Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    26-Nov-2021

في تشكيل الموسيقى شعرًا تأملات في قصيدة «من وحي السمفونية الخامسة لبيتهوفن»

 الدستور-ناظم ناصر القريشي

 
 
 
الموسيقى جميلة، أما إذا كانت في حالة من الإعجاز فهي اسطورة، ولا شكل لها إلا ذاتها، والشعر الذي هو خلاصة أحلامنا ورغباتنا والأمنيات، يعود إلى فطرته معها، فيتسع كثيرا بين الحسي والحدسي، والمعرفي والإبداعي والشاعرة سجال الركابي في قصيدتها (من وحي السمفونية الخامسة لبيتهوفن ) تعبر عن شغفها بالموسيقى فشكلتها شعرا بالكلمات، حيث تتحول الكلمات إلى فكرة الموسيقى، فتبدأ القصيدة من فكرتها المفترضة، حلماً، تأملاً، إيحاء، للإنشاء بقدر ما تطمح للمحاكاة، فالموسيقى تأتي منسجمة مع ذاتها، تغتسل بالضوء تتعلم من الماء سر البقاء، تبوح بأسرارها وتمضي، ويبقى الحلم اشبه بالمعجزات، أن تكون هنا وانت هناك، أو حتى تكون هنا وانت هنا لكن في زمن كوني موازيا لزمنك الأرضي، في زمن الموسيقى التي هي رحلة لها اسرارها باتجاهات متعددة، والأفكار التي ولدت منها ستأخذنا إلى أفكار أخرى، فتقول الشاعرة في مفتتح القصيدة:
 
عِنْدَ خطِّ تماسِّ الأرواح
 
هذه العبارة الواسعة كالأفق، والمتسعة في مجازها الكثيف، خارج فيزياء المادة قريبة من الروح، يتحلل فيها صوت الشاعرة من/وفي اللغة، لتبتكر عالمًا موازيًا للحظة الآنية التي عزفت فيها سمفونية القدر أول مرة بقيادة بتهوفن، حين لا سر يليقُ بالموسيقى الا الموسيقى؛فهي تتجدد في سرها، فتعيد ابتكار ذاتها، وتستعير من آلاتها سر البقاء، وترافق القصيدة إلى حيث تبلغ افتتانها بذاتها، فيتموسق اللحن في تماوجه ارتفاعاً
 
وصعوداًومتتالياًكمتواليات قوس التشيللووامتدادهافي الضوء كرغبة للانعتاق، ومتتابعاً، مشد تناغمه الإيقاعي و التكوينيضربات الطبول القاسية والمتوالية ايضا، وهذا ما يفسره الكنترباس في تأويله، وهذا ما دفع الشاعرة سجال إلى أن يكون لها رؤى مماثلة فتجعل روح الموسيقى تستيقظ في الكلمات وترسم نفسها عبر نوتات السلم الشعري مرة أخرى، وتصبح مرئية عبر الكلمات، فتحاكي قدر السمفونية بقدر القصيدة فتحمل في يدها عدّاد جايجر وهو يؤشر لوجود المعادن المختلفة، وأضنه هنا هو قلبها الذي يتوجس شكا من الخداع، فتنبجس المشاعر كضربات الطبول التي تتكاثف في تعاقبها اللحني لتعلن قدرها في الكشف عن الجوهري و الحقيقي:
 
عِنْدَ خطِّ تماسِّ الأرواح
 
أبحثُ...
 
في يدي عدّاد جايجر*
 
... إن.... أخطأكَ القلبُ أو العقل
 
سيقرأ
 
.. عنقودَ الذهب عن... الحصرمِ
 
ضَوعَ َالرازقي عن... العطرِ المُصنّعِ
 
الذي يؤرجحُ الدوار
 
مهما تداريتَ وارتديتَ من... أقنعةٍ ثلجيةِ الفتورِ
 
.. يشي العداد بارتجافِ قلبكَ
 
تومض فكرة الشعر تحت إغراءات الموسيقى؛ إذ تتولى هي فعل المجاز في القصيدة،، فهي أي الموسيقى حركة نحو المطلق مكتملة الحضور، حتى الكلمات استحضرت حضورها الامثل، فمن وجهة نظر جمالية هذا ما سيحث الأن، الشعر الجميل يحتفل بالقيمة الفنية العظيمة للموسيقى، ويبدأ الحلم الواعي يشكل حضوره الجمالي، كأنه شيء عصي على الاستحضار يتحقق، فيكون أشد توهّجاً في مقامات الفعل الشعري
 
عند خطِّ الأفُقِ... ساعةَ يغرد العندليبُ
 
عندَ... عذوبةِ العشبِ الأخضرِ المُندّى...
 
