Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Mar-2021

مئوية الدولة.. إبداع وإنجاز وأخيلة تتمازج حول الوجدان

 الدستور-الناقد فوزي الخطبا

 
جاء تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية من رحم الثورة العربية الكبرى، لا سيما أن هذا الحمى العربي الضارب تاريخه في الجذور والذي شهدت أرضه حضارات منذ فجر التاريخ، فتحت كل حجر قصة وتاريخ ورواية، وبجانب كل عين ماء حضارة وإبداع وإنجاز، وفي كل سهل من سهوله عبق دماء الشهداء الأبرار، وأعالي جباله تشكل الحافة الشرقية لحفرة الانهدام، وتطل مدنه الجبلية الغنية بالكروم والتين والزيتون المشرفة على أولى القبلتين وثاني الحرمين، وباتجاه صحرائه الذهبية الغنية وهي كانت طريقا للقوافل التجارية في الحضارات القديمة، وقلاعه وقصوره ومدارجه التاريخية مقاصد الخلفاء والأمراء والعلماء وطلبة العلم، بوابته مُنطلق للفتح الإسلامي وزمانه ومكانه معطران بعبق التاريخ والمجد والعلياء.
 
مئوية الدولة إبداع وإنجاز وأخيلة تتمازج حول الوجدان مثل رحيق الأزهار.
 
نتحدث عن الأردن في مئويته الموقف والراية والثورة والشهادة والكرامة وصهيل خيول الفتح على أرضه ومئويته واليرموك وصبره وجمره الجميل.
 
لقد شهدت أديمه الديانات السماوية الثلاث وقامت على أرضه حضارات منذ (الكنعانيين) ومروراً بممالك مثل مملكة عامون، وادوم، ومؤاب إلى الآشوريين والفرس والرومان والعصر الإسلامي والأمويين والعباسيين والفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين إلى أن توج بالثورة العربية الكبرى، والهاشميون قادتها ورموزها.
 
لقد جاءت الثورة العربية الكبرى تعبيراً عملياً وتجسيداً ملموساً لاماني العرب ومفكري الأمة وكان من نتائج الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه أنها آخت بين العرب وأن إخوته العقيدة هي التي ساقت أحرار العرب إلي المشانق التي نصبها جمال باشا السفاح في بلاد الشام عام 1915 وعام 1917 في عالية ومرج الشهداء وكان أحرار العرب يتقدمون إلى الموت ببسالة وشجاعة فهذا محمد المحمصاني يتقدم إلى حبل المشنقة بكل شجاعة وبسالة ويقول «إني أموت شهيداً فلتحيا أمتي وليحيا العرب» وقال زميله الشاعر عمر حمد «إني أموت غير خائف ولا وجل أموت فداء الأمة العربية» أما الشاعر والأديب رفيق سلوم تقدم إلى حبل المشنقة رافع الرأس بكل ثقة وجرأة، يصفه مدير مكتب جمال باشا السفاح الذي شهد إعدام هذه النخبة المتميزة من أبناء العروبة بقوله «إنه كان مثالياً حقيقياً قبل الموت بوجه ضاحك بسّام كان آخر من سيق إلى المشنقة وقد سبقه ستة أشخاص وعندما وصل إلى رأس الميدان ورأى المشنقة الفارغة قال: «يظهر أن موقفي هناك» وأخذ يسير نحوها ولكن عندما وصل إلى المشانق رأى جثة الشيخ عبد الحميد الزهاوي عضو (مجلس المبعوثان) متدلية من المشنقة الأولى أخذ طوراً وسلم عليها صاحاً مرحباً يا أبا الحرية وعندما صعد إلى كرسي المشنقة لمح بين الحاضرين شاباً تركياً كان زميله في كلية الحقوق في إسطنبول فوجه إليه عبارة وداع.
 
