Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Sep-2017

عبد الناصر ليس أسطورة! - يوسف عبدالله محمود
 
الراي - هذا ما قاله الصحفي المصري الكبير الراحل محمد حسنين هيكل بعد رحيل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ويومها- وكما يقول الاعلامي ابراهيم عيسى وعبر فضائية مصرية- قيل ان هيكل «يفرش» بهذه العبارة لمجيء السادات! بالطبع انكر هيكل هذه المزاعم مكتفياً بالقول انه لم يكن في هذا الوارد!
 
اما ابراهيم عيسى وقبل مدة قال كلاماً خطيراً قد يعترض عليه الكثيرون من المستمعين والقراء. أشار في برنامج اسبوعي كان يقدمه عبر هذه الفضائية ان عبد الناصر كان «دكتاتوراً» –هذا بالحرف ما قاله-!
 
والسؤال على ماذا اعتمد وهو يسوق هذه التهمة بحق هذا الرمز القومي؟
 
ابراهيم عيسى وهو يعلن ذلك لا ينكر انجازات هذا الزعيم على مستوى وطنه، وبخاصة «تأميم قناة السويس» لكنه هنا يشير كدليل على تفرده بالقرار. انه وهو يسعى من اجل التأميم مثلاً لم يشاور أياً من أعوانه او من الجهاز الحكومي بل انهم جميعاً فوجئوا بالقرار!
 
ابراهيم عيسى لم يكن في يوم ما ضد الثورة المصرية-ثورة 23 يوليو- فهو يثمنها ويثمن اهدافها الوطنية، لكنه يأخذ على الزعيم الراحل عبد الناصر انه لم يكن ديمقراطياً، وعلى امتداد حكمه لم يكن من انصارها على المستوى المحلي والقومي. والدليل –كما يشير هذا الاعلامي- هو غياب الاحزاب الوطنية باستثناء «الاتحاد الاشتراكي» وقبله «الاتحاد القومي» وكلاهما ان صح التعبير «حزب السلطة»!
 
وقبل ابراهيم عيسى –وعلى ما اذكر- نشر الاكاديمي ورئيس قسم الفلسفة السابق في جامعة القاهرة أ.د. فؤاد زكريا قبل وفاته سلسلة من المقالات في مجلة روز اليوسف المصرية وبعد رحيل عبد الناصر. انتقد في هذه المقالات أخطاء هذا الزعيم وسلبيات حكمه دون أن يغفل انجازاته الاشتراكية والتي مع الاسف لم تستمر وتيرتها طويلاً! أما القاسم المشترك بين ما ذكره وما ذكره ابراهيم عيسى فهو التفرد في اتخاذ القرار إضافة الى أن بعض مساعديه من الضباط اثبتت الأيام انهم –ولا اقول كلهم- لم يكونوا مخلصين كما يجب لواجبهم الوطني. انتقد د. فؤاد زكريا في مقالاته التي جمعها في كتاب بعد ذلك اسلوب حكم عبد الناصر، فحيناً كان يُقرب اليساريين أو الماركسيين، وبعضهم كان من الضباط الاحرار كخالد محيي الدين وحيناً آخر كان ينقلب عليهم أو يعتقلهم ان شك فيهم! كذلك انتقد ما سُمي بِ»القطاع العام» فالبرغم من استحسان هذا القطاع من الجماهير إلا أن المسؤولين عنه غلبت عليهم البيروقراطية فأساءوا الى رسالته! وأثروا من خلاله!
 
وكأبراهيم عيسى، فالدكتور فؤاد زكريا يشير في مقالاته انه يمارس حق النقد والنقد الذاتي، فعبد الناصر لم يكن بلا اخطاء او سلبيات، وقد تعرّض لبعض المواقف التي تدل على ذلك في رأيه، ولا مجال هنا لذكرها.
 
نعم عبد الناصر –وكما ذكر هيكل- غداة وفاته لم يكن أسطورة او معجزة. وللتاريخ اقول إن عبد الناصر عاش ورحل إنساناً عادياً لم يمتلك ثروة او أطياناً كغيره من اعوانه.
 
لكن عبد الناصر أقام حاجزاً بينه وبين الديمقراطية، حتى حين أقام الوحدة مع سوريا ظلّ منهجه غير ديمقراطي، والدليل انه راح يلغي الاحزاب الوطنية في القطر السوري مما أثار الشكوى والرفض من الجماهير السورية، لم تقم الوحدة مع انها مطلب قومي على أسس ديمقراطية، بسرعة قامت وبسرعة انتهت الى الفشل!
 
وبحق فان هذا الزعيم قد انتصر للفلاح والعامل المصري وصادر الكثير من أراضي الاقطاعيين التي امتلكوها دون وجه حق. لكنه مع ذلك عادى «التعددية» و»الديمقراطية». الكثيرون من الكتاب الكبار زُج بهم في السجون لفكرهم في اواسط الخمسينات ونهايتها أمثال د. محمود العالم وعبد العظيم انيس ود. انور عبد الملك وأحمد فؤاد نجم وعبد المنعم تليمة وصنع الله ابراهيم وغيرهم.
 
والعجيب ان هؤلاء وبعد ان قضوا عدة سنين في المعتقلات ثم أُفرج عنهم، لم يتنكروا لايجابيات الثورة المصرية وانجازات عبد الناصر الاشتراكية، بل ظلوا أوفياء لها. ومن هؤلاء من عاد الزعيم الراحل فأسند اليهم وظائف حساسة في الاعلام وغيره.
 
اعود فأقول إن عبد الناصر كان زعيماً قومياً، لكنه ناهض «الديمقراطية».
 
هل كان ابراهيم عيسى ود. فؤاد زكريا على حق؟ هذا متروك للتاريخ.
 
لقد أخطأ عبد الناصر حين سعى نحو «الخيار الاشتراكي» في إطار غير ديمقراطي، كان عليه ان يدرك ان التنمية المستقلة تتطلب –وكما يقول المفكر الاقتصادي الراحل أ.د. اسماعيل صبري عبدالله- «اقتناع الاغلبية الساحقة من المواطنين بهذا الهدف ديمقراطياً. (اسماعيل صبري عبدالله «التنمية المستقلة»، ورقة قدمت الى «دراسات في الحركة التقدمية العربية»، بيروت، مركز دراسات الواحدة العربية 1987).
 
يبقى ان اختم بالقول: إن «الاطار الديمقراطي» ظلّ غائباً في «التجربة الناصرية». أصاب الراحل عبد الناصر في بعض الانجازات وأخطأ في تفرده بالقرار الوطني.
 
والله من وراء القصد.