Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Nov-2017

عمال الوطن يبثون معاناتهم و‘‘الأمانة‘‘ تؤكد على مكافأتهم

 عمال الوطن: فرشاة ترسم البسمة على محيّا عمان.. وكلمة "زبال" تمتهن إنسانيتهم

 
مؤيد أبو صبيح
عمان-الغد-  يذرع عمال الوطن عمان العاصمة من أقصاها إلى أقصاها، في مشوار يستهلونه في الصباح الباكر، ليضفوا على وجه المدينة بسمة يصرون على بقائها على الرغم من مشقةٍ تحمل آلاما في دواخل كل منهم، لكن فعلهم اليومي يشعرهم بأهمية الدور الذي ينهضون به على مدار الساعة.
 في البرد، وفي لهيب الصيف بجوبون مناطق عمّان الـ 22 لتنظيف شوارعها وأزقتها وأحيائها، يزيلون من شوارعها كل ما علق بها من نفايات لتبقى جميلة زاهية، وليرسموا الابتسامة على وجه عاصمة الأردن، فيما تبقى همومهم حبيسة صدورهم، ترافقهم إلى منازلهم في نهاية يوم عمل يعتبره أغلبهم “مؤلما”.
بوح حزين في حناجر عمال الوطن الذين يبلغ تعدادهم أكثر من خمسة آلاف، ويشكلون أكثر من خمس عدد موظفي الأمانة، فيما حقوقهم تراوح مكانها، رغم تعالي أصواتهم المطالبة بها.
وتتسنم “الكرامة والإحساس بإنسانيتهم”، مطالبات عمال الوطن الذين أكد عدد منهم لـ“الغد” أنهم “يفتقدون إلى أدنى مقومات هذا الإحساس، إلا من فئة قليلة سواء من قبل المسؤولين عنهم، أو من خلال نظرة المواطنين لهم”.
لكن هناك ما لا يقل أهمية عن ذلك، فهؤلاء العمال الذين استمعت “الغد” إلى قصصهم ورواياتهم اليومية المحبوسة في أعماق صدورهم يأملون أيضا بأن “تكون لهم كينونة، وأن لا تنتهك حقوقهم.. يبحثون عن الرعاية المفقودة”، أما كلمة “زبال” فهي المفردة التي تخدش عميقا في “كرامتهم وتحط من قيمتهم الإنسانية”.
وفيما يرى هؤلاء أنهم يتعرضون لـ “تصرفات غير إنسانية من قبل بعض مسؤوليهم في الأمانة”، تؤكد الأمانة من جانبها أن “هناك تصرفات فردية تصدر عن البعض”، لكنها تشير في الوقت ذاته الى أن “هناك أيضا مبالغات ترد على لسان بعض العمال، عند الحديث عن تعرضهم للانتهاكات”.
أمجد (اسم مستعار) شاب في مقتبل العمر عيّن قبل عام بوظيفة عامل وطن بمنطقة العبدلي يقول لـ “الغد”: “أخي هو من دلني على الوظيفة ويعمل بنفس المجال في منطقة أخرى، حيث طلب مني صورة عن هوية الأحوال المدنية ودفع بها إلى دائرة الموارد البشرية بالأمانة، وبعد فترة من الزمن جرى الاتصال بي وحضرت للمقابلة”.
ويتابع، “دخلت المقابلة وعندها بدأت الأسئلة التي تحط من كرامة الإنسان وتشعره بالذل والنقص، ومن ثم جرى تعييني بمنطقة العبدلي بعد خضوعي لفترة تجربة وعملت لمدة ثلاثة أشهر في الحملات”.
ويستطرد بالقول، “منذ اليوم الأول جاءني المسؤول وقال لي: “اسمع راح تلبس الزي على طول وتحمل المكنسة وأوعى تفكر أنك تنتقل أو تتكلف، إنت زبال وراح تظل طول عمرك زبال”.
ويضيف، “في عملنا اليومي نتعرض للعديد من المشاكل من مثل الاعتداء من قبل مواطنين والاتهام بالسرقة، وأحيانا يدفعنا مسؤولونا للموت دفعا برمينا في الشوارع الرئيسة وعلى الجبال وفي المنحدرات دون تأميننا باشتراطات السلامة العامة، عدا عن المضايقات والمنغصات التي نتعرض لها يوميا من قبل مرؤوسينا في الشارع”.
