Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Jun-2017

اللامركزية الفنية.. هدف تريد "محطات" المصرية تحقيقه - باميلا كسرواني

 

 
متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية
الغد- الشغف هو الدافع، والفن المعاصر هو الأداة لنشره. قد تصلح هذه العبارة كتعريف عن المؤسسة الاجتماعية والثقافية المصرية "محطات للفن المعاصر"؛ مؤسسة تجعل من الشوارع والأماكن العامة خشبة مسرح وعرض لأعمالها وتنقل الفنون إلى الأحياء والمناطق المهمشة لتُصبح قريبة من "عامة الشعب"، أولئك الذين لم يعتادوا أن يكون الفن بأشكاله موجهاً لهم.
شغف ينعكس في صوت المؤسسة الشريكة والمديرة العامة هبة الشيخ خلال حديثنا المطول التي تقول لنا فيه أن "محطات" هي "مبادرة تعمل على إتاحة الفن ولامركزيته. ولذلك، نستخدم الشارع والأماكن العامة كما أنها تريد توفير الفرص للتعريف بالفنون بطرق مختلفة إضافة إلى توثيق العمل والمهنة وتبادل المعرفة".
الكثير من الطموحات والمشاريع والنشاطات انطلقت نهاية 2011 مع خمس مؤسسات وما زالت متواصلة وتتطوّر حتى اليوم. وتخبرنا الشيخ "هناك أكثر من دافع لإطلاق "محطات". في البداية كنّا خمسة أشخاص وأصبحنا اليوم شريكتَين إلا أن جميعنا كنّا نعمل بطريقة أو بأخرى في المجال الفني. وكنّا نُعاني من غياب الأُطر والرؤى الواضحة. من ناحية أخرى، كان الهدف إطلاق شكل مؤسسي بديل ومستدام للأفراد الذين يعملون في هذا المجال". وتتابع القول "كنا نلاحظ أيضاً غياب العروض الموجّهة للناس بكل اختلافاتهم وفي أي نطاق جغرافي كانوا. فنحن نعمل في هذا المجال ونلاحظ أن الناس الذين يُقبلون على العروض هم نفسهم؛ حتى الأفراد الموهوبون كانوا يضطرون إلى الانتقال إلى العاصمة لتنمية مواهبهم".
لكل هذه الأسباب، أرادت "محطات" أن تجعل من اللامركزية ومن نشر الفنون إلى أكبر جمهور ممكن ركيزة أساسية في نشاطاتها؛ ما انعكس أيضاً في اسم المؤسسة. وهنا تقول الشيخ "لم نشأ أن نؤسس مركزاً آخر لا بل أردنا أن نكون متنقلين وأن نتمكن من العمل في أماكن مختلفة. وبالتالي، نعرض للمواطنين في الأماكن العامة، فيتوقّفون ويشاهدون العرض ثم يُكملون حياتهم وكأنه فاصل صغير في الحياة العامة يعجّ بعروض فنية مختلفة".
وتضيف الشيخ "بعيداً عن ذلك، نفتقر للتسلِية والفرح في حياتنا. فبالنهاية، ما نقوم به هو توزيع الفرح والابتسامات والتسلية ونشر الجمال وتفجير الإبداع إضافة إلى تسليط الضوء على المناطق المهمشة".
"محطات" تجول في المناطق
تقدم مؤسسة "محطات للفن المعاصر" مشاريع من أنواع مختلفة وتشكّل العروض المتجولة حجر أساس فيها. ومن بين هذه المشاريع، أطلّ الفريق بعرض "صندوق العجائب" الذي أعاد إحياء تقليد سرد القصص بطريقة معاصرة. فاجتمع تسعة فنانين من مختلف التخصصات لرواية القصص المرفقة بالموسيقى مع اللجوء إلى الفن المتفاعل والرسوم المتحركة. 
