Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Aug-2019

ريـاح السمــوم تعـصـف فـي بساتين المكتبات ودور النشر

 الدستور- نضال برقان

في الوقت الذي عادت فيه (رانيا ..)، من دار نشر مرموقة وسط عمّان، بثلاثة كتب فقط، بلغت قيمتها 20 دينارا، كانت صديقتها (منى ..) تعود بالكتب نفسها، أو هكذا بدت، من مكتبة في وسط المدينة كذلك، غير أن قيمتها لم تتجاوز عشرة دنانير.
لاحظت الصديقتان فرقًا بين الكتب، من حيث جودة الطباعة، لكنها، في النهاية، الكتب نفسها، وبعد محاولة بسيطة من الاستقصاء، اكتشفت الصديقتان إمكانية استنساخ الكتب باهظة الثمن، وقرصنتها، وبيعها بأسعار زهيدة، في عمّان، بعيدا عن الالتزام بقوانين الملكية الفكرية السائدة محليا ودوليا، واكتشفتا كذلك أن القائمين على تلك القرصنة يعتقدون أنهم «لا يؤذون أحدا»، بل إنهم يعملون على انتشار القراءة وجعلها متاحة من قبل شرائح المجتمع كافة.
تقول رانيا لـ»الدستور»: «لطاما رغبت بالحصول على كتاب «سعادة مفرطة» للقاصة الكندية أليس مونرو، الذي صدرت نسخته العربية حديثا، لكنها لم تكن متاحة في المكتبات الأردنية، وقد قمت بتحميله عبر الشبكة العنكبوتية، ومن ثم قمت بنسخه من خلال مطبعة في المدينة، بتكلفة زهيدة، الحالة نفسها كنت عملتها مع العديد من الكتب التي لا تتوافر في السوق المحلية عادة، أو تتوافر بسعر باهظ، على سبيل المثال كتاب «صاحب الظل الطويل» لجين ويبستر الذي يباع بأكثر من سبعة دنانير، وكتاب «البناء الإستراتيجي للدولة الإسلامية في عهد الخليفة عمر بن الخطاب» لمتعب الزبن، الذي يباع بقرابة 18 دينارا، وكتاب «Windows Vista.. خطوة خطوة» لجوان بريبرناو لجويس كوكس، إذ يباع محليا بقرابة 14 دينارا.
 دعوة لإنشاء هيئة مستقلة لحقوق الملكية الفكرية
وفي ظل ما تشهده حالة قرصنة الكتب بشكل خاص، وقرصنة حقوق الملكية الفكرية بشكل عام، من تشعب وتضخم في المسؤوليات، في ظل ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، ذهب الأستاذ الكتور نضال العياصرة، وهو مدير عام دائرة المكتبة الوطنية، إلى ضرورة العمل على إنشاء هيئة مستقلة متعلقة بحقوق الملكية الفكرية، تضم جميع الجهات التي لها علاقة في حقوق الملكية الفكرية، على غرار: إدارة البحث الجنائي والجمارك والاتصالات والمطبوعات والنشر ومكتب حماية حق المؤلف في المكتبة، ومديرية براءة الاختراع والعلامات التجارية في وزارة الصناعة والتجارة، وهي الهيئة التي من شأنها أن تعزز الاستثمار في مجالات اقتصاديات المعرفة، مضيفا: «نحن بحاجة إلى نشر المزيد من الوعي بقانون حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة، وهو قانون متطور وعصري، وثمة مسؤولية جماعية مشتركة من قبل الأطراف كافة في سبيل النجاج في إنفاذه، إذ يوفر الحماية للمصنفات «المبتكرة في الآداب والفنون والعلوم أيا كان نوع هذه المصنفات أو أهميتها أو الغرض من إنتاجها».
واستنكر د. العياصرة ما تشهده الجامعات من استنساخ للكتب الأكاديمية، عن طريق المكتبات المنتشرة حولها عادة، بحجة توفيرها للطلبة بسعر زهيد، من دون الرجوع للمؤلفين أو لدور النشر التي أصدرتها.
 مكتب حماية حق المؤلف
وخلال زيارتنا للمكتبة نفسها زرنا «مكتب حماية حق المؤلف»، الذي يقوم بالتفتيش الدوري على المحلات و الشركات التي تتعامل مع المصنفات، والتفتيش بناءً على شكوى من صاحب الحق، وإسداء النصح و الإرشاد لمتلقي الخدمة وتقديم الخبرات الفنية في مجال حق المؤلف، والتعاون مع الجهات الأمنية والحكومية المعنية بحقوق الملكية الفكرية. وقد أحال المكتب، خلال العام الحالي، قضايا متعددة منها تسع قضايا متعلقة بـ»دويسيات مصورة»، وإحدى عشرة قضية متعلقة بقرصنة كتب.
 خبرة في استنساخ الكتب
