Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-Jul-2017

بين القناعة والطمع - د. صلاح جرّار
 
الراي - عندما يتناول أيّ واحدٍ منّا قطعة حلوى صغيرة أو ثمرة حلوة من أي نوع من الثمار مهما قلّت درجة حلاوتها فإنه يجد في فمه طعماً لذيذاً قد لا يفارقه لساعات طويلة. لكنّه إذا بدأ بتناول حلوى شديدة الحلاوة ثمّ أتبعها بالثمرة الحلوة ذاتها، فإن الثمرة قد تفقد كثيراً من حلاوتها وإن كانت في حقيقتها حلوة مستساغة وطيبة لذيذة.
 
وهذا يعني أنّك إذا بدأت حياتك بالكثير وعوّدت نفسك عليه فإنّه لن يقنعك بعد ذلك ما هو دونه في الكثرة وإن كان القليل منه يكفيك. وهذه القاعدة تنطبق على كلّ من أحرز شيئاً كثيراً في حياته من أموال أو ممتلكات أو مناصب رفيعة، فإنّه لا يطيب له ما دونها حتّى وإن كان في غنى عنها، ذلك أن الأمر يعود إلى ما عوّدت نفسك عليه، فإن عوّدتها على الإفراط في شيء فإنها تأنف من الإقلال منه بعد ذلك حتّى لو كان ضارّاً، وإن عوّدتها على الإقلال من البداية فإنّها تقتنع به، وفي ذلك يقول الشاعر:
 
والنفسُ راغبةٌ إذا رغّبتها وإذا تُرَدُّ إلى قليل تقنع
 
ومعنى ذلك أنّ الأمر يعود إلى الشخص نفسه فهو المسؤول عن تعويد نفسه على الطمع والشراهة والمبالغة، والمسؤول عن تربيتها على القناعة وعدم تجاوز ما يكفيها من المال والقوت والشراب وغير ذلك من متطلبات الحياة.
 
وهذا يدعونا إلى مراجعة كثير من صور سلوكنا الاجتماعي التي تقوم على المبالغة والإسراف والإفراط فيما يمكن اقتصاره على ما يسدّ الحاجة.
 
وأستذكر في هذا المجال الأشخاص الذين يقومون بعمليات تصغير للمعدة، فإنهم قبل إجراء عملياتهم يأكلون بشراهة ويعانون من السمنة المفرطة، وربّما سبب لهم ذلك الكثير من الأمراض الخطرة نتيجة السمنة، وإذا حاولوا أن يقلّلوا من كمية ما يأكلون وجدوا صعوبة بالغة في ذلك وسرعان ما يتراجعون عن قرارهم.
 
ولكنهم عندما يجرون عمليات تصغير المعدة فإنهم يجدون أنفسهم مضطرين لتناول كميات قليلة ومحدودة من الطعام، وربّما يعانون في بداية الأمر من بعض الصعوبة في مقاومة شهوتهم للطعام لكنهم بعد ذلك يألفون عادة التقليل من كمية ما يأكلون، ليثبت لهم بعد ذلك أنّ الإكثار من تناول الطعام كما هو الإقلال منه، هي عادة يمكن للمرء أن يعتادها، وليست حاجة لا بدّ منها.
 
ولذلك فعلى المرء أن يروّض نفسه على عدم تجاوز حاجته من الطعام والشراب وسائر متطلبات العيش، وأن يجعل القناعة شعاراً له، لأنّ فقد الشيء بعد ألفته والتعوّد عليه يسبب له ضيقاً وكدراً، على خلاف الزيادة في الشيء الجميل بعد نقصانه والافتقار إليه.
 
والاعتدال في كل شيء هو الوجه الأمثل، قال تعالى: «والذين إذا أنفقوا لم يُسرفوا ولم يَقْتُروا وكان بين ذلك قواما» (67 الفرقان). وقال «ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسُطْها كلَّ البَسْط فَتَقْعُدَ مَلوماً محسوراً» (29 الإسراء).
 
salahjarrar@hotmail.com