ويؤكد (أمجد)، “نشعر بالظلم والاضطهاد يوميا خصوصا عندما يعرف عريف النظافة أنك لست مسنودا بواسطة، وأحيانا يقاسموننا الرواتب، وفي مرات عديدة يجبروننا على شراء الفطور أو دفع نصف العمل الإضافي لهم ولمرؤوسيهم، عدا عن تكليفنا بأعمال خارج أو أثناء أوقات الدوام الرسمي في بيوتهم أو بيوت أقاربهم من أعمال تعشيب ودهان ونقل أثاث وحفر وفي مرات عديدة يبيعون الشوارع الرئيسة خصوصا في منطقة عمان الغربية ووسط البلد للعمال بيعا لإنها بحسبهم فيها رزقة وبتجيب دخل”.
ولا يخفي راتب (اسم مستعار) الذي يأتي لعمله بمنطقة رأس العين يوميا من “جسر النور” بشارع الاستقلال الحزن المرسوم على محياه بالقول “أنا بحاجة ماسة للعمل، وعندما علم مسؤولي بهذه الحاجة أصبح يضغط علي أكثر فأكثر حتى بت أعامل كـ (....)، ينقلني من شارع لشارع ومن حي إلى حي ومن حملة لأخرى دون مراعاة لآدميتي أو أوجاعي”.
ويقول، “راتبي 350 دينارا لا يكاد يسد رمقي أنا وعائلتي، ولا يوازي حجم الجهد المبذول مني طوال أوقات الدوام التي تمتد من السادسة صباحا وحتى الثانية ظهرا.. فأنا أبذل جهدا أضعاف هذا الأجر”.
ويضيف “عندما ترفع صوتك بالشكوى يبادرك المسؤول عنك بالتهديد بالفصل.. حقوقنا مهدورة، ونحن نعلم أن هذه تصرفات فردية من قبل عرفاء النظافة أو رؤساء الشعب أو الأقسام، لكن أنا وشريحة واسعة من العمال لا نبرئ كبار المسؤولين فهم شركاء لسكوتهم عن أفعال من هم أدنى منهم بالمسؤولية”.
ويتابع “في كل مرة أسمع عن حالة وفاة لعامل وطن في الميدان أعود إلى منزلي وأدخل في حالة صعبة وأحبس نفسي في غرفة نومي الكئيبة وأبكي طويلا وتبدأ الهواجس تهاجمني بأني سأواجه نفس المصير، وفي اليوم التالي أوقظ أطفالي الثلاثة مبكرا وأحضنهم كأني أودعهم قبل ذهابي إلى الموت.. فهذا هو حال عامل الوطن. في أي لحظة قد يموت”.
وتشير سجلات الأمانة إلى أنه في العام الجاري توفي في الميدان ثلاثة عمال وطن وأصيب نحو 200 آخرين بإصابات عمل.
“وفي الصيف الماضي”، يقول عامل آخر (عاهد) الذي يعمل في منطقة النصر “تعرضت لعارض صحي وارتميت على الأرض وعندما جرى الاتصال مع رئيس الشعبة لإبلاغه بالحادثة أجاب: أتركوه خليه يموت.. لكن زملائي أصروا على نقلي للمستشفى وعندما عدت للعمل بعد نحو أسبوع قال لي رئيس الشعبة.. إجازتك غير مقبولة وأنت شخص كاذب وقام بتمزيق الإجازة في وجهي فانفجرت بالبكاء وعدت لعملي وقلبي يقطر حزنا وأنا أتمتم: حسبنا الله ونعم الوكيل”.
فيما عبرت عاملة الوطن في مبنى الأمانة الرئيسي (سهام) بعد تردد خشية الانتقام منها بحسب ما ذكرت عن حزنها ومعاناتها بالقول إن “حقوق عمال الوطن مهدورة في الأمانة”، مشيرة إلى أنني “رضيت بالعمل بهذه الوظيفة مدفوعة بالحاجة”.
