Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Apr-2018

الاستقرار السياسي قبل بداية الثورة الصناعية التي انطلقت من بريطانيا - م. وائل سامي السماعين

الراي -  خاض المجتمع البريطاني بكل فئاته صراعات وحروبا اهلية دموية بين مختلف الطبقات وانظمة الحكم لفترة تجاوزت 500 عام والتي امتدت من القرن الثاني عشر حتى نهاية القرن السابع عشر , حتى استقر بهم الامر الى ان اصدر البرلمان الانجليزي الذي تم تشكيله عام 1329 قراره التاريخي في عام 1649 وهو ان الشعب مصدر السلطات, واتفقوا ايضا في نهاية تلك الفترة على المحافظة على النظام الملكي , وعدم تدخل السلطة الدينية في شؤون البلاد والتي كانت طرفا في تأجيج الصراع بين فئات الشعب. واصبحت الحياة السياسية والبرلمانية مستقرة منذ تلك اللحظة, وتطورت الى ان وصلت على ما هي عليه الان , ولهذا يطلق عليها اعرق الديموقراطيات في العالم. بعد تلك الفترة العصيبة , مهد الاستقرار السياسي الذي شهدته بريطانيا الى قيام الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر ومنها الى العالم اجمع. و اصبحت بريطانيا اغنى بلد في العالم في تلك الفترة, ولكن ازداد العمال فقرا وساءت احوالهم المعيشية بسبب جشع الطبقة الاقتصادية في البلاد وبدأت الاضرابات بغرض تحسين اوضاعهم, وتأسست على اثر ذلك النقابات العمالية التي تدافع عن حقوقهم , ومع تطور نفوذها اصبح بإمكانها الضغط على اصحاب العمل للحصول على اجور عادلة. في العام 1917 ظهرت الثورة الروسية واطاحت بالقياصرة وتم تأسيس النظام الشيوعي برئاسة لينين الذي انهى نفوذ الطبقة الاقطاعية واصحاب رؤوس الاموال لكي يعطي العمال حقوقهم. لكن في الخط الموازي ارتأى النظام الرأسمالي اشراك الطبقات العمالية في المكاسب وتحسين اوضاعهم ,ومن هنا تحسنت اوضاعهم المعيشية واصبحوا طبقة استهلاكية لمنتجات المصانع, وبهذا تفوق النظام الرأسمالي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على النظام الشيوعي الذي قام على انهاء طبقة رجال الاعمال والمال وانتهى هو الاخر في نهاية القرن العشرين.

لم نتعلم من تجارب ودروس الامم , فشهدنا في بداية القرن الواحد والعشرين فوضى ودمارا اجتاح عدة دول عربية , اطلقنا عليها في بدايتها ربيعا عربيا من اجل الحرية والديموقراطية, ولكن النتائج كانت عكسية , والتعافي من الدمار يحتاج الى مئات السنين.وكالعادة كانت التحليلات تشير بأصابع الاتهام الى الاخرين, ولكن الاسباب الحقيقية وراء فشل تجربة الشعوب العربية في نيل الحرية و الديموقراطية وارساء قواعد للحكم المدني ,هو اختطاف التيارات الحزبية والدينية منها تلك الموجة الشعبية. فهذه الاحزاب لم تكن تملك رؤية سياسية او اقتصادية او اجتماعية لبناء مجتمع مدني حديث , فأدواتها في العمل السياسي لم تتطور منذ مئات السنين, وكل ما لديها هي مفردات من اللغة العربية المتكررة التي تحاكي وتلهب مشاعر الشعوب, فجعبتها خاوية و لم تتعلم من الدروس المستفادة من تجارب الامم التي سبقتنا في ارساء الديموقراطيات والحقوق المدنية لشعوبها. وما زاد الطين بلة , ان الشعوب العربية في مجملها ومعظم قادة الرأي فيها لا تقبل الاخر ,و ما زال متأصلا فيها افكار عفى عليها الزمن من العنصرية و الكراهية الدينية او المذهبية او الفئوية او الجهوية وامراض مجتمعية كثيرة تشبه امراض الامم الاخرى التي دفعت ثمنا باهضا للتخلص منها. هذه الامراض التي هي جزء من الطبيعة البشرية تم معالجتها بالإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صدر في عام 1948 والتزمت فيها الشعوب الاوربية , وذلك بعد حربين عالميتين قتل فيها مئات الملايين من البشر بسبب العنصرية والكراهية الدينية في تلك الدول الاوربية. فشمل الاعلان العالمي لحقوق الانسان حرية المعتقد الديني وحرية التنقل والتمتع بالجنسية وحرية التعبير عن الرأي بلا خوف.....الخ. فالبنود
الثلاثة والثلاثين التي شملها الاعلان ارست دعائم الاستقرار الدائم والرخاء وازدهرت الحياة في اوروبا واصبحت تلك الدول قبلة للهجرة من كل شعوب العالم.
