Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    04-Dec-2018

اذكرني عند ربك.. ديمقراطية في السجون* ابراهيم عبدالمجيد القيسي
الدستور -
«اذكرني عند ربك»..هل تعرفون شيئا عن قصة سيدنا يوسف عليه السلام في السجن، وكيف حصل على الحرية ثانية؟.. هل يبدو العنوان غريبا؟ هل تعتبرونه مظهرا من مظاهر الترف السياسي – الأمني؟..
بغض النظر عن المزاج العام الذي يجنح للإثارة والسلبية، وعن الذاكرة الجمعية التي أصبحت لا تحتفظ الا بالزلل والسلبية، وتتأهب لتخزين وطبخ الأخبار المفبركة أكثر من الحقيقية.. بغض النظر عن كل هذا فإن في الدولة مؤسسات مختصة تماما، روح عملها هو القانون، الذي يقودها الى فهم نموذجي للعدالة ولحقوق الإنسان، وهذا ما يجري في الأمن العام، وحين نتخلى عن الحالة السلبية التي تسيطر على المزاج العام، ونتخطى امتيازات الذاكرة المتحفزة للتشكيك والاحتفاظ بالمعلومة غير الصحيحة..حين نفعل سنعرف بالتأكيد بأن لدينا حالة تقدمية نموذجية من الأداء الملتزم بشرعة حقوق الانسان، يقدمها جهاز الأمن العام، ونقرأ ونشاهد بشكل يومي أخبارا عن هذه الحالة، ولعل آخر ما متعلق هذه المرة بإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل.
قيادة الأمن العام؛ وجهت الإدارة الى التعامل بمؤسسية وديمقراطية مع نزلاء هذه المراكز، وقد نعتبر الموضوع عاديا وليس بالانجاز الكبير، فالسجن عالم لا يشغل بال الناس الذين لم يقوموا بزيارة له، أو يقيمون فيه يوما، وهو رمز لمصادرة الحرية الشخصية في ثقافات كل الشعوب ومنذ انطلاق الحياة البشرية على الكوكب، وما يجري من اسلوب تعامل داخل السجون يعكس جانبا مهما من خبرات الدول وأجهزتها الأمنية ومدى تحضرها واحترامها للقانون ولحقوق الانسان، فالمحكوم بالسجن لديه حقوق أيضا، كفلها القانون وقبله الدستور، وقبلهما الأخلاق والأعراف الإنسانية، وفي السجون تتجلى الحاجة الى تعامل صارم واضح يخلو من الاجتهادات، ويغدو المكان خارج سياق الحياة البشرية إن لم يلتزم بشرعة حقوق الإنسان، وكلها مفاهيم ملموسة في تفكير وقوانين وإجراءات إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل، التي تضم داخل أسوارها ناس، منهم محكومون ومنهم رجال شرطة مسؤولون تماما عن هؤلاء الناس، يهتمون بكل تفصيل من تفاصيل حياة المحكومين القاطنين خلف القضبان والأسوار.
قامت إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل بالسماح للنزلاء بأن يشكلوا مجالسهم المنتخبة الخاصة، التي تتولى دراسة مطالبهم ومشاكلهم ونقلها الى المسؤولين في مراكز الإصلاح والتأهيل، وهي مجالس أعضاؤها من نزلاء المراكز، يتم انتخابهم من قبل النزلاء أنفسهم ومن بينهم، ويختلف عدد أعضائها من مركز إلى آخر، وتجتمع المجالس فيما بينها أسبوعيا، وشهريا مع إدارة المركز، لتعرض مطالبها وتقوم الإدارة بتنفيذ الممكن منها، ضمن الصلاحيات القانونية المخولة لإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل..
العملية فريدة من نوعها حسب علمي، ولا يوجد دولة في العالم تطبقها، ونحن ندرك بأنها فكرة جديدة يتم اعتمادها وتطبيقها في مراكز الإصلاح والتأهيل، وهي رهن للتقييم والتطوير في المستقبل، وبعيد عن هذا التفرد، هي حالة مهمة للنزلاء، على صعيد نفسي وعلى صعيد إداري، فعالم السجن مختلف عن العالم خارجه، وقد تبدو أصغر التفاصيل في الحياة خارج السجون من أكبر الأعمال المتعذر الحصول عليها داخل السجون.. لكن مع مثل هذه المجالس يختلف الأمر..
لسنا بحاجة لتأكيد الحقيقة القائلة بأن من أهم حقوق الانسان هو «الأمن»، وحين تكون قوانين وإجراءات ادارات مراكز الإصلاح والتأهيل مبنية على مفاهيم حقوق الإنسان، تظهر أهمية مثل هذه الخطوات التقدمية الكبيرة التي يقوم بها جهاز الأمن العام، في دولة ديمقراطية، ويحتدم فيها الحوار الديمقراطي يوميا، وتجري فيها عملية حيوية مستمرة على صعيد  إيجاد أو تعديل تشريعات، لتتواءم مع متطلبات الديمقراطية وحقوق الإنسان.. وبناء على هذا الفهم تتعاظم خبرات جهاز الأمن العام ورجالاته، ليثبت بأنه وعلاوة على واجبه المعهود في حفظ أمن الوطن وإنفاذ القوانين وحماية الناس وممتلكاتهم ومنظومة قيمهم وأخلاقهم، فهو مدرسة، يقوم بواجبات لم تعد ثانوية وفائضة عن الحاجة، بل تقع في صلب المشهد الأردني، الذي يقدم لنا وللمتابع الخارجي أهم الأدلة على تميز الوطن والدولة الأردنية والمواطن مقارنة بآخرين كثر.
لا أتمنى لأحد أن يقيم في السجن أو حتى أن يزوره، لكنني أطالب الذين يتحدثون عن الأردن وقضاياه وقوانينه ومؤسساته لا سيما الأمنية والعسكرية منها، أن يأخذوا بعين الاعتبار مثل هذه الحالات المتحضرة الجديدة التي نلمسها ونعتز بخروجها من مؤسسات أمنية، لتؤكد حضارية وإنسانية ورقي الاردن قيادة وشعبا ومؤسسات.