السيد (... أبو نصار)، وهو أحد المتخصصين في استنساخ الكتب، وصاحب مكتبة ومطبعة في مدينة إربد، ويتمتع بخبرة تزيد عن منذ 12 سنة في هذا المجال، يقول لـ»الدستور» إن «دور النشر هي التي دفعته لهذه الممارسة»، إذ تقوم بعملية احتكار لمؤلفاتها، ولا تتيح له، بوصفه صاحب مكتبة صغيرة، الاستفادة من بيع الكتب، إذ تطلب أسعارا باهظة لكتبها، ولا تتيحها له برسم البيع، ما يدفعه لقرصنة تلك الكتب، التي تتنوع في مضامينها، بخاصة تلك الكتب التي تصدر عن دور نشر خليجية. ويفضل «أبو نصار» الابتعاد عن المؤلفات الأردنية، إذ لا يقرصن كتابا أردنيا إلا بعد التأكد من سلامة التعامل مع (الزبون)، أما إذا كان الكتاب لمؤلف عربي أو أجنبي فإنه يقوم بمهمته «بكل أريحية».
ويؤكد أبو نصار أنه يستنسخ كتبا متعددة كل يوم تقريبا، لافتا النظر إلى أنه لو جعل تعامله مع الزبائن من خلال الكتب الأصلية فقط، لكان «أقفل مكتبته منذ زمن..».
 نشاط من خلال الفيسبوك
ومع انتشار العمل من خلال صفحات خاصة على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، مثل الفيسبوك، وجدنا صفحات عديدة متخصصة ببيع الكتب، إذ توفر النسخ المطلوبة، من شتى العناوين، وتقوم بتوصيلها لـ»الزبون»، وتقدم تلك الصفحات خيارات متعددة بـ»منتجاتها»، بحسب السيدة (... عودة)، فهناك نسخ أصيلة، وأخرى ((MASTER تكون طبق الأصل عن الكتاب فإذا كان غلاف الطبعة الأصلية نافرا مثلا فإن نسخة الـMASTER تكون كذلك، وأخرى نسخة الـCOPY والتي قد ترد فيها بعض الأخطاء أثناء العمل في المطبعة، وهناك النسخ المصورة، وهي الأكثر شيوعا في الأوساط الجامعية. وتقدم تلك الصفحات على الفيسبوك عروضا لزبائنها، كأن توفر خمسة كتب (لواسيني ألأعرج أو أحلام مستغانمي أو عائض القرني أو ديستوفيسكي.. مثلا) بعشرين دينارا، وتحمل تلك الصفحات عناوين متعددة، وبعضها يعمل تحت غطاء الكتاب المستعمل.
وتؤكد السيدة (... عودة) أن الكتاب الأصلي يتوافر في معارض الكتب المحلية إلى جانب الكتاب المقرصن.
 في دائرة الاتهام
قرصنة الكتب في الأردن صناعة قائمة بذاتها، لها تجارها، و(زبائنها)، وهي ليست حكرا على الكتب الإبداعية، بل اتسعت الدائرة لتشمل الكتاب الأكاديمي، ما يشكل ضربة قوية لصناعة النشر الأردنية، الأمر الذي دعا اتحاد الناشرين الأردنيين إلى قرع ناقوس الخطر، من خلال مناشدته الجهات المعنية، العامة والأهلية، لـ»التصدي لقضية الاعتداء على حقوق المؤلف، وقرصنة الكتب التي تقوم بها معارض الكتب غير المرخصة وغير القانونية، وبعض المكتبات التي تبيع علنا من خلال إعلانات مموّلة على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى شبكة الانترنت بكثافة منقطعة النظير، ودون أدنى مسؤولية».
الاتحاد نفسه أكد، من خلال بيان رسمي حديث، «أن هذه الظاهرة بدأت تتفاقم مؤخرا، وخاصة مع الكتب الأكثر مبيعا لدى الناشرين الأردنيين والعرب، وتسببت للاتحاد بالحرج كونه عضوا مؤسسا في اتحاد الناشرين العرب، كما انها تضع الأردن في دائرة الاتهام أمام المؤسسات المعنية بتطبيق حق المؤلف، وقوانين الملكية الفكرية بأنه مرتع للكتب المقرصنة».
 قرصنة إلكترونية أيضا
وفي ظلال ثورة المعلومات التي يشهدها العالم، فإن قرصنة الكتب لا تقتصر، بطبيعة الحال، على الجانب الورقي، بل ثمة قرصة إلكترونية للكتب، إذ يصار إلى عمل نسخة PDF من الكتاب، من دون العودة إلى دار النشر  ونشرها بالمجان عبر الفضاء الإلكتروني، بحسب الناشر وائل عبد ربه، مدير دار يافا العلمية للنشر، وهو عضة الهيئة الإدارية لاتحاد الناشرين الأردنيين، الذي أكد لنا أن اتحاد الناشرين العرب رفع حديثا قضايا على أكثر من خمسين موقعا إلكترونيا لممارستها (القرصنة الإلكترونية). 
 مسؤولية جماعية 
وبعد، فإن ريح قرصنة الكتب واستنساخها تعصف في جنبات المكتبات ودور النشر الأردنية، مضيعة حقوق الكثير من المؤلفين، والأردنيين والعرب، مشكلة حالة من «الفوضى» التي يتوجب التصدي لها، ولعل أولى الخطوات تكون بإشاعة الوعي بحقوق المؤلف والملكية الفكرية، ومن ثم التصدي لها، بشكل جماعي، أملا بأن يكون الأردن فضاء آمنا وجاذبا للإبداع والمبدعين، وليعزز مكانته عربيا ودوليا في مجال حقوق الملكية الفكرية، التي هي مفتاح مهم من مفاتيح الاقتصاد العالمي الجديد.
(ملاحظة: جميع الأسماء الواردة في هذه المادة صحيحة تماما، وقد آثرنا عدم ذكرها كاملة التزاما بالسرية)