Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Mar-2020

التائه

 الدستور-ليلى جاسر سلامة

الجميع يضحكُ على اسمي، تايه وحيد رمزي النايم. رباعية محرجة جدًا. في الواقع إنّ اسمي من أوله إلى آخره أكبر مقلب في حياتي. في كل مكان أتعرّض للمساءلة والسخرية، ولذا تركت البلد ورحلتُ إلى مدينة عجيبة لا تسخر من الأسماء. وفي أول صباح لي، أطلّ رأسي من نافذة شقّة تكادُ تلمسُ السحاب. انفرجتْ عيناي وانقبضتْ وأنا أقيسُ حجم الكائنات الحية وغير الحية الساكنة والمتحركة في الأسفل. رأيتُ بشرًا يمسكون حبلًا معقودًا بكائن متحرّك، يبدو من الأعلى كرة نطّاطة. نزلتُ من الطابق الستين بمصعد فاق المعايير، لم يستهلك من وقتي شيئًا. خرجتُ إلى الشارع، أفزعني الضجيج، حركة المارّة السريعة، المركبات على عجلة من أمرها، المسارات العريضة، علامات الطرق المتشابكة المليئة بالرموز، قلّة الأوكسجين، عدائين يركضون خلف كلاب، وكلاب تجرُّ مشاة..ليسوا عميانًا أو تائهين، وعميانًا يتصفحون كل شيءً بين دفتين، الكل يقظ ومتنبه يطوفون حول بحيرة اصطناعية جميلة لأبعد الحدود. رحتُ أطوف مثلهم في نزهة، ولكني كنتُ الوحيدُ لا أجرُّ كلبًا ولا كلب يجرّني، والوحيد لا أقبض بيدي على كأس قهوة حجم كبير، وفي الواقع كنتُ الوحيد بين الجميع لا أفعلُ شيئًا. هذا أمرٌ غير مقبول، أو غير متوقع..أن تكون فارغًا وتائهًا ووحيدًا ونائمًا. الآن.. لكم أن تتخيلوا مدى فظاعة اسمي في هذا القالب..همزة مقلوبة ياء وياء مقلوبة إلى جيم هي أحرف اسمي التي تنهار. المهم، خطر ببالي فكرة، لما لا اقتني كلبًا يُسليني أو حتى يقودني! ليس عيبًا أو محرجًا هنا أن تمشي وراء كلب. ولا بأس أن تلعب مع كلب. لن تسمع أحدًا يقول مثلًا: « تايه وحيد رمزي النايم يمشي مع كلب.» ولن يضحك علي أصحابي إذا سميته عطسة، نمس، أو عُرمشْ، أو دحلة ألهَفْ أو ديزل.. ولن ينادي على كلبي، مثلًا، أحدٌ ما: «...هذا كلب تايه.» ..مشيتُ قليلًا باتجاه معاكس للكلاب وأصحابها، لم أتمكن سوى من تلقي ابتسامة سريعة من العدائين..أمّا المشاة على مهل أسهل من المشاة على عجل، ألقيتُ ابتسامة مثل ابتساماتهم صدقة، ليسوا أخوتي ولا من معارفي، ولكن ينثرون ابتسامات في الجو والهواء. كنتُ ألتقطُ تلك الابتسامات، وكانت عجيبة. استوقفت إحدى السيدات تمشي مع كلبين وسألتها: من أين أحصلُ على كلب؟ أجابتني وأشارتْ إلى مسافة طويلة..:»هناك يوجد محل بيع الحيوانات الأليفة.» ثمّ أشارت إلى مسافة أطول منها ..»..وهناك جمعية خيرية للعناية بالحيوانات التائهة!»، قلتُ في رأسي مالي ومال الحيوانات التائهة، يكفيني أني أنا تائه! زد على ذلك أن الطريق إليها يتطلب مني قطع شارع ذو مسارات عريضة لا أعرف إن كنت قادرًا على المرور عبرها دون أن تدوسني إحدى المركبات فتمضي في طريقها غير آبهة. وصلتُ إلى محل بيع الحيوانات الأليفة، مسافة آمنة. جعلتُ أتفرّج على الكلاب الصغيرة والكبيرة ذات أنواع مختلفة..جميلة وقبيحة..مخيفة ولطيفة..وكل كلب له اسم، اسم مختصر، اسم يبدو جميلًا ومقبولًا: جيمي، شادو، بريتي، فانيلا، ألفا، روميو، تشارلي، أوسكار، يانكي، فيكتور، هوغو، روبي، لوسي، جاك، كوكو، ماكس، أوليفر، ريكس، إلفيس، برينس....توقفتُ عند هذا الكلب. كلب كبير ضخم مغطى بفرو كثيف واسمه بالعربية أمير...، حيوان يحملُ اسمًا أحلى من اسمي! قرأت بطاقة معلوماته، ثمّ سألتُ البائع عن سعره، فقال لي: «الكلب وحده دون الإكسسوارات مئة دولار» .تأففت: أوف يا رجل..سعره غالٍ. أخذتُ جولة أخرى في المحل، واستوقفني كلب صغير، مكتوب عليه: النوع تشيواوا، الاسم: تشارلي...أثار فضولي هذا ألـ تشارلي فسألتُ البائع عن ثمنه، فقال لي: «إنّ تشارلي بمئتي دولار...» خرجتْ أووووووف طويلة ممتدة من فمي أضعاف الأولى قطعتْ أنفاسي، ثمّ سألته متعجبًا: الكلب الكبير بمئة دولار، والصغير ضعف ثمنه؟؟!! ردّ علي ضاحكًا: «إنّ الكلب برينس، كلبْ..أمّا تشارلي فهو كلب ابن كلب!» زغللتْ عينياي من أثر صعقة الجواب الصاروخي وفكرتُ أنني أصلًا مصابٌ برهاب عضة الكلاب.. التفتُّ إلى البائع متأملًا وجهه لحظة، وسألته: ما اسمك أيها السيد؟ ابتسم البائع قائلًا:Nut Crispy، أي المجنون المقرمش..  أخفيت ضحكتي، ثم سألته: سيّد ن....ت، ما ثمن اسم الكلب الكبير، الاسم وحده؟ نظر لي نظرة عميقة جدًا، ثمّ نفدتُ بجلدي مسرعًا خارج المحل فكدّتُ أتعثر بالنباح خلفي.. لكن التقطتني ابتسامات العدائين والمشاة.