Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Sep-2019

جنوح متزايد نحو اليمين: الأحزاب الدينية في الانتخابات الإسرائيلية

 الغد-ديفيد بولوك؛ وتمار هيرمان* – (معهد واشنطن لدراسة الشرق الأدنى) 5/9/2019

في خضم الاضطرابات التي تسود الانتخابات الإسرائيلية الوطنية المقرر إجراؤها في 17 أيلول (سبتمبر) بشكل غير مسبوق للمرة الثانية في غضون ستة أشهر، يبرز عامل رئيسي غالباً ما يتم تجاهله: الدور اليميني الحاسم للأحزاب الدينية الصغيرة. وعلى الرغم من تزايد معدلات المجموعات الأرثوذكسية المتطرفة، إلا أنها ما تزال تحصل على خُمس الأصوات فحسب، وبالتالي على خُمس المقاعد في الكنيست. لكن هذا سيكون على الأرجح كافياً لمنع تشكيل حكومة مركزية ضيقة تحت قيادة كاحول لافان، حزب (أزرق-أبيض). ونتيجة لذلك، فإن النتائج الأكثر ترجيحاً هي إما تشكيل حكومة يمينية ضيقة أخرى يقودها الليكود، أو حكومة يمينية مركزية أوسع تضم كلا من الليكود وكاحول لافان.
ويرجع ذلك إلى أن تفويضات الأحزاب الدينية تكاد تكون دائماً حاسمة لتشكيل الأغلبية اللازمة في البرلمان. وكانت آخر مرة تشكّلت فيها حكومة يسار-وسط في إسرائيل ممكنة بالتحديد لأن هذه الأحزاب الدينية اليهودية كانت راغبة في الانضمام إليها. وقد تشكلت تلك الحكومة قبل عقدين من الزمن، خلال فترة رئاسة إيهود باراك قصيرة الأجل، وبالتحديد في الفترة ما بين العامين 1999 و2000. وبعدها، لم توافق الأحزاب الدينية على الانضمام سوى إلى الائتلافات الحاكمة اليمينية. وبالتالي، هذان هما النوعان الوحيدان للحكومات الإسرائيلية التي تشكلت منذ ذلك الحين، حتى عندما كان يسار الوسط واليمين متعادلين تقريباً.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن هذا الميل الديني اليميني، غير المتناسب بشكل ملحوظ، في سبيله إلى تكرار نفسه في الانتخابات المقبلة. ووفقاً للنتائج الدقيقة، من المتصور أن يتم جذب الأحزاب الدينية في إسرائيل للانضمام إلى نوع من حكومة “وحدة وطنية” مؤلفة من يمين الوسط، أو أن يتم استبعادها من مثل هذا التحالف المتناقض تماماً. ومع ذلك، فإن أحد أهم الأمور التي تبدو شبه مؤكدة هو أن: هذه الأحزاب الدينية المعارضة ذات الميل اليميني ستستمر في منع تشكيل أي حكومة يسار-وسط في إسرائيل، حتى لو لم يكتسب اليمين أي مسار واضح للأغلبية المطلوبة في مقاعد الكنيست البالغ عددها 61 مقعداً.
علاوة على ذلك، اتفق البيان الأخير الذي أصدره كل من بيني غانتز ويائير لابيد، زعيما حزب الوسط البارز، مع الجمهور من حيث رفضه وازدرائه لتلك الأحزاب الدينية “الفئوية”. ولذلك، فإن الشيء الوحيد الذي يبدو شبه مؤكد هو أن معارضة هذه الأحزاب الدينية ستستمر في منع تشكيل أي حكومة وسط بحتة. ولذلك، وردًا على سؤال جاء في استطلاع أجري في آب (أغسطس) عن نوع التحالف المتوقع، توقّع 5 بالمئة فقط من عامة الإسرائيليين اليهود تشكيل حكومة يسار-وسط، برئاسة حزب “كاحول لافان” (حزب أزرق-أبيض).
