Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Sep-2017

الإعلام الذكي أم المتذاكي! - د. زيد حمزة
 
الراي - لا أنوي أن أقدّم للموضوع ببحث موسع عن معنى كلمة (الاعلام) إلا بالقول إنها حديثة الاستعمال في لغتنا العربية فمنذ خمسينات القرن الماضي فقط بدأت باستخدامها بعض دول العالم الثالث بتسمية وزارات استحدثتها للدعاية لنفسها والاشادة بانجازاتها والتبشير باهدافها وبقيت بهذا الفهم الخاطئ لدور الاعلام تحتكر ايضاً ملكيته الى ان تبين لها انه بمعناه العالمي Media Mass يعني نشر جميع انواع المعلومات بالوسائل المعروفة من صحافة واذاعة وتلفزيون وسينما ونشرات وغيرها من وسائل تعددت وتشعبت كثيراً في عصر الانترنت وانه اي الإعلام ليس بالضرورة حكومياً بل لعل اكثره غير حكومي.. ولا أنوي كذلك ان استقصي معنى كلمة البروبوغاندا Propoganda وتعني الدعاية السياسية وغيرها وأصلها ألماني لكنها دخلت اللغة الانجليزية في القرن السابع عشر واول من استعملها الكنيسة في وصف العمل التبشيري ونشر العقيدة الكاثولكية، بل اعيد للذاكرة قليلاً سيرة أشهر وأخبث وزراء الدعاية في القرن الماضي وهو جوزيف غوبلز الذي اصطفاه هتلر للقيام بهذه المهمة الماكرة في قلب الحقائق وتزويق الخطايا وتجميل البشاعات من اجل تزييف الوعي خدمةً لاهداف الفلسفة (!) النازية، ولقد نُقل عنه انه قال يوماً: إكذب ثم إكذب ثم إكذب تجد الناس في النهاية وقد صدقوك !
 
حتى بعض الدول الديمقراطية تفعل ذلك حين لا تخجل من تطبيق انماط مختلفة من التمييز العنصري وترتكب بلا هوادة جريمة شن الحروب الظالمة على الاخرين كما جاء في مقال الدكتور حميد دباشي الذي علقتُ عليه في الاسبوع الماضي فنجدها بحاجة ماسة لتبرير ذلك لمواطنيها عبر وسائل الاعلام التي لا تسيطر عليها في الظاهر لأنها لا تملكها لكنّ لها عليها نفوذاً ما من خلال أذرع الدولة العميقة التي شرحتها في 13 حزيران 2017 ، حتى ان أحد كبار سياسيينا وهو مثقف واسع المعرفة والاطلاع أُعجب بذلك الاعلام الذي توحّد يوم شنت اميركا حربها على العراق بذريعة تحرير الكويت وقال بذكاء: كأن هناك مايسترو يقودها جميعاً لاقناع الشعب الاميركي أولاً وشعوب العالم تاليا بمبررات هذه الحرب رغم ما فيها من قتل وتدمير بالغ الشدة والقسوة..
 
وفي عودة قصيرة الى ما قبل ذلك حين ولغت الولايات المتحدة في دماء الشعب الفيتنامي وما لبثت ان هبت في داخلها قوى واعية شريفة تقاوم تلك الحرب وتعترض عليها بمختلف وسائل التعبير من مظاهراتٍ عارمة ملأت شوارع العديد من المدن وكتبٍ طافحة بالوثائق التي تدينها ومقالاتٍ صحفية شديدة الجرأة في مهاجمتها كما ظهر في عام 1978 فيلمٌ سينمائي رائع بالابيض والاسود بعنوان Coming Home ((العودة الى الوطن)) قامت ببطولته جين فوندا المؤمنة برسالته الهادفة لكشف جرائم ذلك العدوان على الشعب الفيتنامي الآمن ونال الفيلم جوائز عديدة من بينها الاوسكار وأحدثَ ضجة واسعة لدى الرأي العام الاميركي، حينذاك لم يهدأ بال الدولة العميقة حتى ردت عليه سريعاً لكن بشكل غير مباشر فقدمت للاميركيين وللعالم فيلما ضخم الانتاج باذخ التكاليف اسمه ((صائد الأَيْل)) Deer Hunter قصدتْ ان تسترد به بعض الهيبة الاميركية التي كانت قد هوت للحضيض، وقد بلغت البراعة في تأليفه واخراجه درجة عالية عززتها بطولة النجمة الشابة الصاعدة آنذاك ميربل ستريب بجاذبيتها وروعة أدائها لدورها، ورغم ان هذا الفيلم قد نال ايضا عدة جوائز لكنه لم يستطع ان يمحو الآثار العميقة لفيلم ((العودة للوطن)) !
 
واذا راجعنا ببعض الموضوعية الاعلام في بلادنا العربية فسوف نجد أنه بعد أن شهد تدهور الصحافة الورقية بسبب التوجيه الرسمي والتمويل المشبوه قد أغرقنا خلال الحقبة القصيرة الماضية بآخر ما انتجت التكنولوجيا من اجهزة حديثة في البث التلفزيوني فاصبح عندنا مئات من الفضائيات تنفق أموالاً طائلة وهي تنشط في كل مجال للاستيلاء على عقول وافئدة المشاهدين حتى لو كان ما تقدمه متناقضاً متضارباً يراوح بين الترويج ضمناً للفكر الظلامي باستخدام دعاة مشعوذين لاستلاب عقول وعواطف المتدينين البسطاء، وبين الولوج الى أدنى مستويات الاثارة غير الفنية من خلال اعمال درامية بعضها لتبييض صفحات كانت سوداء في تاريخنا أو تشويه الناصعة منها وذلك من اجل كسب الشعبية والتأييد لهذا النظام السياسي او ذاك، والأسوأ في بعض الاحيان الانتصار لمنظمة ارهابية على أخرى، لكن ما لم يفهمه هذا الاعلام ومالكوه الذين يقفون خلفه أن فساده الكامن في احشائه قد ادى رغم التذاكي الحثيث الى زعزعة الثقة فيه وصولا آخرَ المطاف الى افتضاح أمره.
 
وبعد.. لا مندوحة من الاقرار بأن الاعلام، ذكيا كان او متذاكيا، يظل شريراً ما لم يعتمد الحقيقة والصدق ويسعى لاشاعة الخير والعدل بين الناس.