 وأشارت إلى أنه “بعد وفاة زوجي تعاظمت المسؤولية علي وأصبح في رقبتي خمسة أطفال، وحينها راجعت رئيس اللجنة المحلية لمنطقة (...) الذي عرض علي التعيين بوظيفة عاملة وطن في الأمانة بعد تحميلي ألف جميلة وجميلة، وأشار إلى أن هذه الوظيفة ستذهب من كوتة التعيين المخصصة له”. 
وتتابع، “أصلُ مركز عملي في السابعة صباحا حيث تبدأ معاناتي مع مرؤوسي الذي يعاملنا كـ (.....)، فهو دائم الصراخ علينا ولا يحترم آدميتنا، وفي كل يوم أتمنى الموت ألف مرة ومرة”.
وتؤكد (سهام)، “لا حقوق لنا في الإجازات أو المغادرات أو أداء واجبات العبادة، دائما نحس ونشعر أننا مراقبات.. عندما أمرض أحضر إجازة مرضية وأقدمها للمسؤول فيمزقها في وجهي ويقول (أنت كاذبة)”، مشيرة إلى أنني “كنت دائما أرى أمين عمان حين دخول المبنى وكنت في كل مرة أود الحديث معه حول معاناتنا.. لكن الخوف يقتل عزيمتي خشية التعرض لي والانتقام مني”.
أما عامل الوطن السابق علي خلاوي فيقول لـ “الغد”: “تعرض بيتي لحريق في أيلول (سبتمبر) العام الماضي، ما استدعى تغيبي عن العمل لأيام، لكن رئيس القسم رفض منحي إجازة ونسب بفصلي ورماني بالشارع أنا وعائلتي”.
وكان مقطع فيديو لعمال وطن ظهر على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا عبروا فيه عن معاناتهم مع مرؤوسيهم، وكشفوا فيه عن ممارسات قالوا عنها إنها “تمتهن كرامتهم كآدميين وتحرمهم من أبسط حقوقهم الوظيفية مثل الإجازات والمغادرات وحتى أداء الصلوات، وتكليفهم بجميع الخدمات التي تسبق الفعاليات والاحتفالات في العاصمة أو خارجها دون مقابل”، ما استدعى أمين عمان يوسف الشواربة الى تشكيل لجنة تحقيق في هذه الإدعاءات.
وبعد أيام أوصت اللجنة بضرورة نقل “رؤساء شعب النظافة” في المناطق بشكل دوري، ومنح عمال الوطن كافة حقوقهم من حيث المغادرات والإجازات بشكل قانوني وإداري ومبرمج وحسب مقتضيات العمل.
كما أوصت اللجنة بالسماح للعمال بأداء واجباتهم الدينية في مواعيدها دون موانع، وعدم حسم أيام إضافية من راتب العامل أو من إجازاته في حال غيابه والاكتفاء بخصم يوم الغياب فقط.
وقالت اللجنة في توصياتها أنه أثناء سماع العمال الذين ظهروا في مقطع الفيديو تبين “أنهم (العمال) حاولوا قبل ذلك إيصال مظلمتهم، ولذلك توصي بأن يقوموا باتباع التسلسل الإداري المعمول به في المؤسسة، وكذلك رفع الثقافة العمالية لديهم، وأكدت ضرورة وجود عقد عمل خطي بين العامل وصاحب العمل (أمين عمان) حتى تكون الأمور واضحة في الواجبات والحقوق لكلا الطرفين”، لكن هذه التوصيات بحسب مصدر مسؤول في الأمانة تحدث لـ”الغد” بقيت “حبيسة الأدراج ولم يؤخذ بها”.
وبين، المصدر، أنه يجب التعامل مع قضايا عمال الوطن كـ “واقع يستدعي الوقوف عنده ومعالجة أسبابه لضخامة عددهم حيث يشكلون أكثر من خمس الكادر الوظيفي في (الأمانة) الذي يناهز نحو 24 ألف موظف وموظفة”.
وقبل هذا الفيديو انتشر فيديو آخر لمجموعة من عمال الوطن محشورين داخل سياج حديدي للصندوق الخلفي لسيارة نقل نفايات، وآخر لعدد من العمال يتدلون على جبل بمنطقة وادي الحدادة بوسط عمان، دون اتخاذ احتياطات السلامة العامة.