اما المجتمعات العربية ما زالت تعيش في اسوأ احوالها ولعل الارقام تؤكد ذلك, فتقارير منظمات الامم
المتحدة تشير الى ان العربي يقرا بمعدل 6 دقائق سنويا ,بينما يقرأ الاوروبي بمعدل 200 ساعة في السنة ,وتحتل الدول العربية ذيل القائمة من بين دول العالم في المساواة في الحقوق الدستورية بين الرجل والمرأة او حتى بين افراد المجتمع الواحد, وما زالت حقوق المواطنين المدنية والسياسية مهدورة ليومنا هذا , والممارسات التي يتعرض لها المواطنون ما هي الا انعكاس للقوانين في هذه البلدان. فبالرغم من تبني الجامعة العربية الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي يتيح حق التمتع بالجنسية, والاقامة والتنقل الحر, وحرية اعتناق الدين, الا ان كافة الدول العربية تتمسك برفض السماح للمرأة العربية بمنح جنسيتها لأولادها او زوجها, ويمنع العربي اقتناء جنسيتين عربيتين في آن واحد , ولا يمنح المواطن العربي جنسية البلد العربي الذي يعيش فيه ,وهذا كله ترجمة فعلية للفكر المتخلف والسائد الذي يهيمن على العالم العربي ونتيجته الحتمية ما نراه من مآس في الاقطار العربية متفاوتة الدرجة من بلد الى اخر.
في المقابل يتمتع الاردن وشعبه باستقرار نظام الحكم منذ بداية تأسيس الدولة الاردنية, فالأردنيون جميعا متفقون على نظام الحكم الملكي الهاشمي وذلك لأسباب عديدة , ومنها ان هذا النظام الملكي يجمع ولا يفرق ,ويدفع دوما باتجاه الدولة المدنية الحديثة التي يراعى فيها حقوق كل المواطنين الدستورية والمدنية بغض النظر عن اصولهم العرقية ومعتقداتهم الدينية , ويواكب الحداثة لمصلحة الشعب. فالأردن اصبح الملاذ الامن للشركس والارمن والشيشان وقبلة المهاجرين من فلسطين والعراق وسوريا وغيرها من الدول, ويعمل على اراضيه الملايين من ابناء الدول العربية وجميعهم حقوقهم محفوظة. وقد يكون الاردن البلد الوحيد في العالم العربي الذي يجاهر فيه الانسان بحرية تامة بانتمائه لأحزاب غير اردنية ويتشدق بإعجابه برؤساء دول وانظمة حاكمة قد تكن الكراهية و القانون غير الاخلاقي جاثما على صدور الاردنيين سنيين طويلة, حيث كان الكثيرين من ممثلي الشعب يرفض التصويت على تغييره ومنهم من ينتمي الى احزاب سياسية اردنية, الى حين جاء الفرج بتوصيات اللجنة الملكية في عام 2017 التي انصفت المرأة الاردنية, وعلى اثر ذلك قامت الحكومة بتقديم مشروع تعديل القانون الى مجلس النواب الذي اعتمده بالأغلبية واصبح هناك عقاب للمغتصب. هناك الكثير من القضايا المجتمعية الاخرى التي تتجنب الاحزاب السياسية الخوض فيها, مثل حقوق المرضى الذي يكفله مشروع قانون المساءلة الطبي والذي يحفظ حق المواطنين من عبث الاهمال غير المقصود في تقديم الخدمة الطبية, وغيرها الكثير من القضايا التي تخص حقوق المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن , ودعم الشباب في المحافظات, وعلى رأسها توزيع مكتسبات الثروة على جميع المحافظات بشكل عادل. الاصلاح السياسي لتقاسم الكعكة يجب ان لا يكون الهدف , بل وسيلة الى تحسين مستوى الحياة والرفاهية للمواطن الاردني ومساعدته على التغلب على التحديات والمشاكل التي تواجهه. واذا ارادت الاحزاب السياسية المشاركة الفعلية في الحكم عن طريق الاقتراع, فعليها اولا تقليص عددها من 33 حزبا الى حزبين او ثلاثة , ومن الضروري ان تكون مبادئ الحزب نابعة من الهم الوطني الاردني , ومواكبة للحداثة , ومتبنيه لمبادئ الاعلان العالمي لحقوق الانسان , وهذه اساسيات لابد منها لكسب ثقة المواطن فيها. واما برامجها فيما يتعلق في البطالة او المديونية او تنشيط الحركة الاقتصادية وغيرها يجب ان تكون واضحة
