Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    20-May-2019

هل ستكون خطة كوشنر خطة سلام حقا؟

 الغد-بول بيلار* – (لوبي-لوغ) 10/5/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
 
أولاً، ما يزال صهر الرئيس، جاريد كوشنر، يعذب المراقبين المنتظرين منذ وقت طويل بخطة لم يتم الإعلان عنها بعد لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، حتى أصبح من الصعب تذكر متى بدأ ذلك التعذيب. وأصبحت العملية تبدو تمريناً في شراء الوقت. وكانت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، ربما مثلها مثل أي شيء آخر، قد حكمت جدول كوشنر الزمني. فقد ناسب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن لا يضطر إلى التعامل قبل الانتخابات مع أي اقتراحات تطرحها الولايات المتحدة، والتي يمكن أن تلمح إلى أي شيء يمكن أن يُفهم على أنه تنازل إسرائيلي. ومع انتهاء تلك الانتخابات الآن، فإن الكشف الكبير ربما يكون وشيكاً. وقد أشار كوشنر إلى هذا القدر في ظهور حديث له في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. وكان قد أشار في مناسبات سابقة إلى أنه ربما يطلق الخطة بعد انتهاء شهر رمضان المقدس عند المسلمين، والذي ينتهي في الأسبوع الأول من شهر حزيران (يونيو) المقبل.
لعل الشيء المنطقي الذي ينبغي عمله في معظم حالات الاقتراحات التي لم يتم الإعلان عنها بعد، هو انتظار الإعلان حتى يتسنى للمرء أن يتعامل مع ما هو موجود بالتأكيد في الاقتراح بدلاً من الاعتماد على الشذرات والاحتمالات المعتمِدة على التقارير الصحفية. لكن المنطق لا يسود في هذه القضية -أو في العديد من الأشياء المتعلقة بواشنطن مؤخراً– إذا كان هذا يهم. وقد تعلمت الأمة للتو درساً كبيراً حول آثار نسج الأفكار مسبقاً في شكل تحريف المدعي العام، وليام بار، لتقرير المستشار الخاص روبرت مولر. والفكرة المسبقة المتعلقة بقضية كوشنر هي أن اقتراحه سيكون في الحقيقة خطة “سلام”، والتي ستكون لها، في حال تطبيقها، فرصة حقيقية لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. ومن المناسب الآن، اعتماداً على الشذرات والاحتمالات، تقييم ما إذا كان هذا صحيحاً، بدلاً من مجرد الجلوس ومشاهدة المزيد من التكهنات.
ظهر تسريب مزعوم للخطة قبل بضعة أيام في صحيفة “يسرائيل هيوم”. ومن الواضح أن الصحيفة لا تهتم صراحة بموثوقية ما تتم طباعته، وقد نفى زميل كوشنر في الإدارة، جيسون غرينبلات، تقرير الصحيفة باعتباره “غير دقيق” و”مجرد تخمينات”. ولا ينبغي لأي تحليل أن يستغرق كثيراً في هذا التسريب، لكن الخطة المزعومة تتفق حقاً مع معظم الشذرات والاحتمالات السابقة.
كانت المعالم الأساسية للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وإمكانيات حله، معروفة تماماً منذ وقت طويل. وكانت بدائل الحل هي: حل قائم على أساس دولتين، والذي يتطلب إنشاء دولة عربية ذات أغلبية سكانية عربية، والتي توجد جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل ذات الأغلبية اليهودية؛ أو حل دولة واحدة، والذي يتضمن منح حقوق سياسية ومدنية متساوية لكل سكان المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل حالياً. هذه هي الاحتمالات الوحيدة. وأي شيء آخر لن يكون حلاً للصراع وإنما إدامة له في حقيقة الأمر، ووسيلة للسماح بإخضاع شعب لشعب آخر على النحو الذي يميز الصراع حالياً. وتنكعس هذه الحقائق في المعضلة الثلاثية التي كثيراً ما يتم الاستشهاد بها، والتي تستطيع إسرائيل وفقها أن تكون أي اثنين من ثلاثة أشياء، وإنما ليس الثلاثة جميعاً معاً: دولة يهودية؛ دولة ديمقراطية؛ ودولة تسيطر على كامل الأرض بين البحر المتوسط ونهر الأردن.
يتمتع حل الدولتين بالجاذبية لكونه الخيار الأكثر تحقيقاً للتطلعات الوطنية لكل من اليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين. كما أنه سيفي أيضاً بتصور المجتمع الدولي لمستقبل فلسطين، والذي يعود وراء إلى خطة التقسيم التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1947. وعلى أي حال، ليست هناك أي نفحة من الإمكانية في السياسة الإسرائيلية الراهنة للتحرك نحو المساواة في الحقوق للجميع، والتي ستكون مطلوبة لحل الدولة الواحدة.
