Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Aug-2017

في تفسير الحال العربي -1 - ا.د. كامل صالح أبو جابر
 
الراي - حضرت حفل اشهار كتاب الدكتور ابراهيم بدران بعنوان «عقول يحاصرها الضباب» في جمعية الشؤون الدولية حيث قام المؤلف باختصار لكتابه العلمي الزاهر بالمعلومات والاحصاءات الدقيقة التي تتحدث عن حال العرب الذي لا يسر البال، وتلا المحاضرة القيمة عدد من المداخلات والاسئلة عن اسباب الحال الذي وصلت اليه الأمة العربية اليوم التي جاء معظمها ينم عن النقد الذي وصل احياناً حد اليأس وجلد الذات.
 
واذ اتفق في معظم ما ورد من ملاحظات حول فشل معظم الدول العربية الحديثة في التصدي للتحديات الداخلية والخارجية التي واجهت الامة منذ انهيار الامبراطورية العثمانية، الا انني اعتقد ان هناك عدداً كبيراً من الاسباب الخفية والعميقة والمتعلقة بتراثنا السياسي والاجتماعي التي لا بد من القاء الضوء عليها.
 
ما اكتب هنا ليس من باب الاعتذاريات Apologetics ولا حتى من باب الدفاع عن النفس وانما للتأكيد ان هناك املاً في المستقبل وان السوداوية التي تخيم على عقول بعض مفكرينا ليست قدراً محتوماً لا مفر منه، واحسب ان امتنا عايشت فترات سيئة تكاد تقارب ما نحن فيه اليوم ولكنها استوت مرة اخرى على قدميها وساهمت في بناء الحضارة الانسانية، لا بد من اعطاء فسحة امل للأجيال القادمة التي يزداد احباطها وتزداد سوداويتها من يوم لآخ، اذ ما بين حال البطالة والفقر والجهل من جهة وعربدة وعنجهية اسرائيل والصهيونية العالمية من جهة اخرى، لا يبدو وكأن هناك بصيص امل في نهاية السرداب، هناك امل والمستقبل امامنا مهما فشلت معظم ما تسمى قياداتنا اليوم من جهة والاستكبار والاستعلاء الاسرائيلي من جهة اخرى، واجزم ان المستقبل لن يكون بأي حال من الاحوال مجرد استمرار للواقع السيء اليوم.
 
لن اتحدث عن الارهاب الذي ما زالت امتنا تعانيه منذ نزول جند نابليون الغربية شواطئ بلادنا نهاية القرن الثامن عشر، فالاستعمار ارهاب وتقسيم البلاد الى ما يلبي رغبة المستعمر ارهاب، واقتطاع قلب البلاد المشرقية ليصبح دولة لاسرائيل ارهاب، ونهب اموال الأمة لخدمة الاستعمار ارهاب، جميعها امور لا بد من التأكيد عليها المرة تلو الأخرى لا لتذكير انفسنا بأسباب ما نحن فيه وانما لتذكير قادة الغرب بأن ما نحن فيه ليس لغباء فينا او من صنعنا لوحدنا، وانما يعود كذلك الى سياساتهم الاستعمارية التي لا يبدو وكأن هناك من نهاية لها.
 
يتذمرون اليوم عليهم وينسون ان معظم هؤلاء لم يأتوا لرغبة في الهجرة الى بلادهم وانما بسبب الاستعمار الصهيوني الغربي الذي لا يكل ولا يمل من اثارة الفتن والاحقاد والمؤامرات في بلاد العرب التي اصبح معظمها طارداً لشعوبها.
 
اذا ما اضيف الى هذه الامور حقيقة اننا صحونا فجأة على عالم غريب لا صديق ولا رفيق لنا فيه، وبعد غياب عن حكم انفسنا الى فترة تزيد على الألف سنة لتبين لنا بعض ابعاد الحال الذي نحن فيه، على مدى قرون طويلة تحولنا الى بركة ساكنة راكدة ولم نساهم لا في تطوير بلداننا ولا في التيارات الحضارية في ذلك الزمان، وغزوة نابليون كانت بمثابة صخرة سقطت وسط هذه البركة اتبعها الاستعمار الغربي بصخرات اشد صلابة وابعد وقعا.
 