لقد أخرجت الثورة الأمة من نطاق الخطب والكلمات الرنّانة إلى الواقع العملي العسكري وبعثت الثورة العربية الكبرى في نفوس أبناء الأمة العربية الثقة والآمال والطموحات ولذلك جاءت الثورة العربية الكبرى ضرورية وملحة في ذلك التاريخ الصعب من تاريخنا الحديث الصعب فاتجهت أنظار وقلوب أبناء العروبة إلى قامة كبيرة وسيّد من أسيادها الشريف الحسين بن علي طيّب الله ثراه أن يكون منقذاً للأمة من الظلم والطغيان بعد معاناة العالم العربي من الجور والتعسف من قبل جماعة الإتحاد والترقي التي استخدمت الإرهاب والقمع في مختلف الولايات العربية وأهملت اللغة العربية في كافة الدوائر الرسمية وكان التعليم بالتركية لا بالعربية وتجنيد شباب الأمة في جبهات القتال في أوروبا الشرقية وفرض الضرائب بمختلف مسمياتها وأنواعها وإهمال التعليم وكافة الخدمات إهمالاً فاضحاً في لذلك جاءت الثورة العربية الكبرى لإنقاذ هذه الأمة من خطر الإتحاد والترقي والتتريك، والأردن صنع للثورة العربية الكبرى عقالاً و كوفية وعلى أرضه حسمت أشهر المعارك مما حدا بقائد الجيوش العثمانية وفاتح النمسا «حامد فخري» للقول: لقد خدمت أربعين سنة من عمري في الجيش ولكني لم أشاهد ثواراً يقاتلون كما يقاتل هؤلاء القوم.
 
ومع طلقات الرصاص انطلقت قصائد كبار شعراء الأمة العربية يحيون الثورة وقائدها ورمزها الشريف الحسين ابن علي طيب الله ثراه، فهو الأمل المرتجى، ورجل المرحلة ومنقذ العرب من الظلم والطغيان، سنقف عند أهم القصائد التي قيلت في الثورة العربية الكبرى للشاعر فؤاد الخطيب الذي كان من أشهر الشعراء اللذين كتبوا عن مجريات الثورة العربية الكبرى بكل صدق وأمانة، وكان بحق شاعر الثورة العربية الكبرى مؤمنا بأهدافها ورسالتها ومعجبا بقائدها ومفجرها ورمزها الشريف الحسين ابن علي الذي ضحى بكل ما يملك في سبيل الثورة ونبل أهدافها وحتمية انتصارها فهي ثورة الحق والعدل التي نادت إلى تحرير الإنسان العربي من كل قيد واستعباد وظلم وطغيان، يحيي الشيخ فؤاد الخطيب الثورة العربية الكبرى بفرح غامر وعزيمة قوية وهمة عالية بأروع الصور وأبلغ الكلام وبلاغة فذة ولغة جزلة، في قصيدة يقول فيها:
 
«حي الشريف وحي البيت والحرما
 
وانهض فمثلك يرعى العهد والذمما
 
يا صاحب الهمة الشماء أنت لها
 
من كان غيرك يرضى الأين والسأما
 
واسمع قصائد ثارت من مكامنها
 
إن شئتها شهباً أو شئتها رجما
 
من شاعرٍ عربي غير ذي عوج
 
قد بارك الله منه النفس والكلما..».
 
لقد جاء تأسيس إمارة شرق الأردن امتداداً لهذه الثورة، وأخذ الأمير عبدالله ابن الحسين الأول يبني الدولة الأردنية بالحكمة والمحبة والصبر، واستلم الراية الملك طلال بن عبدالله الحكم ووضع دستوراً من أرقى دساتير الحكم في العالم، واستلم الراية المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال الذي بنى الأردن الحديث، واستلم الراية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه عام 1999 بكل ثقة واقتدار.
 
كانت الوحدة العربية لم تفارق ذاكرة ومخيلة قائد الثورة العربية الكبرى الحسين بن علي طيب الله ثراه وأنجاله من بعده وكان الهاشميون من السباقين إلى وحدة الأمة ونهضتها منذ قيام الثورة العربية الكبرى وهي من أحد أسبابها، وكذلك وحدة الهلال الخصيب التي نادى بها الملك عبدالله الأول ابن الحسين، وكذلك الوحدة بين الأردن والضفة الغربية واتفاقيات التضامن مع الدول العربية الشقيقة والوحدة مع العراق واتفاقية الدفاع المشترك ما بين الأردن ومصر عام 1967، والمشاركة في كافة مؤتمرات القمة العربية في أصعب الظروف وأحلكها، واستضافة أبناء العروبة عندما اشتدت عليهم ضائقة الزمان والأحوال.
 
وكان الأردن معاضداً للحركات الوطنية في كفاحها ونضالها من كل قيد واستعباد وداعماً للحركة الوطنية الفلسطينية معنوياً ومادياً وراعياً للمقدسات الإسلامية، وظل وسيبقى الأردن السند والعون إلى القضية الفلسطينية حتى تتحرر أراضيها ويعود الحق إلى أهله ونغني مع محمود درويش:
 
«نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا
 
ونزرع حيث أقمنا نباتاً سريع النمو
 
ونحصد حيث أقمنا قتيلا
 
ونكتب أسماءنا حجراً حجراً
 
أيها البرق أوضح لنا الليل
 
أوضح قليلاً
 
ولكم المجد».