Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Apr-2021

تأملات في «معجم مصطلحات علم الاجتماع والجريمة الحديثة»

 الدستور-نايف النوايسة

أمام عمل ثقافي كبير لا يجوز إخفاء قيمته والجهد المبذول في تنفيذه، وحين نذكر تأليف معجم نوعي متخصص لا بد أن يقفز إلى الذهن بقوة موضوعة المصطلح في حده (الاصطلاحي)، والمفهوم الذي يدل عليه هذا المصطلح، وهو بلا شك موضوع شائك، وقد انشغل به قديماً وحديثاً الكثيرون من أرباب اللغة العرب وغيرهم، وقد عَدَّه البعض دالاً على المستوى الذهني والفكري لجماعة لغوية ما.
كتاب (معجم مصطلحات علم الاجتماع والجريمة) لمؤلفيه د. حسين المحادين ود. لحظة الجعافرة عمل كبير وجهد علمي حقيق بالاحترام لأنه يحفر في جدار مسيرتنا الثقافية علامةً مضيئة، ويتألق أمام المُنصفين كنقشٍ مهم في علم المعجمات والمصطلحات.
ويقودني هذا العمل إلى إضاءة الحديث حول جانبين مهمين هما (المصطلح والمفهوم).
لقد استقر فهْمُ العديدِ من الباحثين على تعريفات للمصطلح والمفهوم؛ فالمصطلح عند معظمهم هو اتفاق بين جماعة لغوية على مفهوم ما، أي مطابقة المصطلح مع حقله المفهومي، أما اللفظة فلها معنىً قاموسي لا تتجاوزه، أو كما نسميه (معاني المفردات).
وعند البحث في الجذر اللغوي للمصطلح سيبرز أمامنا العديد من التعريفات ذات العلاقة بالمعجمات العربية والأجنبية، وكان عبد القاهر الجرجاني من أوضحِ علماء العرب في فهم أبعاد (المصطلح) وربطه بالاصطلاح، وكلاهما يعنيان عنده الاتفاق والدلالة.
ومما ينبغي إدراكه هنا هو أن المفاهيم ترتبط بالفكر فلابد حينئذ من مصطلح لفظي يُتفق عليه ليرتبط بالمفهوم ويدل عليه ويتم تداوله بالاتفاق بين المعنيين.
المفهوم، إذاً، هو وحدة فكرية تمثّل الجوهر أو الموضوع أو المحسوس، ويتشكل المصطلح توافقاً من دلالته على المفهوم أيٍّ كان.
وعلينا أن ندرك بأن المصلحات تدخل في باب المعجمات النوعية الخاصة، ولا تخفى صفتها على أهل الاختصاص؛ ومنها معجمات لعلم النفس والزراعة والسياسة والفلسفة، بينما تذهب المعجمات العامة إلى اللفظ ومعناه مثل معجم العين ولسان العرب والصحاح وجمهرة اللغة وقاموس المحيط وتاج العروس..
إني لأعلم الجهد الكبير الذي بذله المؤلفان في صنع هذا المعجم الذي يدخل في باب المعجمات النوعية وقد كان لي تجربة كهذه التجربة حين قمت بتأليف معجمي النوعي( معجم أسماء الأدوات واللوازم في التراث العربي) وطبعته سنة 2000.. وأقول دائما: إن مثل هذا العمل لا يقدره إلاّ المختصون من الطلبة والمعنيين به لأنهم سيجدون ضالتهم في المعلومات التي يتضمنها، ويزيحون الغموض الذي التبس عليهم في بعض المصطلحات وما تدل عليه من مفاهيم.
ويذكر د. حسين المحادين في مقدمة هذا المعجم المشترك بأن العلوم حقائق بحتة مُجرّبة، ولكنها مفتوحة النهايات، ومن هنا يأخذنا إلى أن علم الاجتماع والجريمة في تطور مستمر لارتباطهما العضوي باتجاهات الإنسان في كل المجتمعات العربية والإسلامية مثلاً والمتحولة من قيم البداوة والريف إلى قيم المدن، حتى أن المدن ذاتها تتطور ضمن نسق النمو التي تعيشه كل مدن العالم، وأضرب مثلاً على نسق التطور هذا ما استحدثه المؤلفان في معجمهما بوضع ملحق خاص بالكورونا في آخره، وسيدركان في ما بعد بأنه قد جدّ الكثير من المصطلحات كالمطعوم، والسلالات المستجدة مثلاً.