لطالما كانت الأحزاب السياسية الدينية اليهودية جزءا من المشهد السياسي الإسرائيلي. وتعود جذورها إلى مؤسسات الحركة الصهيونية السابقة للدولة. وعلى مر السنين، مثّلت تلك الأحزاب قطاعين دينيين مختلفين: القطاع الأرثوذكسي المتطرف (على سبيل المثال، حزب “أغودات إسرائيل”) والحزب الأرثوذكسي أو الديني القومي (على سبيل المثال، حزب “همزراحي”)، والذي عرف لاحقاً بحزب المفدال الديني، أو الحزب الديني القومي. ولكن، لم يمثل أي من هذين الحزبين -أو لم يكن من الممكن أن يمثل- كلا القطاعين في الوقت نفسه، إذ انقسما بشدة حول العقيدة الصهيونية ومسألة دولة إسرائيل ككيان يهودي. وكان القطاع الأرثوذكسي المتطرف معادياً للصهيونية -أو غير صهيوني على الأقل- وبالتالي كان ينظر إلى دولة إسرائيل ككيان سياسي بلا قيمة دينية يهودية. غير أن القطاع الأرثوذكسي القومي ملتزم بشدة بالفكرة الصهيونية ويرى إسرائيل ككيان ذي أهمية دينية.
علاوة على ذلك، يرى القطاع الأرثوذكسي المتطرف أنّ قيام دولة إسرائيل يشكل تطوراً سلبياً في التاريخ اليهودي. ففي نظام معتقداته، لكي يجد الخلاص، يجب على الشعب اليهودي انتظار عودة المسيح وأن لا يتخذ خطوات فعالة لتغيير وضعه الوجودي. أمّا القطاع الديني القومي، فيعتبر أن دولة إسرائيل هي بداية الخلاص الوطني والديني اليهودي، وبالتالي فهي مقدسة.
يعترف كلا القطاعين، الأرثوذكسي المتطرف والديني القومي، بسلطة القيادة الدينية -أي حاخامات كل منهما. ومع ذلك، في حين أن الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة ترى أنّ سلطتها تفوق بكثير سلطة الدولة ومؤسساتها في ميادين الحياة كافة، فإن الأحزاب الدينية القومية ترى أن مؤسسات الدولة هي السلطة المعنية بالشؤون السياسية، وأنّ الحاخامات هم السلطة العليا في المسائل الدينية. وتطرح الازدواجية الأخيرة إشكالاً كبيراً عندما تكون للحالة جوانب سياسية ودينية في الوقت عينه. على سبيل المثال، من هو السلطة المعنية -السياسي أم الزعيم الديني- عند مناقشة الانسحاب من أجزاء من أرضي إسرائيل الكبرى، لأن هذه الخطوة تتعارض مع وعد الله بإعطاء الأرض كلها لبني إسرائيل (أي اليهود).
سواء كانت صهيونية أو غير صهيونية، لطالما كانت الأحزاب الدينية اليهودية الإسرائيلية صغيرة من حيث جاذبيتها الانتخابية. وهي تحصل على نفوذها السياسي القوي وغير المتكافئ، بالدرجة الأولى من الحاجة الراسخة في هيكل النظام البرلماني الإسرائيلي إلى بناء تحالفات متعددة الشركاء من أجل الحصول على أغلبية كبيرة بما يكفي في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي). أضف إلى ذلك دافع جميع رؤساء الوزراء الإسرائيليين تقريباً، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي، إلى تأكيد التزامهم بالتاريخ والقيم اليهودية من خلال ضم أحزاب دينية إلى حكوماتهم القائمة على التحالفات.
