الغد - سوسن مكحل - يجلس عبد الرزاق عبد الحميد محيسن خلف طاولة مشغله في ضواحي منطقة المدرج الروماني (وسط البلد)، ليخط آخر النقوش على "الخنجر" المحيسني الذي اشتهر هو وعائلته في صناعته منذ عشرات السنين.
وتحتفظ ذاكرة عبد الرزاق بتاريخ عريق عن منطقة وسط البلد، وتراث الأجداد في صناعة "الشبرية" والخناجر، وبقصص تزيينها بأبهى صورة ليستخدمها الكثيرون في القرن المنصرم.
يصعد عبد الرزاق يوميا الى الطابق الثاني في مشغله الذي ينقسم لقسمين الأول؛ يحتضن المعروضات التي يقدمها لزبائنه من "شباري" وخناجر وتراثيات قديمة من الأسلحة المصنعة يدويا، وفي الطابق الثاني المشغل البسيط الذي يضم الأودات والمعدات المصنعة للخناجر.
ومنذ العام 1950 اشتهر أجداد عبد الرزاق بصناعة الخناجر، التي كانت تستخدم فعليا حتى منتصف القرن التاسع عشر، إضافة إلى أن بعض الخناجر سميت نسبة إلى العائلة ويقال عنها" شبرية محيسنية" وأخرى تسمى بـ"الهوشنية"، نسبة إلى عائلة في منطقة الشمال كانت معروفة أيضا بصناعة الخناجر والشباري.
وعن المهنة يقول محيسن في حديثه لـ"لغد"، بأنها موهبته وعشقه التي تعملها من الجد والأب وأصبح متميزا في صناعتها في العام 1989، ومتفانيا باتقانها بالرغم من التطور الذي غزى صناعة الأسلحة، مؤكدا أن هذه الصناعة تراث يعبر عن البدواة والريف الأردني.
ويرى محيسن أن ازدهار حرفة صناعة الخناجر، مردها أن المجتمع كان ريفيا ويستخدم تلك الأدوات لحماية نفسه، منوها إلى أن ثقافة المجتمع آنذاك كانت تربط الرجولة باقتناء الشاب لشبرية وتحديديا عند بلوغه سن الثامنة عشرة.
واعتادت عائلة محيسن منذ القدم صناعة الخناجر والشباري بأنواعها كافة، حتى إن عبد الرزاق آثر بعد انهائه شهادة الدبلوم البقاء برفقة والده ليتعلم تفاصيل حرفة صنع "الخناجر" ليورثها لأبنائها، إضافة إلى أن شقيقه وأبناء عمومته أيضا يمتهنون الحرفة ذاتها.
خبرة محيسن بصناعة الخناجر غير مقدرة بالسنوات، فهو اختبر منذ نعومة أظافره تفاصيل هذه الحرفة بدقة، وما تحتويه من أحجار كريمة تزيّنها وازدادت معلوماته مع السنوات، وهو يعرف الآن أنواع الخناجر المحلية والعربية كافة ومن يقوم على صناعتها محليا وعربيا.
وتملك "الشبرية"، كما يقول محيسن، تصميما متميزا؛ إما منحنيا أو مستقيما وفقا للطلب والشيء الذي تستخدم فيه بالقدم، منوها إلى أنها حاليا بدأت تأخذ أشكالا متنوعة ومزخرفة نظرا لتطور الأدوات وتعدد الآلات التي تصنع منها.
ويقول "بعض الخناجر عبارة عن فضة أو نحاس أو معادن أخرى، وتزيّن أحيانا بزخارف منحوتة أو أحجار كريمة، إذا كانت معدّة لشخصية كبيرة"، مؤكدا أن الكثيرين من الشخصيات المحلية والعربية كانت تتردد على مشغل عائلته لتصميم "شبرية" خاصة بهم.
وصناعة الخناجر، محيسن، تتم عبر ثلاث مراحل الأولى؛ هي صنع النص الذي يبدأ في تكوين القطعة "المعدن" وتشكيله على النار بالشكل المطلوب، يليه عمل غلاف المقبض الذي يبدأ من الخشب ويلبس بالنحاس، أما المرحلة الثالثة والأخيرة فهي؛ النقش والتزيين.
وتعتمد مدة إنهاء قطعة الخنجر أو "الشبرية" على الحجم المطلوب والنوع، وفق محيسن الذي يؤكد أن بعض القطع تحتاج صناعتها إلى أكثر من يوم إذا كانت مزينة ومزخرفة.
ويرى محيسن أن "الخنجر" المحلي الأردني معروف على مستوى المنطقة العربية، وتحديدا لدى أبناء دول الخليج العربي، الذين كانوا يقومون بزيارات خاصة للمشغل لتصميم خناجر يتميزون بها.
إلا أن إغراق السوق بالبضاعة غير المشغولة باليد والتجارية، من وجهة نظر محيسن، أثر على التراث الأصلي للخنجر، وذلك انعكس على تسويق التجار المحترفين لمنتوجاتهم.
ويأمل محيسن من الجميعات المنتشرة في المملكة والتي تعنى بالحرف اليدوية أن تؤمن دخلا حقيقيا للحرفيّ الذي يسعى بجهوده الشخصية للحفاظ على التراث الأردني، ذاهبا إلى أن دول الخليج العربي تهتم حاليا في الحفاظ على تراثها القديم من خلال عمل هيئات خاصة لحماية المنتوجات الوطنية التراثية.
ويتمنى محيسن أن يصبح هناك سوق دائم ومتخصص بالمنتوجات الحرفية التي تمثل التراث الأردني الأصيل، معتقدا أن تأسيس هيئة مستقلة لحماية التراث سيساعد من يملك موهبة في القيام بالعمل ضمن تلك المشاريع المهمة لحماية التراث.