Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Aug-2017

التماثيل إذا نطقت - سليم ايوب قونة
 
الراي - تبنى التماثيل عادة لاشخاص غادروا الحياة بعد ان تركوا بصمتهم الايجابية على المجتمع الذي نشأوا وترعرعوا فيه. بعد أجيال تتحول هذه التماثيل الى مكوّن معنوي مهم في وجدان الناس الذين يعتقدون انها ترمز لأفكارهم وقيمهم والتي قد لا تتوافق أحيانا مع افكار وقيم فئات اخرى تعيش في نفس المجتمع أو خارجه.
 
تحدث المشاكل وتنشب الخلافات كما حدث في مدينة «شارلوتسفيل» في ولاية فرجينيا الاميركية عندما قررت سلطات المدينة المنتخبة ازالة تمثال معين، له رمزيته لدى احفاد الذين شيدوه قبل عشرات السنين، مما أدى الى وقوع أعمال شغب ومواجهات دامية، لأن أحد الفريقين اراد استكمال مراسم دفن ما يمثله التمثال الذي مات صاحبه قبل حوالى 150 سنة، بينما الفريق الاخر مصرّ على استرجاع أصداء صوته حينما كان يحث أسلافهم على التعاون والعمل يدا بيد.
 
عديدة هي التفاصيل الملفتة في هذا الحدث الذي بدأ بازالة تمثال احد جنرالات الحرب الاهلية الاميركية واسمه «روبرت لي» والذي لم تتوقف تداعياته حتى الان، والتي قد تشمل خروج «دونالد ترمب» او اخراجه من البيت الابيض، لأنه كرئيس وجد نفسه في أتون الجدل الملتهب الدائر حول جذور الصراع العرقي الذي بدأ قبل قرون ومهد للحرب الاهلية الاميركية ونتائجها السلبية والايجابية معا.
 
أحد أسباب مأزق الرئيس «ترمب» ليست تصريحاته المنفعلة التي كشفت عن حقيقة ميوله وتوجهاته العقائدية فيما يتعلق بالمسألة العنصرية في أميركا فحسب والتي لم تكن خافية على أحد، بل لأن مواطنة أميركية عادية اسمها «سوزان برو» وهي أم المرأة التي قتلت في حادثة الدهس المتعمد الذي رافق اعمال الشغب في «شارلوتسفيل» اعلنت رفضها تلقي مكالمة هاتفية من الرئيس «ترمب» حول الحادث، لأنه اي» ترمب» في رأي هذه المواطنة العادية ساوى بين موقف المتشددين البيض ذوي الميول النازية العنصرية وبين موقف اغلبية المواطنين الأميركيين المعتدلين والتي كانت هي وابنتها « هيذر» ذات ال 32 عاما منهم.
 
من تداعيات هذا الحدث ذات الدلالة اضافة الى انه ادخل المجتمع الأميركي في متاهة تاريخية كبرى غامضة ومقلقة، خروج احد أركان ادارة «دونالد ترمب» المنظّر الاستراتيجي العقائدي للعهد (الترمبي) المثير للجدل «ستيف بانون». فجاء تخلي «ترمب» عن مستشاره الابرز خارج نطاق اسرته أشبه بتخلي قائد سفينة توشك على الغرق عن سترة نجاته الاخيرة على أمل ان تهدأ امواج العاصفة في اللحظة الاخيرة!
 
لكن « ترمب» كرئيس لم يتغير في جوهره عن «ترمب» ما قبل الرئاسة. فالعالم من وجهة نظره هو الذي يجب ان يتكيف ليصبح «ترمبيا» وليس العكس! وقد جاءت حادثة «شارلوتسفيل» لتسقط قناعا اضافيا كان يغطي توجهات وميول هذا الرجل القادم من عالم الاعمال الحرة الى عالم السياسة المقيد بأصفاد قد تكون أقسى وأثقل من تلك التي كبلت العبيد الافارقة لعقود طويلة والذين بنت أميركا الحديثة قوتها الاقتصادية وأمجادها على عرقهم وتضحياتهم.
 
ما يجب على « ترمب» ان يتذكره دائما هو انه ما تزال هناك الكثير من التماثيل في ميادين المدن الاميركية، والتي قد تتحول فجأة الى ربوتات ناطقة مؤثرة اذا لمست! فكلام بعض التماثيل قد يكون أكثر بلاغة وتأثيرا من كل النظريات والخطابات التي كتبها مستشاره العقائدي «ستيف بانون» الذي كان حسب معظم المرجعيات هو المحرك الاهم وراء وصول «ترمب» للقلعة البيضاء، ولكنه أي «بانون» اليوم يجد نفسه خارج اسوار هذه القلعة ولم يزل رئيسه يبحث فيها عن موطئ ثابت لقدميه!