المعالم, وليست مبنية فقط على المعارضة السلبية وانتهاز الفرص والصيد في الماء العكر والغوغائية , بل معارضة ايجابية تضع الحلول الممكنة لكافة المشاكل, ويجب ان تكون مبنية على اسس علمية ومعتمدة على اهل الخبرة في معالجة كافة القضايا السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية حتى تكون مقنعة للناس, فالشعارات الرنانة لا تؤدي الى نتيجة, فالمواطن الاردني يعرف نتيجة تلك الشعارات من ما جرى في الدول المجاورة لنا , فطبيعة الانسان الاردني هي الوسطية والعقلانية. ومن الضروري في هذا السياق ان نشير الى ان جميع الموازنات العامة للدولة تم الموافقة عليها من مجالس النواب المختلفة, ومنهم من كان ينتمي للأحزاب السياسية في البلد , فلهذا لم تكن المديونية التي وصلنا اليها مفاجئة للبعض كما يدعون , فالحكومات المتعاقبة ومجالس النواب والاحزاب كانت تعلم علم اليقين بها, بل وتتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن أي اخطاء كانت قد ارتكبت الحراك الشعبي الحالي هو تعبير حقيقي عن الغضب ضد بعض السياسات الحكومية ومنها الاقتصادية والاهمال المتكرر او التهميش , والتي نتج عنها معاناة لبعض المواطنين وخصوصا الطبقات الفقيرة , وقطاع الشباب الذي ازدادت فيه اعداد العاطلين والباحثين عن عمل وبالتحديد في القرى و الارياف. يوجد
للكثيرين انطباع بان محافظة الكرك او الطفيلة او معان او مادبا هي محافظات فقيرة ,ولكن الواقع يقول
بانها عكس ذلك , حيث توجد فيها اماكن سياحية مثل البتراء وكنسية الفسيفساء والبحر الميت ومصادر هامة للثروة الطبيعية مثل الفوسفات والبوتاس والصخر الزيتي والمعادن , والتي تدر دخلا لا يقل عن مليار دينار كضرائب لخزينة الدولة, وتشكل مصدرا هاما للعملة الصعبة يقدر بالمليارات من المبيعات , ولذلك بات من الضروري زيادة الدعم المالي والاستثمار في تلك المحافظات حيث تشير التقديرات الى ان نسبة الفقر والبطالة عالية بين ابنائها, وقد يكون من المفيد ايضا ارسال ابنائهم في بعثات دراسية وتدريبية واشراكهم في ادارة المشاريع الاستثمارية في مناطقهم مثل الفنادق ,ومشروع الصخر الزيتي الذي يحتاج الى المئات من المهندسين والفنيين بعد تشغيل محطة الكهرباء وغيرها الكثير من المشاريع , فأبناء تلك المناطق لهم الأولوية بالوظائف في مناطقهم لتخفيف حدة الفقر بينهم.
الاستقرار السياسي الذي يعيشه الاردنيون ادى الى ان اطلق البعض على الاردن اوروبا العرب, وذلك لما يتمتع به المواطن من حقوق وحريات لا تجدها في أي بقعة في العالم العربي المضطرب, الذي ما زال يقتل فيه المواطن على اساس الهوية الدينية او العرقية , ولهذا يجب ان نحافظ على منجزاتنا الوطنية ونساهم بتطويرها لنكمل مشوار قصة النجاح الذي بدأناه بقيادة المغفور له جلالة الملك حسين رحمه االله. وكخطوة اولى في تطوير الحياة السياسية , من الممكن ان يٌدرس امكانية انتخاب نواب لرئيس الحكومة بالاقتراع المباشر من الشعب, وذلك في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية يختارهم الشعب في كل اربع سنوات لحين ان تنضج الاحزاب السياسية الاردنية ويكون لها شأن فاعل في حياتنا.
waelsamain@gmail.com