Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    31-May-2016

إيطاليا والأردن معاً لبناء الجسور - بقلم - السفير الإيطالي جيوفاني براوزي
 
 الراي - منذ سبعين عاماً صاغ الأردن وإيطاليا مستقبلهما ضمن إعدادات مؤسسية مختلفة، ولكن يبقى الهدف الجامع والمشترك بينهما هو أن يكونا بلدين للحوار والانفتاح والتعددية. هذه هي الرسالة ذاتها التي أكدها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم خلال زيارته الأخيرة الى روما في شهر كانون الاول الماضي، إذ قال جلالته: «وبالرغم من أننا نتحدث لغات مختلفة، إلا أن قيمنا المشتركة توحد صوتنا الذي ينادي بمبادئ التسامح والسلام والاحترام المتبادل». إنني أشعر بقوة بهذا التقارب، وخصوصا خلال احتفالات المملكة الجارية بالذكرى المئوية للثورة العربية الكبرى التي ميزت تاريخ الأردن الحديث. منذ ذلك الوقت تقريباً، كان الإيطاليون يتواجدون في هذه البلاد، ولم يشعروا قط بأنهم أجانب، وكانت مساهماتهم المتنوعة في مجالات عدة في غاية الأهمية، منها: التراث الثقافي، والصحة، والتعليم، والحوار بين الأديان، والفن، والسياحة، والتدريب المهني، والتنمية الاجتماعية، والأشغال العامة والموارد المائية. في هذا السياق، نذكر على سبيل المثال لا الحصر اسمين لامعين: الدكتور (فاوستو) والأب (ميشيل بيتشرلو)،إذ أن إنجازاتهم بالإضافة لإنجازات العديد من الايطاليين والأردنيين الآخرين الذين عملوا سابقاُ وما زالوا يعملون حتى الآن تعطي الرؤية والزخم للعمل المشترك هذا والذي يمكن أن نطلق عليه «الإرث الإيطالي الحي في الأردن».
ويتبلور هذا التعاون من خلال العلاقات الثنائية المميّزة والعديد من المبادرات المشتركة بين الجانبين في المحافل متعددة الأطراف. التعاون في المجال السياسي آخذ في الازدياد، وخاصة ضد شرور الإرهاب والتطرف العنيف والتعصب الثقافي والديني. نحن متفقون تماماً حول قضايا السلام العالمي والأمن والهجرة وسوريا وليبيا والحملات ضد داعش.
أرى ممكناً بل لزاماً أن يتم انجاز المزيد في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة في مجال مساعدة الأردن لمواجهة الأعباء الإضافية الناجمة عن تدفق اللاجئين. لقد قدمنا تعهداً هاماً في مؤتمر لندن الذي عقد في شباط الماضي لتنفيذ خطة الاستجابة الأردنية. نحن ندعم الاتفاقيات التي سيوقعها قريبا الأردن مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي. نحن على أتم استعداد للقيام بدورنا باعتبارنا أحد أهم الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين للأردن. لقد كشفت بيانات التبادل التجاري بين إيطاليا والأردن عن زيادة في الصادرات الإيطالية إلى الأردن لعام 2015 مقارنة مع العام السابق بنسبة 10.6٪، مقارنة بانخفاض الصادرات الأردنية إلى إيطاليا بنسبة 15.5٪. إن أفضل وسيلة لتحقيق التوازن وتوسيع نطاق التجارة هي من خلال تنمية الاستثمارات المتبادلة وتوسيع قاعدة التعاون التجاري. ترجمة هذا الأمر على أرض الواقع هي ممكنة ومناسبة للطرفين، وخاصة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة وخاصة في مجال «الاقتصاد الأخضر» وقطاع «الصناعات الإبداعية». نحن ملتزمون بالعمل الجاد لاستكشاف الفرص وإيجاد الخيارات، ونحن مهتمون بنفس القدر في دعم أعمال البنية التحتية الكبرى مثل مشروع ناقل مياه البحر الاحمر–البحر الميت وخطط الطاقة المتجددة.
