Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    24-Feb-2020

مذكرات مجّنون» اليوم الأول في المصحةِ النفسية

 الدستور-نوال عبدالله العظامات

  صباحٌ غريب ليسَ كالصباحات المُعتاده؛ لا أصوات للعصافير، ولا أشعةَ شمسٍ مُتسللِة، غيومٌ شاحبةٌ في تموز، نظرتُ إلى ساعتي في يدي اليُمنى، متوقفةٌ منذ زمن، كنت قد نسيت أنها متعطلة، نظَرتُ إلى نافذتي بدا لي من خلفها إعّتام، أهذا صباح؟!
أم أننا في الليل لا زلنا ؟!
هرولتُ إليها، أمسكتُ الستارَ أُزيحَهُ، أحسستُ وكأنهُ ثقيل، حتى لونه مختلف!!
فتحتُ النافذةَ، ونظرتُ منها إلى الحي من أعلى، مشهدٌ معتادٌ لكنهُ غريب!!
الخضري لا يصيح بأعلى صوتهُ منادياً على أصنافِ خضارهُ الطازجةِ، ويعيدُ لنا إسطوانة كل يوم !!
حتى أنها على البسطات تبدو قديمة، ذَبُلت أظُنّها، أعواد النعناع والبقدونس مصفَرّة!!
بجانبه اللحام الذي اعتاد فرد أسياخِ الشواء، وتعليق ذبائِحهِ على الواجهة، لم يفعل هذا اليوم أيٌ من أعمالهِ المُعتادة!!
إبريق الشاي عند الخَبّاز يصّدِرُ صفيراً، تبخرت مياههُ!!
كان قد اعتاد غلّيهِ، وشربِ الشاي مع الخضري واللحام، لم أره اليوم ولم أشتم رائحة الخبز الشهية !!
ظننتني أحلم، لولا أنني أحسست بنسائمِ تموز الباردة ، أصابتني قشعريرةٍ وعدتُ مُسرِعاً إلى سريري أرتجف !!
أريدُ معرفة الوقت، خمنتَهُ في نفسي فتدرجتُ ما بين التاسعةَ إلى حد العاشرةَ صباحاً، جزمتُ على ذلك فقد اعتدتُ الاستيقاظ َ باكِراً في أيامِ العطل، وهذا الوقتُ عندي باكراً كثيراً ، واليوم هو الأربعاء !!
لا أحبُ يوم الأربعاء مرهِقٌ للغاية، يراجعني فيه العديد من الناس، ويكثرون لي من الأسئلة والطلبات؛ بخصوص معاملاتهم وتسيير شؤونهم، وأبّذِلُ مجهوداً كبيراً جداً في التفكير لحلِ كل مسائلِ الرياضيات التي يعطينا إياها الأستاذ في المدرسة ويطلب منا حلها !!!
لا بأس..
لربما أن لا تشرِق الشمس هذا اليوم أمرٌ متقبل!!
وأعتقدُ أن لسانِ الخُضري تعِبَ من المناداةِ أيضاً !!
مُحتملٌ أيضاً أن أعواد البقدونس ملت من الاخضرار الدائم وقررت أن تصّفَر!!
حتى استيقاظي باكِراً في العاشرةَ صباحاً وإعتقادي أن يوم الأربعاء الحافلِ بالأعمال والأشغال هو يومُ عطلَةٍ، وأنا بالأصلِ لا أعمل مُرَّجحٌ أيضاً!!!
أن أُصاب بهوسِ واجب الرياضيات البيتي الملازم عقلي منذُ خمسةٍ وعشرين سنة أمرٌ متقبلٌ أيضاً،
وليس غريباً أيضاً أن أصاب بقشعريرة بردٍ في تموز، فغلافِ هذهِ الأرض المثقوب تسبب بالكثير من المتاعب والتغييرات !!
لكن الأمر الغريب حقاً هي أمي؛ لم أسمع صوتها كالمعتاد تناديني وتوبخني وتصيبني بالجنون بالكاد من سيل محاضراتها وارشاداتها المكررة لي، لكن أمي انجبتني بعد أن تخطت أعتاب سن اليأس!!
وهي مريضةٌ منذ أن انجبتني، واخبروني في الميتم أنها توفيت بعد عامٍ واحد من ولادتي، كانت صغيرةً جداً فلم تحتمل الم الولادة والمخاض ولم يرعاها أحد فتوفيت .
أصغيتُ قليلا،ً صوت ما يزعجني !
وبعد شرود تبين لي أنه صوت تكات ساعة الحائط في المطبخ!!
من ذاك المجنون الذي وضعها هناك؟!
لا يناسبها ذلك المكان، استغربت من حنجرتها القوية وحبال صوتها، كيف استطاعت إيصال تكاتها إلى داخل أذني!
في هذه الأثناء صوت باب غرفتي يُطرق !!
من هذا الذي جاء لزيارتي، أظنه صاحب هذه الغرفة، فهو يطرقُ باب غرفتي كطبل حربٍ؛ ليأخُذ الأجرةَ مني، ويستكثرها علي وهي أربعةَ جدرانٍ لم أر زواياها لكثرةِ أبيات العناكب فيها، وحتى نافذتها صغيرة تطل على مقبرةٍ قديمة، لم أعد أرى حتى جنائز تجيئُ إليها!!
لا بأس سأفتحُ له الباب وأعطيه أجرته، فمنذُ أن توفي قبل عامٍ واحدٍ تقريبا لم ادفع له المال، في ذلك الوقت التحقتُ بالدراسة الجامعية وقررت المبيت في سكناتها، لكنني نسيت أن أخبر أمي أنني في الثانوية ويجب أن توقضني لأتمكن من الذهاب وأداء الإمتحانات، انشغلتُ عن إخبارها بتجهيز معرض لوحاتي الجميلة البديعة، والمزركشةَ بالألوان التي أعرض الناس عنها وأحجمو عن شراءها، وادعو أنها فارغه وليست ملونة!!
في حينِ أنني بذلتُ جهداً كبيراً لإصلاح كل الأبواب في بيتي، لكن النجار قام بذلك عِوضاً عني، وأعطاني أجرةً مقابل تعبه عندما أنهى أعماله وقف عند باب الغرفة، ابتسم لي وخرج واحكم إغلاق الباب علي !
مشى وصوت خطواته في الممر يكاد يفزع عقلي ويفقدني صوابي، تباعد الصوت ثم انتهى وساد هدوء!!
خفتت الأضواء، وبعدها حلّ ظلام دامس ولا شيء حولي سوى طاولة بيضاء فوقها ورقة فقط جلست إليها وأمسكت القلم وكتبت عليها كل هذا كان اليوم الأول في المصحة النفسية.