لكن كوشنر، كما تقترح بعض التعليقات التي أدلى بها في معهد واشنطن، لا يعتنق فكرة حل الدولتين أيضاً. وينطوي اقتراحه بوضوح على إدامة، وليس حل، الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. ولعل إحدى الخصائص الأساسية التي يجري الحديث عنها هي جعل دول الخليج تصب ما يكفي من المساعدات لجعل الحياة الفلسطينية في الضفة الغربية أقل عدم راحة بعض الشيء مما هي الآن. وتستشرف الخطة المزعومة التي نشرتها صحيفة “يسرائيل هيوم” إقامة كيان يدعى “فلسطين الجديدة”، والذي يقصر كثيراً جداً عن الارتقاء إلى خصائص الدولة. وسوف تتكون “فلسطين الجديدة” من جيوب صغيرة منفصلة بأراضٍ خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، بل التي سيترتب عليها أن تدفع لإسرائيل مقابل الحفاظ على القوة العسكرية الوحيدة في المنطقة. وكما يلاحظ جوناثان كوك في فحص مفصل للوثيقة المسربة، فإن ما يجري تصوره هو مجرد تعديل طفيف للوضع الراهن. وسوف تكون “فلسطين الجديدة” هذه نسخة منقحة قليلاً من السلطة الفلسطينية البائسة الحالية.
الدوافع الكامنة
لا يبدو محتوى هذا الاقتراح مفاجئاً بالنظر إلى السياسة العامة التي انتهجتها إدارة ترامب حتى الآن فيما يتعلق بالشؤون التي تتضمن إسرائيل وفلسطين. كانت هذه السياسة واحدة تقوم على منح حكومة نتنياهو كل ما تريد بينما تعاقب وتزجرهم بكل طريقة ممكنة. وشمل ذلك العقاب -في إشارة إلى أن الإدارة لا تنطوي على أي رغبة حتى في التحدث مع الفلسطينيين- إغلاق كل من القنصلية الأميركية في القدس (التي كانت بمثابة بعثة دبلوماسية أميركية بحكم الأمر الواقع إلى فلسطين)، والمكتب الدبلوماسي الفلسطيني في واشنطن. وكان التحليل الذي حاول وضع بعض من هذه الخطوات في إطار عملية السلام معيباً بطريقة تمكن رؤيتها بيسر. وعلى سبيل المثال، لم يكن إعلان الإدارة الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس ونقل السفارة الأميركية إلى هناك إزالةً لقضية القدس “عن الطاولة”. كان ذلك الإعلان بمثابة إزاحة للطاولة كلها إلى جانب أحد طرفي النزاع وبعيداً عن وصول الطرف الآخر. وهكذا، ربُما تكون الطاولة قد نُقلت، لكن القضية ما تزال قائمة.
كما أن طبيعة الاقتراح ليست مفاجئة أيضاً في ضوء ارتباطات كوشنر ومكامن تعلقه الشخصي العميق.
من الواضح أن الخطة وراء الخطة تقوم على افتراض، ربما يكون صحيحاً، بأن القادة الفلسطينيين سوف يرفضون اقتراح كوشنر على الفور. وعندها، تستطيع حكومة نتنياهو وإدارة ترامب أن تضيفا فصلاً جديدة إلى رواية مفضلة تقول بأن الفلسطينيين يواصلون رفض عروض “السلام” السخية. وبعد ذلك تستطيع الحكومة الإسرائيلية أن تمضي قدماً بكامل السرعة نحو المزيد من بناء المستوطنات في الضفة الغربية وتوطيد السيطرة الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية.
وحتى لو قام القادة الفلسطينيون -بنوع من الانتحار السياسي الغريب- بالتوقيع على مثل هذا الاقتراح، فإن ذلك لن يحل الصراع أيضاً. إن التاريخ -وبشكل خاص في أذهان الفلسطينيين ذلك النزوح الهائل أو نكبة العام 1948، وكذلك الاحتلال الذي نجم عن حرب الأيام الستة في العام 1967- لا يمكن أن يُنسى، كما تظهر تواريخ العديد من الصراعات الأخرى. كما أن التطلعات الوطنية لا تختفي بمحاولة شراء الناس الذين يحملونها. وحتى لو تم الشراء، فإن آلام الإخضاع وإحباطاتها تبقى ولا تذهب. وحتى لو ظلت الضفة الغربية هادئة لبعض الوقت، فإن السجن الكبير المفتوح المعروف في قطاع غزة لن يفعل، كما تم تذكير العالم في الآونة الأخيرة.
لن تكون الآثار المدمرة مقصورة على المسرح الإسرائيلي-الفلسطيني. فالخطة تزيد اعتمادية إدارة ترامب على الدكتاتوريات العربية. ويفترض أن تقدم الدول العربية الثرية معظم أموال التنمية التي تتطلبها الخطة. ووفقاً لنسخة مسربة حديثاً من الخطة، فإن نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيقوم بتأجير أراضٍ من سيناء المصرية لاستخدامها كمطار ومنطقة صناعية بجوار قطاع غزة. وتعني زيادة الاعتمادية أن إدارة ترامب ستقدم من العمل نيابة عن هذه الأنظمة أكثر مما فعلت مسبقاً. وفي حالة مصر، يشمل ذلك المحاولة الأخيرة سيئة المشورة لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية. وهو يشمل، في حالة دول عربية أخرى مواصلة دعم الحرب الكارثية في اليمن وزيادة التهديد بنشوب حرب أميركية مع إيران.