في الماضي، كان بإمكان الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة والأحزاب الدينية الوطنية أن تنضم بسهولة إلى كل تحالف، سواء كان بقيادة حزب العمل أو الليكود (الحزبان المهيمنان سابقاص في إسرائيل). وكانت الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة مهتمة بشكل أساسي بتأمين ميزانيات ضخمة لمجتمعاتها، التي لم تعتبر نفسها مشاركة في الخطاب السياسي العام الإسرائيلي. وعلى وجه الخصوص، لم يهتم أي من مجتمعات أو زعماء الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة بالمسائل الأمنية والعلاقات الخارجية التي تشكّل نقاطاً محورية في السياسة الإسرائيلية. أمّا الأحزاب الدينية القومية، فكانت أكثر انخراطاً في هذا الخطاب، غير أنّ وجهات نظرها المعتدلة حول الأمن والاقتصاد والقضايا الأخرى مكّنتها في الماضي من التحالف مع الجهات الفاعلة السياسية غير الدينية من اليسار واليمين.
مع ذلك، تغيرت الأمور بشكل جذري في السنوات الأخيرة؛ حيث تحولت سياسة كل من القطاعات العامة والأحزاب التي تمثل كلاً من هذه القطاعات -الحزبين الأرثوذكسيين المتطرفين حزب “يهودات هتوراه” (التوراة اليهودية الموحدة) وحزب “شاس”، والحزب الديني القومي “البيت اليهودي”- إلى اليمين. وقد تم تسييس القطاع الأرثوذكسي المتطرف بعمق، حتى أن البعض يقول أنه “تصهين”. وكما هو موضح أدناه، منذ منتصف التسعينيات -واليوم أكثر من أي وقت مضى- يُعرّف أعضاء هذا القطاع أنفسهم على المستوى الشعبي، وبأعداد هائلة، على أنهم يمينيون.
وينتسب القطاع الديني القومي بشكل واسع إلى اليمين السياسي، ولكن مع استثناءات قليلة. ويتعاطف هذا اليمين بشدة مع مشروع الاستيطان في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وكذلك مع مجتمع المستوطنين. وأخيراً، مر القطاع الديني القومي بمرحلة انتقالية إدراكية: فهو لم يعد يعتبر نفسه جهة سياسية متزمتة، وإنما رأس الحربة الإيديولوجية داخل المجتمع اليهودي الإسرائيلي. ويستخدم قادة هذا القطاع تعبيراً مجازياً شائعاص: “إننا لم نعد مجرد ركاب على متن قطار الأمة. إننا نشغل بالفعل مقعد السائق”.
تجعل هذه الهوية السياسية الواضحة الأحزاب السياسية الدينية من المشاركين الحاسمين في جميع التحالفات اليمينية، وتزيد من قوة مركزها التفاوضي مع قادة “الليكود”. ومن ناحية أخرى، على خلاف ما كان يجري في الماضي، فإن هذه الهوية تقلل من المجال السياسي لمناورة قادتها؛ إذ يكاد يتعذر عليهم التصرف في الاتجاه المعاكس لإرادة الناخبين السياسية، وبالتالي يُعتبرون مشاركين فعليين في تحالف الوسط أو يسار الوسط.
وعلاوة على ذلك، فإنّ الأمر يعمل في الاتجاهين. فبشكل عام، فضّل نتنياهو وحزبه اليميني “الليكود” إنشاء تحالف أضيق مع الأحزاب الدينية على تحالف أوسع يكون من دونها. وبدلاً من التشكيك في نفوذ الأحزاب الدينية، كما يفعل الكثير من تيار اليسار أو الوسط، يميل حزب الليكود والأحزاب اليمينية المنشقة إلى الاحتفاء بهم واستيعاب رغباتهم. وفي الجانب الآخر من المشهد السياسي، باتت الأحزاب الوسطية واليسارية في إسرائيل مناهضة للأديان بشكل متزايد.