عمِل الفنانون على مدار ثلاثة أشهر لجمع قصص سائقي سيارات الأجرة و"التك تك" وإجراء الأبحاث حول التكنولوجيا الجديدة واختبار جدوى دمج الحيل البصرية في الصناديق. وجذب هذا المشروع اهتمام نحو 1500 شخص خلال 11 عرضاً في مختلف الأحياء، مثل الزمالك، ومصر الجديدة، وعزبة خير الله، وشبرا، وبين السرايات.. 
أما مشروع "الأوبرا على الشرفات"، فأراد أن ينقل هذا الفن والموسيقى الكلاسيكية المحصورة عادة بدور الأوبرا وتحديداً في القاهرة، على حد قول الشيخ، إلى كل الأحياء. وتَعاونت المؤسسة مع جمعية "تيترو الفن المعاصر" لتقديم الأوبرا على شرفات المنازل في القاهرة وبورسعيد ودمياط منصورة لأكثر من 1700 شخص. وهنا تخبرنا بفخر الشيخ "العرض كان ناجحاً لأنه حقّق المعادلة التي نصبو إليها. أحضرنا الفن الذي يُعتبر محصوراً بفئة معينة إلى الجميع". 
وانعكس هذا النجاح بردود أفعال الناس حيث تضيف الشيخ "خلال أحد عروض الأوبرا، سأل رجل عجوز المخرج "بتعملوا إيه؟" فأجابه المخرج ليرّد عليه الرجل المتقدم بالسن "ربنا يباركلكم، خليتونا نحسّ إننا بني قادمين". وتتابع الشيخ "الأمر يثبت أن الناس يفهمون الفن ويتفاعلون مع الموسيقى. هم يفرحون لفكرة أنك تبذل مجهوداً للوصول إليهم ويقّدرون ذلك". 
تعليم وورش عمل للفنون المسرحية
لا تسعى "محطات" إلى نقل الفن إلى المساحات العامة فحسب، بل تريد أيضاً أن تنقل ثقافة المسرح والفنون بمختلف أشكالها من خلال تنظيم عدد من التدريبات وورش العمل التي تُشكل مصدراً أساسياً للتمويل المستدام. وتشرح لنا الشيخ "ننظّم ورش عمل للفنانين في محافظة معينة ونركّز كل سنة على واحدة. نقوم بتقييم الحاجات ونُطلق ورشة العمل. على سبيل المثال، ما زال برنامج "وجهاً لوجه" قائماً منذ 2013. نريد تنمية قدرات الفنانين لكسر الحواجز بين الفنان الصاعد أو المحترف ومدينته".
مسرح الشارع، الكتابة الإبداعية، ريادة الأعمال الثقافية… مواضيع مختلفة ضمن 14 مبادرة في القاهرة والإسكندرية ومحافظات أخرى. وتشير الشيخ "هذا الخط جزء من استدامتنا وضمن خطتنا لدفع البيئة الحاضنة التي نعمل فيها إلى الأمام".
أدوات لتبادل المعرفة والأبحاث
تريد "محطات" أن تدعم الساحة الفنية بالعروض وورش العمل، وتريد أيضاً أن توثّق الأعمال وتشارك الأبحاث والمعرفة بناءً على مختلف تجاربها. وهنا تشرح لنا الشيخ أن الفريق يتعلّم من أخطائه وتجاربه ولا بد من مشاركة ذلك مع المعنيين.
يشكل "البقع الثقافية" مجموعة أدوات للمشغلين الثقافيين للتفاعل مع أحيائهم وتحديد الأماكن العامة للتدخلات الثقافية. وتهدف هذه الأدوات لأن تكون أداة وصل بين الفضاءات الثقافية وبيئتهم الاجتماعية والثقافية والجغرافية بفضل عملية رسم خرائط تشاركية. 