تشجيع اليمين الإسرائيلي
لعل إحدى الطرق التي يمكن أن تولد بها خطة كوشنر بعضاً من الحركة الإضافية -ولو أنها لن تكون في الاتجاه الذي يقصده كوشنر والإدارة الأميركية- هو أنها ستشجع اليمين الإسرائيلي بقدر أكبر من تشجيع كل سياسات ترامب مسبقاً، بحيث يعمد إلى ضم الكثير من أجزاء الضفة الغربية رسمياً ويسقط بعض القصص الخيالية التي ميزت منذ وقت طويل المواقف الإسرائيلية فيما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين. ويعارض مضيف كوشنر في معهد واشنطن، المدير التنفيذي روبرت ساتلوف، الخطة لهذا السبب بالتحديد. ويتوقع ساتلوف تسلسلاً تقود فيه خطة كوشنر إلى الضم، والذي يقود بدوره إلى تعبئة الدبلوماسية الدولية ضد الأعمال الإسرائيلية، وإلى هبوط الدعم الشعبي الأميركي لإسرائيل، ويجلب تداعيات مختلفة أخرى مثل استفادة بعض الدول العربية النافذة في المنطقة من الوضع لخدمة أغراضها الخاصة التي لا تحظى بالكثير من الإعجاب.
سوف تتحدد الكثير من الديناميات السياسية المتضمنة في مثل هذا التسلسل بالتداول بين نتياهو وأعضاء من ائتلافه اليميني، الذين يتميزون بأنهم أكثر تطرفاً حتى منه هو نفسه. وكما يلاحظ ساتلوف محقاً، فإن “نتنياهو المحنك والمقاوم للمخاطر سيفضل على الأرجح إيجاد طريقة للإبقاء على الوضع الراهن الغامض، الذي تحتفظ فيه إسرائيل بالسيطرة الأمنية على كامل الضفة الغربية وتؤمِّن قنوات الدعم للعديد من المستوطنات الإسرائيلية القائمة، بينما تبقي على الاحتمال الخافت بوضوح للتوصل إلى حل دبلوماسي مع السلطة الفلسطينية في رام الله”.
ربما يكون هذا هو المنطق الكامن خلف نشر التسريب الأخير. و”يسرائيل هيوم” هي الصحيفة التي توزع مجاناً والتي اشتراها قطب الكازينوهات، شيلدون أديلسون، لدعم صديقه بيبي، والتي تعد على نطاق واسع بمثابة لسان حال نتنياهو. ومن غير المرجح أن تكون الوثيقة المسربة لتُنشَر من دون موافقة نتنياهو، بل وربما مشاركته النشطة. ولعل التفسير الأكثر منطقية هو أن رئيس الوزراء قدر أن الضربة الارتدادية ضد العري البشع لخطة كوشنر المكشوفة بالكامل سوف يؤجل إطلاقها الرسمي مرة أخرى، ويمكِّن حكومته من أن تواصل إلى أجل غير مسمى قصتها الخيالية عن التوصل إلى حل دبلوماسي في نهاية المطاف، بينما تستمر في توطيد سيطرتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
يقف ساتلوف مع نتنياهو في هذا الشأن، ويبدو راضياً بالوضع الراهن الغامض. لكن هذا الوضع الراهن يعني الإخضاع المستمر للفلسطينيين، والنزاع وسفك الدماء. إنه يعني إدامة الصراع بدلاً من أن يكون حلاً له. وهو ليس أفضل بديل متوفر، لكن بديلاً أفضل يمكن أن يظهر فقط في حال قامت إسرائيل بتبديد الغموض، وعمدت إلى مواجهة المعضلة الثلاثية مباشرة، واختارت الديمقراطية كواحد من الشيئين اللذين ستكونهما.
في غضون ذلك، وسواء كانت الأشهر المقبلة ستشهد المزيد من استمرار الوضع الراهن أم نسخة معدلة قليلاً منه بموجب خطة كوشنر، فإن إسرائيل ستواصل، كما قال نتنياهو، “العيش بالسيف”. وهذا ليس سلاماً.
 
*زميل رفيع غير مقيم في مركز الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون وزميل مشارك في مركز جنيف للسياسة الأمنية. تقاعد في العام 2005 بعد 28 عاماً قضاها في مجتمع الاستخبارات الأميركي. ومن بين مناصبه العليا، ضابط المخابرات الوطنية للشرق الأدنى وجنوب آسيا، ونائب رئيس مركز مكافحة الإرهاب، والمساعد التنفيذي لمدير المخابرات المركزية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Is Kushner’s Plan a Peace Plan?