Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Jun-2017

علمان من القيروان.. - ابراهيم العجلوني
 
الراي - أراد ابن شرف القيرواني صديقه ابن رشيد القيرواني صاحب كتاب «العُمدة» على ان يدخل معه الاندلس، فتردد في ذلك وانشد:
 
ممّا يزهدّني في أرض أنَدلُسٍ
 
أسماءُ مُقتَدِرٍ فيها ومُعتَضِدِ
 
ألقاب مملكةٍ في غير موضعها
 
كالهِرِّ يحكي انتفاخاً صولةَ الأسدِ
 
فأجابه ابن شَرَفٍ على الفور:
 
إنْ تَرمِكَ الغربةُ في مَعْشَرٍ
 
قد جُبلَ الطَبْعُ على بُعضِهمْ
 
فدارِهم ما دُمْتَ في دارِهمْ
 
وأرضهم ما دُمْتَ في أرضِهِمْ
 
وكان ابن شرف هذا جُذاميّاً، شأنه في ذلك شأن فروة بن عمرو الجذامي رضي الله عنه، اول شهداء الاسلام خارج الجزيرة العربية، وكان شاعرا مثله.
 
ولا بأس من استطراد قصير هنا عن الشهيد الجُذامي (الأُردني أو الفلسطيني فهما سواء) فروة بن عمرو، فقد كان عاملا للروم على معان، وكان قد بلغه نداءُ الاسلام فأسلم (وكان ذلك قبل فتح مكة) وارسل بغلةً هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما علم الحارث الغسّاني، اغرى به هرقل فطلبه جنود الروم حتى أسروه ثم صلبوه على «ماء عفرى» قرب الطفيلة، وكان آخر ما قاله قبل استشهاده:
 
بلّغْ سَراةَ المسلمين بأنني
 
سَلْمٌ لربّي أعظمي ومقامي
 
وإذ نعود الى صاحبنا ابن رشيق وابن شرف القيروانيين نقولُ إنهما كانا متقدمين عند الامير «المُعزّ بن باديس» امير افريقية (تونس حالياً) الذي كانت «القيروان» في عهده – كما يذكر ياقوت الحموي في مُعجمه – «وجهة العلماء والأدباء، تُشَدُّ اليها الرحال من كل فج لما يرونه من اقبال المُعِزّ على اهل العلم والأدب وعِنايته بهم».
 
ولعل هذين المثقفين الكبيرين قد اجريا مقارنة بين واقع الحال في تونس ايام المعز بن باديس وبين واقع الحال في الاندلس التي مزقتها الاهواء وتفرقت طوائفها «ايدي سفه» واصابها الوهن، وصار امرها في جملته فُرطا.
 
***
 
واذا كان ابن رشيق قد علّل زُهده بأرض الاندلس بما يتغشاها من مظهرية فارغة، وألوان إدهان ومصانعة، وألقاب تنمُّ على غير مدلولاتها. وكان صاحبُهُ ابنُ شرفٍ يحملُهُ في هذه المحاورة الشعرية التي اثبتها ياقوت في «معجم الأُدباء» على التصنّع والمداراة، فيما تعتبره لدى النظر المدّقق دبلوماسية مستخذية لا تختلف في تهافتها الأخلاقي عن واقع الأندلس آنذاك، فان مما نخلص اليه ان ابن رشيق القيرواني كان أصحّ رؤيةً وأسلم منهجاً من صاحبه ابن شَرَف الذي نجزم بأن استفاضة نهجه في النفاق وذرائعيته في الاندلس هي اول اسباب خرابها وخراب كل أندلس ضيّعها أهلوها.