من جهتها، تهدف مجموعة أدوات "ظلال المدينة" إلى المساعدة على تحويل الفضاءات المهملة والمتروكة من خلال الفنون. وتخبرنا الشيخ أنه خلال هذا المشروع، تم اختيار "فيلا فرنان" التي تعتبر من التراث الثقافي المهمل في بورسعيد، وتقول "اكتشفنا هذا المكان صدفة عندما كنّا ننظم عرض "الأوبرا على الشرفات". وبمجهودات بسيطة وبمساعدة مجموعة من المهندسين المهتمين بحماية التراث حوّلنا المكان المهجور الذي يعجّ بالنفايات والخراب إلى ساحة عرض لمختلف العروض الفنية، من معارض الصور إلى الأداء المسرحي والغناء والتركيبات الضوئية". وتتابع "هذه التجربة أشعَرتنا بالحاجة إلى استغلال الأماكن المهجورة وتحويلها إلى أماكن فنية إبداعية". 
تحديات كثيرة إلا أن ردود أفعال الناس تُفرح القلوب
هنا تقول الشيخ "ينقص حاجات كثيرة… لا بل دعونا نفكّر بما هو متاح؟ نحن أو أي شخص يعمل في المجال العام يواجه تحديات كثيرة: البنى التحتية شبه معدومة، البيئة الحاضنة غير متكاملة والهيكَلية القانونية والمالية غائبة. فلا اهتمام أو تقدير لهذا العمل. نسعى إلى خلق بديل في جو صعب على الرغم من أن عملنا يبدو بسيطاً، مثل عرض مسرحي أو موسيقيّ. إلا أن مجرد إحداث تفاعل مع الناس التعبين صعب جداً ولن نعرف يوماً التأثير الذي نُحدثه في حياتهم". 
إلا أن ما يحمل فريق عمل "محطات للفن المعاصر" إلى المثابرة هو علاقات العمل غير الرسمية وشغف الشباب الصغار والمرونة التي تجعل الأمور تحدث والتي ساعدتنا على كسر الصور النمطية". 
شغف ومرونة تنعكسان في أحد الأمثلة التي تحدثت عنها الشيخ، حيث تخبرنا "كنا نُعدّ لعرض شارع مع هواة قبل 30 يوليو بثلاثة أيام حينما لم يكن الكهرباء والوقود متوفران في دمياط وكان التحدي الأكبر الانتقال من القاهرة إلى دمياط ولم نكن نفّكر لا بالعرض ولا مضمونه. وتمكّنا من الوصول إلا أن الكهرباء كانت مقطوعة والشارع مشحون والناس متوترة. والحل؟ الجمهور اقترب من الشباب الذين رفعوا صوتهم وأضاء شاب بدراجته الهوائية الممثلين وحصل العرض الذي كان الأجمل والأفضل على الإطلاق".
وتتابع "في المجمل، ردود الأفعال جيدة وهذا يعود إلى التعطّش للفن. يعتقد البعض أن عامة الناس لن يفهموا أو يعجبوا بالفنون التي نقدّمها إلا أن الأمر غير صحيح". من جهة أخرى، تشدد الشيخ "نحن لا نحاول أن نصدم الناس، بل أن نقّدم عروضاً يتقبّلوها وفي إطار يتكيّف مع عاداتهم. فعلى سبيل المثال، نحترم مواعيد الأذان والصلاة ولا نقفل الطرقات في أوقات الذروة.." وتشير "بالطبع، لا يُعجب عملنا الجميع إلا أن ردود الأفعال إيجابية بالإجمال". 
إقبال الناس والشَغف والمثابرة وحب الفن المعاصر على أشكاله قد تكون المكوّنات التي تحمل "محطات للفن المعاصر" على إكمال المشوار وإطلاق المزيد من المشاريع المستقبلية على الرغم من غياب الدعم الرسمي والأجواء المشحونة التي تعمّ البلاد بشكل عام، على حد قول الشيخ، والتي جعلت الوصول إلى الأماكن العامة أكثر صعوبة.