Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    11-Nov-2017

نحن شعوب محظوظة - د. سائدة خليل عبده

الراي -  قد يستغرب القارىء أن تصدر هذه الرؤية عن مثقف أو بالأصح عن صاحبة قلم وبخاصة في هذه الأوقات العصيبة من هذا الزمان. لكن صاحبة هذا القلم ومسطّرة (الشدة على الطاء) هذه الكلمات ترى أن هذا الزمان هو المؤشر الذي قد يقود بل سيقود إلى ما هو أجمل وأعظم، وإليكم الحكاية:

أم هاشم طرقت باب بيتي قبل عدة أيام وطلبت مني أن أرافقها في مشوار مهم، ولأنني في ذلك الصباح كنت على موعد مهم، فإن تجاوبي معها لم يكن مشجعاً لكنني وأمام اندفاعها أدركت انني أمام واجب انساني لا مفر. ارتديت ملابسي في الحال وتوجهنا هي وأنا رغم أزمة المرور إلى ما أشارت إليه، وأمام قاعة فسيحة ملآى بالعباد بمختلف الأعمار توقفنا مرغمتين عن المسير لأنني لم أعد قادرة على دعم ذلك الجسد الثقيل الذي أودعته صاحبته بين يديّ ومما زاد الطين بلّة أنها أي–أم هاشم- استسلمت على كتفي وغرقت في نوم عميق مع لهاث وأنين.
نظرت إلى وجهها الباهت الحزين وأحكمت القبضة حول كتفيها بكلتا يدي ونظرت حولي لعل هناك من يحاول الدعم أو الإرشاد. لم تمض لحظات نعم، لم تمض لحظات إلا ومجموعة من ملائكة الرحمة–من الصبايا و الشبان بملابس بيضاء - يتجهون نحونا ويستأذنونني بتسليم الأمانة التي بين يديّ. سلّمت الأمانة كما طلبوا وتنحّيت عن الأمر في الحال مع غصة بين الأضلاع، وبعد لحظات من الزمان جاءت واحدة من ذوات الملابس البيضاء وقادتني إلى كرسي في نهاية المكان وأحضرت لي كأساً من الماء وغادرت المكان. عدلت جلستي، شربت الماء، مسحت العرق المتصبب على وجهي وجسدي واسترخيت. عشر دقائق مرّت إلى حين استرددت أنفاسي وتوقف جسدي عن الرجفان وتوجهت بعد ذلك أبحث عبر الممرات الطويلة وغرف المرضى العديدة عن الأمانة التي كانت بين يديّ، وفي نهاية المطاف وبمساعدة واحد من العاملين وصلت المكان وهناك وجدت الأمانة بأمان، وهي الأخرى بملابس بيضاء، وحولها من أبنائها طبيب واحد ومساعدون ومجموعة من الطلبة المتدربين كما قدرت. سألت الطبيب المختص فطمأنني بلطف واهتمام أن جميع الإجراءات الطبية ستأخذ مجراها وكما قال والتوكل على االله. زرتها في الأيام التالية وأثناء زياراتي المكوكية تلك كنت أستثمر فضولي وجارتي العجوز نائمة في التعرف على معالم ذلك الصرح الذي يعج بالناس، فتحدثت مع بعض المراجعين المتواجدين في المكان فأشادوا بإنسانية العاملين بلا استثناء بدءاً بالأطباء مروراً بموظفات الاستعلامات وانتهاءً بحرّاس المركبات، إلا واحدا من المراجعين كان ماراً فتدخل وأعطى منزعجاً بعض الملاحظات، ومنها إذ قال «صعوبة تحديد مواعيد عيادات الاختصاص» و»التأخرفي إجراء العمليات» و»طول مواعيد التصوير الشعاعي» و»الازدحام أمام الشبابيك» هي وغيرها ما يزعج الإنسان. نظرت إليه وخلفه العشرات وقلت هذا الموضوع يستحق أن يتناوله القلم بالكلام فالازدياد اللافت في حجم المستفيدين - كما لاحظت كاتبة هذا المقال- من مراجعين رجالاً ونساءً وأطفالا الذين شدهم تدني الأسعار–تسعيرة وزارة الصحة–قد يؤدي بطبيعة الحال إلى تدني الخدمة الطبية وإلى نقص في المردود المالي يضاف إلى ذلك–مع كل اسف- الخسائر المادية الناتجة عن عدم جدية بعض المراجعين في التعامل مع الممتلكات من أثاث ومعدات وهذه جميعها وغيرها تحتاج إلى تسليط الضوء بل الأضواء لإسناد هذا الصرح الواسع العطاء. جراحة القلب/ الباطني/ الأطفال /النسائية / العيون / الأسنان / زراعات الكلى / القوقعة / القرنية حتى تصل إلى تسعة عشر (19 (قسماً في مختلف التخصصات والتفرعات. نعم كل هذا لافت للانتباه عن الأقسام والإداريين وقياديي هذا القطار وأصحاب القرار في»مستشفى الأمير حمزة»، لكن الذي شدني ودفعني إلى سطر ما سطرت هو وجود الإنسان في هذا المكان. أذكر الطبيب أمجد والممرضة خولة وأبا حسن وغيرهم وغيرهن الذين قدموا الأداء الجاد ولجارتي قدموا الحنان، وكما قال سقراط «ضع يدك على قلبك أيها الإنسان وامض مطمئناً إلى الأمام».
 
وعلى كلّ حال وعند مغادرتنا لهذه المستشفى «مستشفى الأمير حمزة» وأم هاشم– جارتي لعقدين وبضع سنوات كما أشرت – معافاة بحمد االله ولسانها لم يكف عن الدعاء قلت الأوضاع الاقتصادية تهدّ الظهر نعم وغيرها يقلق المنام نعم ونعم، لكننا رغم كلّ هذا وذاك نحن نعيش في زمن يغبطنا غيرنا إن لم أقل يحسدنا على ما نحن عليه، فلنعل من قيمة ما نملكه ولا نستهين ولنشعر بالزهو والفخر فنحن شعوب محظوظة رغم بعض المعوقات والمستقبل حتماً لنا ما دام فينا الإنسان، فهو الرصيد، وهو الضمان، وهو الصمام، وعاش الإنسان.