في السياق الانتخابي الحالي، تشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أن الحزب اليميني الوسطي الصغير، الذي يتزعمه أفيغدور ليبرمان، “إسرائيل بيتنا” -وهو حزب متشدد وقومي يهودي، وإنما علماني- قد يضاعف مقاعده إلى 10 مقاعد، وتتوقع أن يلعب دوراً رئيسياً في تشكيل الائتلاف. وقد دعا الحزب إلى وضع حد لإعفاءات المتدينين اليهود من الخدمة العسكرية الإجبارية، وإنما من دون استبعاد أي تحالف مع المتشددين. ولطالما كان يائير لابيد، رئيس الفصيل الكبير “يش عتيد” (هناك مستقبل) الذي ينتمي إلى حزب الوسط “كاحول لافان”، المنافس الرئيسي، يميل إلى العلمانية في الحياة العامة الإسرائيلية.
إذا كانت هذه الأحزاب المتنافسة على استعداد لأن تنظر في إقامة تحالف مع الأحزاب السياسية العربية في إسرائيل، التي من المتوقع أن تحصل على 10-13 مقعدا في التصويت المقبل، فإنها قد تقترب أكثر من تحقيق الأغلبية، حتى من دون أي دعم من الأحزاب الدينية اليهودية. غير أنّ أحزاب المعارضة الوسطية هذه ما تزال غير راغبة في دراسة هذا الخيار. ومن الجدير بالذكر أن معظم الأحزاب العربية قد أبدت في الماضي عدم رغبتها في الانضمام إلى أي حكومة إسرائيلية. ومع ذلك، شكلت الأحزاب العربية جزءاً مهماً من “الأغلبية المعيقة” ضد حزب الليكود، والتي مكّنت إسحق رابين من تولي رئاسة الوزراء في العام 1992. وقد عرض أحد كبار قادتهم اليوم، أيمن عوده، المساعدة في إعطاء تيار الوسط أغلبية جديدة بعد الانتخابات المقبلة.
تتنبأ عملية الاقتراع الشكلية الأخيرة بأن الأحزاب الدينية ستحافظ على قوتها -أو حتى ستزيدها. وتتوقع أن يحصل الحزب الأشكنازي الأرثودوكسي المتطرف “يهودات هتوراه” على نحو ثمانية مقاعد، وأن يحصل حزب “شاس” السفرادي على ثمانية مقاعد أيضاً؛ وربما يذهب أحد عشر مقعدًا لحزب “اليمين” الجديد اليميني، وهو اسم على مسمى، والذي يرث عدداً كبيراً من الناخبين “المتدينين القوميين” المتشددين الذين كانوا يصوتون سابقاً لحزب “البيت اليهودي”، بالإضافة إلى آخرين. وقد تقلل عملية الاقتراع الشكلية هذه من شأن الناخبين المتدينين، الذين قد يكونون أكثر تحمساً للتصويت مرتين في ستة أشهر، والمعروفين أيضاً بالعزوف عن التصويت -أو حتى تضليل منظمي الاستطلاعات عن قصد.
لذلك، إذا كان الماضي يشكل دليلاً، فإننا قد نرى الأحزاب الدينية اليهودية في إسرائيل وهي تمنح اليمين، مرة أخرى، أفضلية حاسمة لدى تشكيل التحالف. ومن المؤكد أن السياسة الإسرائيلية نالت نصيبها من المفاجآت في الآونة الأخيرة، كما تضيف مشاكل نتنياهو القانونية إلى هذه التكهنات طبقة جديدة من الشكوك. ولا يمكن استبعاد وجود تحالف أوسع مؤلف من شراكات غريبة، ربما من دون بعض الأحزاب الدينية. ومع ذلك، فإن تشكيل تحالف يساري-وسطي ضيق يبدو مستحيلاً تقريباً -حتى لو كان ذلك فقط بسبب الدور الخاص الذي تلعبه هذه الأحزاب الدينية الصغيرة في الدولة اليهودية المعلنة ذاتياً.
 
*ديفيد بولوك: زميل في معهد واشنطن، والذي يركز على الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط. تمار هيرمان: أستاذة العلوم السياسية في “الجامعة المفتوحة في إسرائيل” والمديرة الأكاديمية لـ”مركز غوتمان للرأي العام وبحوث السياسات” التابع لـ”معهد الديمقراطية
في إسرائيل”.