحافة الالكترونية».
 
وحتى لو كانت الاجهزة الذكية منتشرة بشكل اكبر وتغطي مساحة اشمل من السكان الا ان الناس ستظل متعلقة بالصحافة الورقية والتي لا غنى عنها لان جاذبية الورقة وصوتها واغراء الكلمة المطبوعة لا توازيه اية صورة داخل الة و لو كانت متنقلة.
 
وقد حاولت دول متقدمة تكنولوجيا على الاردن ان «تلغي» الصحافة الورقية ففشلت. كما ان حكومات كثيرة حاولت ان تلغي «الاوراق» من وثائقها واتصالاتها لكنها لم تستطيع. رغم النجاح الجزئي. ولا يوجد اليوم في العالم حتى المتقدم منه «الغاء تام» او استغناء مطلق عن «الورقة والقلم» فنشاهد في البيت الابيض وفي الكرملين وقصور الرئاسة في الصين واليابان وبريطانيا وفرنسا والمانيا الاوراق والخطابات تنتشر وتتوزع لتؤكد انتصار الورقة والحبر على الصورة المتحركة.