Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    27-Nov-2019

صغائر الذنوب مصائب الدول*د. هزاع عبد العزيز المجالي

 الراي

يؤكد علماء النفس وعلماء التربية أن الإنسان يبدأ باكتساب السلوكيات منذ اليوم الأول لولادته، فعندما يبكي وتحمله أمه وتهزه، يعتاد عدم السكوت إلا إذا حملته أمه وهزته، وهكذا يبدأ الطفل باكتساب صفات مسلكية في حياته الأسرية، وتصبح مع الوقت جزءاً من شخصيته الاجتماعية، وكلما كبر وزاد اندماجه في المجتمع يبدأ أيضا باكتساب العديد من الصفات المسلكية من محيطه الاجتماعي في المدرسة، ومن ثم في الجامعة ومن ثم بالعمل، إضافة الى ما يكتسبه من خلال احتكاكه بالناس والأصدقاء، وبالنتيجة المجملة يمكننا القول أن هذا الإنسان أصبح يمتلك مسلكاً فكرياً يعبر عن ثقافة مجتمعية عامة.
 
إن إختلاف الأنماط السلوكية المعيشية للمجتمعات البشرية المختلفة، هو نتاج تراكمات ثقافية مسلكية، انتقلت من جيل الى آخر، فما نراه جميعا من تصرفات ومسلكيات في حياتنا اليومية في بيوتنا وفي الشارع وفي العمل وفي تعاملاتنا مع بعضنا البعض بايجابياته وسلبياته هو تعبير واقعي عن ثقافة المجتمع.
 
لقد أردت القول مما سبق ان المجتمعات المتقدمة التي لديها انضباط في تطبيق القيم السلوكية الاجتماعية والأخلاقية، لم تُولد هكذا، وإنما جاءت تلك الثقافة نتيجة صراع وثورات خلُصت لقبولهم بسيادة تطبيق القانون على الجميع و القيم الأخرى بعدالة ومساواة، وكأساس لحل جميع مشاكلهم، فنشأت مع مرور الوقت أجيال اعتادت على احترام القانون، واعتبرت أن مخالفته مسلك اجتماعي مرفوض.
 
لا بد أن نعترف أننا نعيش في حالة من (انفصام الشخصية)، فمن جهة ندعوا ونتباكى على عدم تطبيق القانون بعدالة على الجميع، ومن جهة أخرى نُبيح لأنفسنا ممارسة شتى أشكال وأنواع الاعتداءات والموبقات والتجاوزات على القانون، في الشارع وفي العمل وفي تعاملاتنا مع بعضنا البعض. وأصبحت مخالفتنا للقانون بالواسطة والمحسوبية والرشوة والانتهازية، والتنمر والجهوية والإقليمية، وعدم احترام قواعد المرور، والتهرب الضريبي والاعتداء على المال العام وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة شيئاً طبيعياً، حتى وصلنا الى مرحلة الاستقواء على الحكومات، التي لا ننفي التهمة عنها، فهي ايضاً منغمسة معنا و تعيش في نفس القالب، عندما تسمح أو تمنع أو تعطي أو لا تعطي وتطبق القانون من جهة، وتتهاون من جهة أخرى، تمارس عن قصد أو دون قصد شكلاً من أشكال (السياسة البراغماتية)، في التعامل مع كافة القضايا التي تهم الناس، فأصبحت بذلك محط نقدٍ وعدم ثقة من الناس.
 
لقد اعتدنا أن نرى الأفعال التي نرتكبها جميعا من منظور المصلحة الشخصية، ولقد أصبح لدينا قناعة أن ما نحققه من مكاسب، وإن كانت مخالفة للقانون وحتى وإن كانت على حساب الآخرين أو المصلحة العامة، أصبحت حقوقاً مكتسبة استرجعناها، أو انتزعناها من الدولة، وهي في الحقيقة المرة تعبير عن الخلل في مفهوم (الحقوق والواجبات)، والمشكلة الاكبر أننا جميعاً مقتنعون أن ما نرتكبه من خطايا فردية لن تؤثر علينا، ولكن نقول لمن لا يعرف أن صغائر الأمور في مجموعها كبائر و هي مصائب الدول.