Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Oct-2019

ضرورة العودة إلى خطط التنمية*أ. د. كامل صالح أبو جابر

 الدستور-أقول بداية أن لا بد لنا من العودة إلى إعداد خطط تنموية اجتماعية واقتصادية مما قد يمكن بلدنا من الخروج من المأزق الاقتصادي وحتى الاجتماعي، الذي هو حالة اليوم. الدعوة هنا إلى العودة إلى اعتماد التخطيط تنبع من القناعة أنه كلما كانت البلاد صغيرة محدودة الموارد كلما تعاظمت حاجتها إلى ضرورة حصر مواردها والبحث عن أنجع السبل لاستعمالها للصالح العام.

التخطيط هو وضع استراتيجية للمستقبل يحدد أهداف المجتمع، أو حتى العائلة، الرئيسية، ويبحث عن أفضل الوسائل والسبل المتاحة للوصول إلى تلك الأهداف، الأمر الذي يعني عملياً التحكم المعقول والمرن بالمستقبل. وهذا نهج يدل على النضوج والوعي اتبعه الأردن في الفترة ما بين 1970-1990، تلى عنه، وللأسف، لحظة انهيار الفكر الاشتراكي والترويج إلى انتصار الليبرالية والرأسمالية، وما دعي له صموئيل هنتنغتون من صراع الحضارات وفرانسيس فوكوياما من نهاية مزعومة للتاريخ.
واضح أن التاريخ لم ينته وأن الرأسمالية دون مضمون إنساني تصبح متوحشة تنتصر فيها افكار الدارونيةالاجتماعية التي تدعو إلى البقاء للا صلح حيث لا رأفة ولا رحمة في الطبيعة، وحيث البقاء والغلبة هي للأقوى.
وأوضح كذلك أن استعجالنا في اتباع هذا النهج والتخلي عن التخطيط العقلاني لحياة مجتمعاتنا قاد إلى مزيد من تعقيدات الحياة واتساع الهوة ما بين الغني والفقير وظهور طبقات لم يعرفها تراثنا من قبل.
الرأسمالية أولاً وأخيراً معنية بالربح لا بالعدل ولا بالسلام الاجتماعي، وهو نهج لا ينسجم مع تاريخ وتراث حضارتنا العربية الإسلامية التي ترتكز إلى قيم روحية وإنسانية تسمح بالفردية ولكن ضمن قواعد وشروط الرأفة والرحمة والتراحم، العدل عندنا أساس الملك.
جميع هذه أمور تطرقت إليها الأوراق النقاشية لملكنا عبدالله الثاني، وهو الأمر الذي يؤكد عليه المرة تلو الأخرى في تصريحاته وتوجيهاته ولقاءاته المتكررة.
لا أدري إذا كان من المناسب أن نطلب من هذه الحكومة أو تلك، أو هذا الوزير أو ذاك أن يحدد خطة عمل معقولة. المفروض أن الوزير أو رئيس الحكومة شخص سياسي يساهم في رسم السياسة لا في تفاصيل ودقائق وقد لا يكون طبيباً ولكنه مسؤول عن وزارة الصحة، بعضهم قد يتقلد منصبه دون أي معرفة له بامكانيات وطاقات ومهمات وزارته وليس من العدل أن نتوقع أن نطلب منه الوضوح التام في الرؤيا أو المعرفة الدقيقة في التفاصيل.
في فترة التخطيط 1970-1990 كان الوزير يدخل إلى مكتبه ليجد أمامه خطة تنموية اقتصادية واجتماعية يعمل بهديها تحدد أهداف وزارته، وبعض الوسائل الكفيلة للوصول إلى تلك الأهداف، كل ذلك بمرونة تفرضها أوضاع البلاد والموارد المتاحة. بالطبع هناك مجال للمسؤول أن يجتهد وحتى أحياناً أن يرتجل ولكن ذلك يجري ضمن الخطة التي لا بد من الالتزام بها، أما اليوم فلا أحد يدري كيف تسير الأمور.
وأخيراً لا بد من الاعتراف أن النهضة التي ينعم بها الأردن معجزة بكل ما في هذه الكلمة من معنى اذ أتذكر الأردن الذي عاصرته منذ البداية والحياة فيه بسيطة حتى يمكن القول أنه لم يكن عندنا اقتصاد بالمعنى المتعارف عليه اليوم إذ كان الحال أقرب إلى البدائية حتى نهاية الأربعينيات من القرن الماضي. لم يكن عندنا مدن كما نعرفها اليوم: عمان قرية صغيرة واربد بيوت قليلة معدودة ولم تكن هناك الزرقاء والسلط بلدة صغيرة تحتضنها جبالها العالية. معظم الخلق يسكنون بيوتاً من الحجر الغشيم والطين أو بيوت الشعر والبعض حتى في الكهوف. أما كيف انتقلنا وبسرعة وفي فترة جيلين أو ثلاثة فقط إلى ما نحن فيه اليوم فيعود الفضل في ذلك إلى الشراكة الحقة ما بين قيادة عاقلة وسيطة ورحيمة وشعب أبي طموح.
لاستمرار هذا التقدم والتطور المذهل لا بد لنا من العودة إلى التخطيط الذي أحسب أنه القاعدة التي لا بد لأي بلد يحاول النهوض من الالتزام بها.