المسألة اعمق واعقد من مجرد ضباب يكتنف العقول، ينقشع الضباب حال ظهور نور المعرفة ولكن لا بد لنا من التساؤل، ولماذا لم ينقشع هذا الضباب على الرغم من مرور ما يقارب المئتي سنة على صحوتنا على العصر الحديث، ولماذا مصر على حالها الذي يشابه حال الامة كلها على الرغم انها سبقت اليابان لفترة سبعين سنة في البدء في جهود التنمية والمعرفة والعصرنة؟ واين نحن من اليابان؟ وهل حقا ان اهم اسباب تقدمها ان لا حقائق ازلية لديها تشدها كأوتاد راسخة في الارض الى ما هي فيه والى الماضي؟ وها نحن اليوم نشاهد المارد الصيني يستوي على قدميه ليصبح، وبفترة وجيزة تقل عن الجيل الواحد، دولة عظمى بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وهنا لا بد من التأكيد ان ليس المطلوب التخلي عن التراث الروحي او الدين الذي اعتقد باهميته وضرورته لتهذيب الانسان وتشذيبه ليرتقي الى مراتب اعلى من الانسانية بل التوقف عن خلطه بكل شأن من شؤون الحياة حيث تحول في كثير من الاحيان الى طقوس رتيبة خالية من اي محتوى روحي حقيقي، فلا الشرق ابتعد عن تعاليمه ولا الغرب اقصى الدين عن حياته بل جعلا منه اداة ووسيلة للسلام الاجتماعي وسكينة النفس.
 
سهل القول بفشل هذه السياسة او تلك واسهل من ذلك القاء اللوم هنا او هناك ولكن الاهم هو طرح الاسئلة الصعبة التي قد تساعد على تفسير الاسباب الحقيقية لمراوحتنا في مكاننا على مدى القرنين الماضيين في حالة من التخبط والحيرة لا نحن في الماضي ولا في الحاضر ولا نعلم شيئا عن المستقبل.
 
ماذا كان شكل ومضمون حياتنا السياسية والاجتماعية حين صدمتنا الحضارة الغربية ممثلة بنابليون في بادئ الامر؟ ولماذا فشلت عملية الترقيع التي قامت بها الدولة العثمانية والتي ما زال معظم انظمتنا في العالم العربي تتبعها؟ عبر قرون الحكم العثماني تحولت الدولة الى مجرد حارس للنظام من جهة والى جابي للضرائب وابتعدت كثيرا عن الخلق الا للقيام بهاتين المهمتين حتى عادت الحياة في كثير من بلداننا العربية الى نوع من البدائية والبداوة والاستسلام لعوامل الطبيعة من جهة والتي نوع من الاستبداد تعددت طبائعه على مستوى العائلة والعشيرة والدولة حتى اصبحنا نطالب فقط بالمستبد العادل ويقول بعضنا ان السلطان هو البعيد عن السلطان.
 
اما نظامنا الاجتماعي والديني فقد تخلق بنظام الملل والنحل الذي ترسخ مع نهاية الدولة العثمانية بثماني عشرة ملة معترفاً بها آنذاك ويعترف بها النظام اللبناني دستوريا وتعترف به معظم الدول العربية مغربياً ومشرقياً بالممارسة والعرف والعادة.
 
سكنت الحياة الى هذا النمط السياسي غير التدخلي في حياة الناس والى محتواه الاجتماعي من ملل ونحل كل منها مجتمع منفرد في ذاته داخل المجتمع الواسع، والاصل على مستوى النمطين السياسي والاجتماعي الطاعة والعصا لمن عصى وفكر، فالخلق كانوا رعايا يقودهم الراعي لا مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات.
 
وفجأة كان علينا في مشرقنا العربي ان نحكم انفسنا بدلاً من الحكم العثماني، وتراكضنا هنا وهناك نبحث عن نموذج ودخلت علينا مفاهيم ومصطلحات كثيرة لم نعرف عنها شيئاً بالسابق ومنها على سبيل المثال لا الحصر الديمقراطية وحرية الفكر والتعبير وحق المعارضة والدستور والدستورية والحكم المحكوم باحكام وقوانين وقواعد وأصول، والوطن والمواطنة والمساواة امام القانون، والشرعية وغيرها من المصطلحات التي يتحدث بعضنا فيها دون ادراك حقيقي لابعادها ومتطلباتها.
 
ماذا تعني حقا كلمة الدستور؟ في عصور الانحطاط استكانت عقولنا وانماط سلوكنا وافكارنا الى ممارسات كنا نتقبلها تلقائياً ودون فحص او تمحيص حيث كنا نقول انه لكل مقام مقال وحيث تعرف كل ملة او نحلة محلها ومقامها التي لا تفكر هي في التجاوز عليها، رياح تغيير عاتية دخلت علينا، ما زلنا نحاول التكيف والتفاعل معها، هل نفهم او ندرك حقاً معنى الديمقراطية او المواطنة وابعادها؟