من جانبه قال المدير التنفيذي للموارد البشرية في “الأمانة” حاتم الحنيطي لـ “الغد”، إن “رواتب عمال الوطن تزيد عن الحد الأدنى للأجور بنسبة كبيرة”، مشيرا إلى أنهم “يتمتعون بامتيازات مالية إضافية مثل بدل العمل الإضافي لمن تقتضي طبيعة عملهم ذلك، فضلا عن اشراكهم بالتأمين الصحي لهم ولعائلاتهم وإِشراكهم في الضمان الاجتماعي، كما جرى مؤخرا إدراج مهنة عمال الوطن ضمن المهن الخطرة وفق قانون الضمان الاجتماعي”.
وأشار الحنيطي إلى وجود ميزات أخرى للوظيفة يوفرها صندوق الخدمات الاجتماعية وصندوق نقابة العاملين في البلديات وأمانة عمان الكبرى اللذان “يقدمان تعويض نهاية الخدمة إضافة إلى تعويضات أخرى في حالة إصابات العمل والإجازات المرضية فضلا عن المنح الدراسية لأبناء العاملين ومنهم عمال الوطن”.
وأضاف، ان الأمانة اهتمت في الآونة الأخيرة بتوفير احتياجات السلامة المهنية في الميدان للعمال من ألبسة وواقيات، فضلا عن وجود عيادة متخصصة بمعالجة العاملين، مبينا أن لجنة تعيين العمال شكلت بقرار من الإدارة العليا في المؤسسة لمقابلة العمال ووضع علامات لكل واحد منهم لغايات التعيين.
وكشف الحنيطي، عن “وجود نحو تسعة آلاف طلب تعيين لأردنيين يرغبون بالعمل بوظيفة عامل وطن” التي بحسبه “لا تشترط المؤهل العلمي”، إضافة إلى أنه يتم استثناء حملة الشهادات العلمية من التعيين بمهنة “عامل الوطن” بهدف “توفير فرص تعيين عادلة لمن لا يحوزون مؤهلات”، كما يتم إخضاع العمال لدورات لرفع مستوى ثقافتهم العمالية قبل انخراطهم بالعمل في الميدان.
وبين أنه جرى مؤخرا تعيين أكثر من 500 عامل وطن للعمل في مناطق متفرقة من العاصمة عمان بعد خضوعهم لمقابلات وقبولهم باشتراطات التعيين.
وحاولت “الغد” أكثر من مرة التواصل مع رئيس نقابة العاملين في أمانة عمان همام المعايطة لكن هاتفه لا يجيب.
وفي سياق متصل، “نفى” نائب مدير المدينة لشؤون البيئة والمناطق باسم الطراونة لـ “الغد” أن “تكون هناك انتهاكات صارخة بحق عمال الوطن”، مشيرا إلى أنهم يحظون برعاية من قبل الإدارة العليا.
وفي الوقت الذي لم ينف فيه وجود بعض التصرفات التي قال عنها “إنها فردية تصدر عن البعض”، أشار الى ما وصفه بـ “مبالغات على لسان بعض العمال حول تعرضهم لانتهاكات”، داعيا العمال الى “عدم السكوت عن أي ظلم يقع عليهم، وأن أبواب مسؤولي الأمانة مفتوحة أمام الجميع”.
على الجانب الآخر، يقول التاجر بوسط البلد عماد البوريني “نحن ننظر بتقدير واحترام لعمال الوطن، خصوصا ممن نراهم على الدوام في الميدان بمختلف الظروف في الصيف والشتاء والثلوج”، لافتا إلى ضرورة أن “تعي الأمانة أهميتهم خصوصا أنهم فئة غير قادرة على الدفاع عن نفسها”.
فيما تؤكد الحاجة أم الوليد التي تقطن في منطقة حي الدبايبة ان “عامل الوطن هو دائما الحلقة الأضعف ولا يجب الاستقواء عليه.. نراه يوميا يعمل في مختلف الظروف والأماكن.. يجب إنصافه والمحافظة على كرامته”، مشيرة الى أنها “تقدم يوميا لعامل الوطن كوبا من الشاي.. وجاراتي يفعلن ذلك لأنه محط تقدير واحترام”.