Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    17-Oct-2018

«نظرية الفوضى» و«علم المفاجأة» في عصر المعرفة - د. فيصل غرايبة

الراي -  ارتاح الانسان الحديث في كل مكان الى تقنيات المعلومات، بعد أن وجدها تقلل من مدة الزمان ومسافة المكان وهي تعبر الثقافات والمجتمعات، معتمدة على وسائط غير شخصية، مستندة على بنية معرفية أفقية لا رأسية، ومعتمدة على التعليم الذاتي والمستمر، وقد ازداد دورها أهمية مع دخول العالم عصر المعرفة، الذي غزرت فيه المعارف وتطورت فيه التقنيات، وتقلصت فيه المسافة بين ظهور المعرفة العلمية والممارسة العملية لها.

ولكن هذه التقنيات المتاحة لنا تتطلب منا أن ندرك ونستشرف تداعياتها على اوضاعنا المحلية الراهنة والمستقبلية، وهذا الذي يتطلب منا اعادة تشكيل مجتمعاتنا التي تحاول السير الآمن والموفق نحو النهضة والتقدم، في حين برزت بين الدول الفجوة الرقمية، التي نجمت عنها محاولات التزاوج بين العقل البشري والعقول الألكترونية، وهي التي قد تتطور الى فجوة كمية، تلك التي تنجم عن استخدام الحاسبات العملاقة والكمية في حل أعقد المسائل في ثوان، وهو ما كان يعجز عن حله علماء الرياضيات والطبيعة حتى زمن قريب، قبل ان يتغلب الباحث المتطور على التعقيد والتركيب والفجائية في الظواهر الطبيعية والأجتماعية، مما يحدث الفوضى، ليس بالمعني اللغوي لها، وانما بشكلها النظامي القابل للتحليل والقياس، عندما تبرز تلك المظاهر بصورة مفاجئة غير متوقعة. فانبثق من هذا الخضم»نظرية الفوضى» و»علم المفاجأة»،لكي نتمكن في ضوئها من مواجهة تحديات النظام العالمي الجديد.
هناك فرق بين»طبيعة الأستخدام»و»طبيعة الأستيعاب»، اذ يعني الأستيعاب تلك القدرة على توطين التقنيات وتوظيفها لتحقيق النهوض بالانتاج والخدمات. وهذا يتطلب منا أن نعرف كيفية الأستفادة من المفاهيم في حل مشكلاتنا التنموية والأجتماعية، ففي»العمل عن بعد» لا يشترط الالتقاء وجها لوجه بين طرفي العمل في مكان العمل، مما يناسب ظروفنا الأجتماعية فيما يخص عمل المرأة وغير القادرين على مغادرة بيوتهم،وكذلك فيما يخص التنمية المستدامة أو(التنمية صديقة البيئة) التي توازن بين حاجات الأنسان الحالية ومحدودية الموارد،وبين الأستفادة من البيئة والاضرار بها، وضرورة التوازن بين الحاضر والمستقبل، وهو ما يتطلب سلوكا لا يهدر الموارد واستهلاكا لا يستنزف الموارد الطبيعية.
لقد تمكنت التكنولوجيا الرقمية من العمل على نطاق عالمي لتحقيق بعض أحلام الانسانية،وأرست قواعد ثقافة الكترونية عالمية امتدت عبر الزمان والمكان،تستبعد التنازع وتشجع الحوار وتفضي الى التفاهم.واطلقت مفهوم «الجمهور الفاعل»، الذي يعكس مقدرة المتلقى على أن يكون منتجا وشريكا أصيلا ضمن عملية اتصالية تفاعلية بدلا من أن يكون متلقيا سلبيا للمحتوى أو الرسالة، وقد نجحت هذه الوسائل في الربط بسرعة هائلة وبطريقة غير مسبوقة بين الناس من مختلف أرجاء العالم.
وابرزت وسائل التواصل الاجتماعي الفردية واستبعدت بالمقابل الوصاية في الاختيار والتعبير والنشر،ومكنت الفرد من التعبير عن الذات، وسهلت التعارف والتواصل بين الناس حتى ولو كانوا بعيدين مكانيا وثقافيا،مثلما زادت من نشر الوعي بتسهيلها وتسريعها لتداول المعلومات وصقل المعرفة وزيادة الثقافة، كما أنها اتاحت مجالا للتسلية والترفيه، واستحدثت ما يعرف بالتجارة الالكترونية. الا أن الوسائط الحديثة قد كونت ظاهرة الأدمان الالكتروني التي قللت من الاحساس بالوقت والمكان لدى المستخدم لها، وخاصة عند حرصه على الحضور الدائم لتلقي المعلومات.هذا عدا عن انها تزيد من تعقيد منظومة الأمن الالكتروني وافساح المجال لممارسة الجرائم الالكترونية وبما تشكله من اضرار مادية فردية ومؤسسية.
لا تعالج مثل تلك السلبيات ولا يحد من تلك الاضرار الا بتعزيز الوعي لدى الأفراد وتعزيز انتمائهم لبلدهم وتضامنهم لرفعة شأنه وتقوية الأواصر بين اعضائه.
dfaisal77@hotmail.com