علاوة على ذلك، تدعم إيطاليا العديد من البعثات الأثرية في الأردن مثل استعادة وترميم النصب التذكاري للنبي موسى على جبل نيبو، صون وترويج موقع التراث العالمي لليونسكو في أم الرصاص، وحفر وترميم مدينة أثرية تعود للعصر البرونزي في خربة البتراوي؛ وإجراء الأبحاث على أقدم المستوطنات البشرية ما قبل التاريخ في صدع شرق الأردن في وادي الزرقاء، وإجراء الأبحاث والحفريات في جبل المتوق والزرقاء، والأبحاث التي تعود الى القرون الوسطى في البتراء وقلعة الشوبك، وحفظ قصير عمرة المصنف كموقع من مواقع التراث العالمي، ومشروع «استقرار السيق»، مع اليونسكو. إن جميع هذه البعثات قد تم دعمها بفاعلية من قبل دائرة الآثار العامة الأردنية. وفقا للنهج الملهم للأب (ميشيل بيتشرلو)، فإن إيطاليا قادرة ومستعدة لتعزيز التعاون مع الأردن في مجال الترويج والحفاظ على التراث الثقافي، لا سيما في إطار حملة «متحدون مع التراث» التي اطلقتها اليونسكو.
إنّ ما يعمل حقا على تدعيم هذه الصداقة هي علاقة «الناس للناس». ونحن نفهم بعضنا البعض بسهولة، ونشاطر بعضنا في العديد من العادات والتقاليد خصوصا تلك المتعلقة بالضيافة. وما يبرهن على ذلك هو الأعداد الكبيرة من الطلبة الأردنيين الذين أنهوا دراستهم الجامعية في إيطاليا في الستينات والسبعينات من القرن الماضي والذين هم يعتبرون من أفضل الأصدقاء لدينا في هذا البلد الجميل. خلال السنوات الخمس الماضية، تضاعف تقريباً وجود الإيطاليين في الأردن: فقد بلغ عددهم عام 2010 )650( شخصاً أما اليوم فقد ارتفع إجمالي العدد ليصل إلى (1130) شخصاً. إنّ ما يقارب الـ 90٪ من السكان الايطاليين في الأردن يحملون جنسية مزدوجة (حيث يوجد الكثير من الأسر المختلطة). وفيما يخص التأشيرات الصادرة للأردنيين، فقد إزداد العدد في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن يزداد أكثر: ففي عام 2015، تم إصدار 6070 تأشيرة، مقابل 5590 في 2014 و 4788 في عام 2013.
وتماشيا مع التأكيد على «العامل البشري»، ينبغي تخصيص تعليق نهائي يخص القضايا الصحية. تم افتتاح المستشفيات الايطالية في عمان في عام 1927، وفي الكرك في عام 1935. ومنذ ذلك الحين، والتعاون يزداد باطراد. حيث يقدر عدد الأطباء الأردنيين المنتميين لجمعية الأطباء الأردنيين خريجي الجامعات الايطالية بأكثر من 850 عضوا. ويتم حالياً تطوير مبادرات مهمة في الوقاية من السرطان وجراحة القلب الخاصة بالأطفال. ونحن الآن نتطلّع الى عقد المجلس الطبي الأردني الإيطالي الثالث في شهر تشرين الثاني القادم في عمان.
في نهاية المطاف، نحن فخورون بهذه الإنجازات، ونحن ملتزمون ببذل المزيد من الجهود المشتركة بذات روح الصداقة والاحترام المتبادل والتسامح. إذا ما هي المرحلة التالية؟ من الصعب القول. من السهل نسبيا التنبؤ بأن الانقسام الحقيقي في عالم المستقبل سيكون بين هؤلاء الذين يهتمون بالحوار والشمولية والتضامن وبين أولئك الذين يخشون من «الآخرين» باعتبارهم خطراً يهدد «منطقة راحتهم». بالتأكيد، سيقف الأردن وإيطاليا على نفس الجانب: ألا وهو بناء الجسور وليس الجدران.