Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Feb-2017

البكائيات على لغتنا.. إلى متى ؟ - د. زيد حمزة
 
الراي - لفرط حبهم واخلاصهم للغة العربية يظن بعضهم أن الدفاع عنها لا يكتمل الا بالهجوم على العامية والحض على عدم استعمالها وينسون أن الفصحى هي وليدة اللهجات التي كانت سائدة في القبائل الى أن ارتقت الأمة بالمعرفة والتواصل فتحولت تلك اللهجات الى لغة مكتوبة مقروءة ثم طرأ عليها ما طرأ بمرور الزمن من تغيير وتعديل وإضافة وحذف وتحسين مع اختلاطها وتماسها باللغات الاخرى ، ويظن بعض آخر أن اللجوء احيانا لاستعمال مفردات اجنبية عند التحدث بها هو انحراف عن الهوية الفكرية الوطنية ، وان انتقاد الفصحى من أي جهة جاء هو اعتداء على المقدس لأنها في اعتقادهم وحدها بين لغات العالم تحمل صفة القدسية ، ويظنون أن الشعب الوحيد الذي يعشق لغته ويتمسك بها هو الشعب العربي ويتوقعون منه تبعاً لذلك ان يبلغ في تعلقه بها حد التعصب الشوفيني ضد باقي اللغات بزعم أن هذه أقل شأناً وأدنى مقاماً حتى لتغار من العربية وتتآمر عليها وتسعى لتدميرها ! وقد نسي هؤلاء أن كل اللغات عزيزة على قلوب أصحابها لا لأنها الأفضل ولا لأن لها قداسة دينية بل لأنها بالنسبة لهم ضرورة حياة وبقاء فهي سبيلهم للاتصال والتعارف وللتعبير عن الافكار والمشاعر واداتهم للتعليم والتعلم ونشر المعارف والآداب وتبادلها مع الآخرين وشرح وسائل وطرائق العيش المختلفة وهي كذلك معينتهم على التطوير والتعمير والتنمية، أي أن اللغة – أي لغة – وسيلة لا غاية وعليها أن تواكب وتتابع كافة النشاطات البشرية لا أن تخضعها لشروطها وقيودها، ولذلك نحن وسوانا نحبها حقاً لأنها تصنع من اجلنا كل هذا واكثر.
 
لكن.. ألا ينتابكم الشك احيانا في ان بعض المدافعين عن العربية والخائفين عليها من الضياع والتفكك هم انفسهم عديمو الثقة بها وبقوتها حد التردد والعجز عن فعل شيء حقيقي من اجل المحافظة عليها وإنهاضها، اللهم إلا بالبكائيات التي يطلعون بها علينا بين الحين والآخر وكأنهم في كل مرة يؤبنونها ! والمفارقة التي تدعو للسخرية أننا نرى بعضهم عندما يكتبونها او يتحدثون بها يرتكبون أخطاءً لغوية عديدة لا في مخالفة اصول البلاغة فحسب بل في عدم التقيد بابسط مبادئ النحو او الاملاء او في الجهل باستعمال الهمزة وسط الكلمة أو في تأنيث العدد وتذكيره حيال المعدود، ولم نعرف أنهم حاولوا يوماً أن يتمردوا على تلك القواعد المعقدة واقتراح بدائل منطقية لها. 
 
ان من يريد حقاً الدفاع عن اللغة العربية في وجه عوامل تخريبها عليه اولا أن يسعى لتحصينها وتقويتها لكي تصبح كباقي لغات العالم الحية اكثر قدرة على خدمة اهداف مستعمليها وتصريف شؤون حياتهم ، وأن يتخلى عن الوهم بأن احترامها يتمثل في تحنيطها وبأن منع اصابتها بامراض الجدة والحداثة لا يكون إلا بتجميدها كما فعلت بعض اجهزتنا الرسمية التي انيطت بها تلك المهمة منذ رحل عنا الحكم العثماني قبل مائة عام وغادرتنا معه هيمنة اللغة التركية على لغتنا، ولا نغالي او نتحامل على تلك الاجهزة حين نقول أنها قصرت في القيام بوظيفتها الاساسية وفشلت فيما نجحت به دول أضعف وأقل كفاءة، كما أننا بكل أمانة ودون أي شعور بالنقص أو الخجل نعتقد أن بعض المؤسسات الاجنبية في عصرنا الراهن تقوم نيابة عنها بهذه المهمة، لا حباً بنا أو خدمة للغتنا بل لتحقيق اهدافها في الرواج الاعلامي والمعرفي والتجاري والسياسي، فنحن نجد مثلاً وكالات الانباء تترجم كل يوم للعربية من مختلف لغات الارض آلاف صفحات الاخبار والتقارير، وتجهد نفسها أثناء ذلك في تحديث الكثير من الكلمات والتعبيرات التي قضى علماء اللغة عندنا احقابا من الزمن عاجزين عن فعله إما خوفاً من المس بقدسيتها المزعومة أو عدم قدرتهم على القيام بذلك، ونجد أيضاً ان وسائل الاتصال الالكترونية بدأت مؤخراً تخطو خطوات أخرى اكثر جرأة في استنباط حروف غير موجودة في لغتنا العربية مثل الـ V والـ G والـ Ch والـP وبالعكس استنبطت للغات الاجنبية اشكالا لحروف عربية لا وجود لها عندها مثل العين (ع) والقاف (ق) والغين (غ) والخاء (خ) وقد فعلت ذلك ليس من اجلنا بل من اجل عدم التوقف عن مهمتها في إيصال ما تريده لنا، ولم تنتظر اذنا من احد وتجاوزت مجامع اللغة العربية وتركتها غارقة في سباتها!
 
وبعد.. صحيح أننا مطالبون باصلاح اللغة العربية لكن ليس بحبسها في الاقفاص بل باطلاقها في فضاء الحرية كي تتفاعل مع اللغات الاخرى اخذاً وعطاءً، وليس بالهجوم على العامية فهي حبيبة مئات الملايين الناطقين بها وهي الام والاخت للفصحى بل الأخذ بيدها لأنها ما انفكت تقترب منها كلما ارتفع مستوى التعليم لدى مستخدميها، واخيراً ليس بالنوْح في الدوْح بل على الأقل بالتشمير عن السواعد لتأليف معاجم جديدة صحيحة وميسّرة.. وتوفيرها في كل بيت وعلى الانترنت، فنحن لا نقبل أن يقال لنا إن باب الاجتهاد في لغتنا قد أغلق منذ أثني عشر قرنا اي بعد الجهد العظيم الذي بذله عالمانا الجليلان الخليل ابن احمد الفراهيدي وسيبويه.