ببوح بكاء على صدر كمانٍ
 
في يد فتاةٍ...متطايرةِ الشعر...
 
ذائبةِ الروح ِفي لحن ِالمعنى
 
أُغادرُ مقعدي... أختلِسُ أطرافَ أنامِلِها
 
لأعزفكَ نغمةً متسربةً في السمفونيةِ...
 
وفي أوج التصاعد الدرامي للكلمات سيحضر بتهوفن، وحضوره يتطابق تمامًا مع فكرة القصيدة بدفقها الحيوي، وامتلائها الفياض،وسيقول كثيراً
 
بالتخاطر؛ هل لاحظ مرور الموسيقى عبر الكلمات والوقت... ؟، هذا ما تتمثله به القصيدة في بلاغة التعبير الشعري إلى روح الموسيقى
 
يلتفتُ بيتهوفن!.. يهزّ أذنه الصمّاءَ
 
يبتسمُ لرؤيتنا والطيورِ والغيوم
 
ثم تتدفق الموسيقى في القصيدة، ساحرة وفاتنة تتسق مع ذاتها، عبر تآلفات طويلة للكمانات في نموها اللحني، لترسم طرق رقيقة للحياة بعيدا عن تجريد موندريان، قريبة من تأملية مانيه في انطباعيته، كألوان ماتيس الوحشية ولكن بأفكار بول كلي، كأنما كل شيء استكمل حضوره المثالي، فتستدرج الشاعرة اللون تحولاً/احتمالاً في حركة الضوء، كما جسد راؤول دوفي المشاعر نغمات وهو يرسم الأوركسترا موسيقا، فتقول:
 
... نردّدُ مع النرجسِ البريّ
 
عِطر الطبيعة... مخمليّة الأحمرار
 
تصاحبنا أجنِحة... من ضوءِ البرتقال
 
تُمطِرُ نجوماً...ذهبيّةَ الغنجِ
 
... تتطاير نُدف الثلجِ... دافئة الرَّقصِ
 
... نطيرُ
 
سحابة نورٍ ولحن تلاشي
 
قدمت لنا الشاعرة سجال الركابي نصاً شعرياً بلغة حية، يتعانق داخله الشعر والموسيقى بتوافق هارموني، كأن كل شيء يجري فيه بإيعاز من الموسيقى، حيث يتمثل الشعر في هيئتها وهي تتداولها الآلات في نموها اللحني اعتماداً على براعة تشكيلها، فقد جاءت على شكل مثالٍ أعلى لبلاغة جوهرها، في بحثها الدائم عن معناها الوجداني والفني على السواء، فالقصيدة دراما شعرية متناغمة موسيقيا مع صميمية السمفونية، وخاصة في افتتاحيتها القدرية
 
القصيدة:
 
«عِنْدَ خطِّ تماسِّ الأرواح
 
أبحثُ...
 
في يدي عدّاد جايجر*
 
... إن.... أخطأكَ القلبُ أو العقل
 
سيقرأ
 
............. عنقودَ الذهب عن... الحصرمِ
 
ضَوعَ َالرازقي عن... العطرِ المُصنّعِ
 
الذي يؤرجحُ الدوار
 
مهما تداريتَ وارتديتَ من...... أقنعةٍ ثلجيةِ الفتورِ
 
... يشي العداد بارتجافِ قلبكَ
 
عند خطِّ الأفُقِ... ساعةَ يغرد العندليبُ
 
عندَ... عذوبةِ العشبِ الأخضرِ المُندّى...
 
ببوح بكاء على صدر كمانٍ
 
في يد فتاةٍ...متطايرةِ الشعر...
 
ذائبةِ الروح ِفي لحن ِالمعنى
 
أُغادرُ مقعدي... أختلِسُ أطرافَ أنامِلِها
 
لأعزفكَ نغمةً متسربةً في السمفونيةِ......
 
يلتفتُ بيتهوفن!؟.. يهزّ أذنه الصمّاءَ
 
يبتسمُ لرؤيتنا والطيورِ والغيوم
 
... نردّدُ مع النرجسِ البريّ
 
عِطر الطبيعة... مخمليّة الأحمرار
 
تصاحبنا أجنِحة... من ضوءِ البرتقال
 
تُمطِرُ نجوماً...ذهبيّةَ الغنجِ
 
...... تتطاير نُدف الثلجِ... دافئة الرَّقصِ
 
...... نطيرُ
 
سحابة نورٍ ولحن تلاشي».
 
*عداد جايجر: يؤشر لوجود المعادن المختلفة