ويذكر د. حسين في مقدمته ملاحظة متعلقة بالنقص المعرفي والعلمي للمفاهيم الجديدة خلال عقد ويزيد، أمام الطلبة والمعنيين بهذا العمل، فوجد وشريكته في تأليف هذا المعجم بأن حاجة الطلبة والدارسين والمختصين دفعتهما لتأليفه.
ويبين الدكتور المحادين أهم التحديات التي واجهتهما عند تأليف المعجم وهي متعلقة بالإضافة النوعية الجديدة التي يقدمها كتابهما على هذا الصعيد، والمكتبة لا تخلو من أعمال مشابهة، وكان هاجسهما منذ البدء به أن يزيحا بعض الغموض المعرفي عند المعنيين.
أما المنهج الذي اتبعاه في تنفيذ هذا العمل هو ترتيبه حسب الحروف الهجائية ثم ترقيم المصطلحات التي بلغ عددها مائة وثمانية وأربعين مصطلحاً غير المصطلحات التي وردت في ملحق الكورونا الذي أسلفنا الحديث عنه، أضف إلى ذلك الترجمة باللغة الإنجليزية لكل مصطلح، وللحثّ على الاستزادة لمن يشاء وضع المؤلفان كشافاً للمراجع التي عادوا إليها في رحلة البحث.
اختلطت مصطلحات علم الاجتماع والجريمة بالترتيب الهجائي ما عدا مصطلحات الكورونا، مما أعطى القارئ هامشاً واسعاً لجولة ثقافية عامة ليطلع على كافة مصطلحات المعجم دون الاقتصار على هذا المصلح أو ذاك.
وعلينا استعراض بعض مصطلحات المعجم لتبيان أهمية العمل وفرادته العلمية؛ مثلا:
(الاتجار بالبشر) هو مصطلح يحمل مفهوماً يفتح لنا باباً في مضمار المعرفة، ومثل ذلك الاغتراب، والأم العازبة وهو مصطلح لمادة معرفية مهمة ومعقدة قد يعسر علينا جمع أبعادها وخيوطها في وقت نموذجي، وكذلك الأمن الناعم والتحرش الجنسي وبخاصة المضايقات الاليكترونية والتنمر.
ونجد مصطلحات لها علاقة بالتراث والخرافة والتطرف والتمكين وثقافة الخوف وعلم اجتماع الأدب الذي يربط الظاهرة الأدبية بالمجتمع كعامل تغيير أو تعديل، والحوكمة أو الحاكمية والزواج العرفي والعابرون جنسياً.
وأسجل للدكتور حسين ابتكاره لمصطلح (زمكار) الذي جمع فيه الزمان والمكان والفكرة، والإبداع هو شأن أصحاب الفكر وقيادة مركبة المعرفة وتحمّل مسؤوليتها والدفاع عن مضامينها.
والجندر والعنف الجندري هما من المصطلحات الجديدة وأفاض المؤلفان في شرحهما للضرورة المعرفية.
ويشكل مصطلح العولمة بكل أشكالها مدخلاً مهماً لدراسة الخصوصية الوطنية وهوية الثقافات الفرعية، ولقد قدّم المؤلفان مادة واسعة تحت هذا المصطلح وفتحا الباب على مصراعيه للمختصين لإبداء وجهات النظر طالما أن النهايات مفتوحة كما ذكر د. المحادين في مقدمته. وهناك مصطلحات أخرى جديرة بالاطلاع كالغارمات ولغة الجسد وغسيل الأموال والفساد ومجهولي النسب وميزانية الوقت والوصمة الاجتماعية.
إن هذا المعجم النوعي من الأعمال الثقافية الفكرية ذات الفرادة في بابها، وقدّم للمكتبة وطلبة العلم والمختصين ما يسد ثغرة كبيرة في طلبهم للمعرفة ووفر المعلومة والوقت، وفتح باباً للجهود العلمية لوضع معجمات نوعية جديدة لبعض العلوم بخاصة التي ارتبطت بثورات التكنولوجيا والتسارع التقني بسبب.