Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    24-Jul-2017

البردّوني.. الحب والحرب والكوليرا.. - محمد كعوش
 
الراي - في ليلة صيف من زمن بعيد، التقيت بالشاعراليماني عبدالله البردوني ورافقته الى مهرجان جرش، هو شاعر كبير ساحر ساخر، فقد بصره وهو في الخامسة من عمره ولكن الله وهبه البصيرة والذكاء والموهبة وخفة الظل. في الطريق الى جرش كان يردد بيتا من قصيدته « الغزو من الداخل « فيقول: « فظيع جهل ما يجري.....وأفظع منه أن تدري «، والحقيقة أن للشاعر البردوني الراحل قصائد عديدة ورؤية خاصة استشرف فيها المستقبل الكارثي للامة، والحاضر المأساوي الذي تعيشه اليمن ومعها بلاد العرب، كأنه نظم هذه القصائد في موسم الربيع العربي.
 
رحل الشاعر اليماني دون أن يدري أن المشهد الذي تناولته قصائده حول الحاضر العربي قد تحقق، وهو القائل: « غزاة لا اشاهدهم... وسيف الغزو في صدري «، في الحقيقة هو غزو بدأ من الداخل على شكل حروب أهلية كما توقع الشاعر، قبل أن يتطور الأمر ليتحول الصراع الداخلي الى حروب اقليمية وعالمية تشابكت فيها الأهداف وتقاطعت فيها المصالح، خصوصا في ليبيا والعراق وسوريا واليمن، حيث سادت الفوضى وعم الأرهاب تحت شعارات وعناوين منها ما هو «أصلاحي « صناعة اميركية مستوردة ، أو اعتماد خطاب سياسي ديني اختبأ خلف «المقدس» بهدف التضليل.
 
وبمناسبة الحديث عن الشاعر اليماني الراحل ، فهولا يدري عن انتشار مرض الكوليرا في بلاده بزمن الحرب ، وهو يذكرني برواية غابرييل غارسيا ماركيز بعنوان « الحب في زمن الكوليرا « التي تصف أجواء الحروب الأهلية في منطقة الكاريبي. ولكن في الرواية نرى أن الأخلاص للحب هو الذي دفع بطل الرواية العاشق « فلورنتينو» الى ممارسة الخداع حين رفع راية وباء الكوليرا فوق سفينته بهدف الأنفراد بحبيبته ابنة السبعين عاما في رحلة حتى النهاية ، الى ما وراء الحب ، ولكن في اليمن الأمر مختلف ، فالكراهية هي التي تحرك الحرب هي التي تدور فصولها في زمن الكوليرا، بل هي الكارثة التي حملت وباء الكوليرا.
 
وما يحدث في اليمن من فوضى وعنف ودمار وكوليرا هو جزء من المشهد العربي العام، والثابت أن الشاعر البردوني الذي أمضيت ليلة كاملة مع قصائده لم يكن متفائلا بالحاضر العربي، ففي قصيدته عن « ابو تمام وعروبة اليوم « يعطي صورة عربية واقعية قاتمة وكأنه يدق على خزان الوعي العربي مبكرا فيقول في بيتين :
 
« اليوم عادت علوج الروم فاتحة....وموطن العرب المسلوب والسلب «
 
« هم يفرشون لجيش الغزو أعينهم... ويدّعون وثوبا قبل أن يثبوا «
 
وبهذه المناسبة، لا اريد الأطالة في الكتابة عن البردوني واستشرافه للمستقبل ولا عن قصائده السياسية التي تنبأ فيها عن حاضر عربي كارثي واستهداف الهوية العربية ، لأنتقل الى الوضع العربي الراهن بتطوراته المتسارعة وتحالفاته العجيبة. فالفوضى الهدامة التي صدّرتها الولايات المتحدة الى المنطقة مع رياح الربيع العربي تحولت الى حملة غزو وارهاب شملت اكثر من بلد عربي.
 
هذه الموجة الربيعية الدموية قد انكسرت واندحرت وستتلاشى في الأيام القريبة المقبلة ، لأن دور التنظيمات المتطرفة الأرهابية المجندة قد انتهى ، وتم رفع الغطاء عن قياداتها ومنتسبيها مع انتهاء مهماتهم وخدماتهم وسيكون مصيرهم مثل « خيول الأنجليز « عندما تهرم ويستغنى عنها.
 
ولكن اللافت أن كل القادة ، وعلى المستويين الأقليمي والدولي ، أنكروا اليوم هذه التنظيمات المتطرفة الأرهابية ، التي اصبحت بلا اب ولا أم ، ولكن بعد الخراب العربي العام ، وهنا يحضرني التساؤل الذي يقودنا الى الشك ، اذا كانت كل هذه الدول مجتمعة تحارب الأرهاب ، فمن هي الدول التي كانت ولم تزل تدعم هذه التنظيمات بالتمويل والتسليح والتدريب ... عجيب أليس كذلك ؟!