Tuesday 16th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    25-Jun-2016

«نحو استراتيجية شاملة لمواجهة التطرف» - الأب: نادر سليم ساووق

 

الراي - مسار العنف والتطرف المتصاعد في بلادنا العربية وفي العالم أجمع ، والإرهاب الذي أصبح خطره يهدّد الجميع ، يتطلّب منّا القضاء عليه ، بمشاركة وتكاثف جميع الأطراف من مؤسسات دينية وتربوية وثقافية وإعلامية ، لمنع انتشاره ، ومن هنا يأتي دور رجال الدين وقادة الفكر والثقافة ، في توعية الشباب ، على القيّم الحقيقية ، لا سيّما احترام قيمة الحياة وكرامة الإنسان والعدل والمساواة ، والتضامن والتكافل الاجتماعي.

بالأضافة إلى ثلاثة ركائز مهمة لمواجهة المشكلات وحلّها ، وهي :
1- العقل المنفتح. 2- القلب المتسع. 3- الروح المتضعة.
فإذا عززنا هذه الركائز ، وهذه القيّم في حياتهم ، من الناحية الإيمانية الحقّة ، والبعيدة عن كل أشكال التعصب والتطرف ، نكون قد ساهمنا في الحّد من خطر الإرهاب وأساليبه.
أولاً: العقل المنفتح :
العقل « مصدر السعادة « ، إذا أحسن الإنسان استخدامه ولكنه إذا أساء استعماله فيصبح « مصدر التعاسة « له أيضاً ، وبالتالي العقل المنغلق هو اغتيال للإبداع والتطوّر ، والفكر المتطرف لا يستقيم مع تطور الحياة ، فالعالم يتطور ولابدّ له من الفكر المنفتح والمستنير ، واعتماد الحوار كوسيلة ناجعة لحلّ المشكلات والأزمات.
وفي هذا الصدد ، يقول المفكر الأمريكي توماس كول: « إن التفكير نوعان: نوع دائري ، وهو الذي يدور في حلقة واحدة ، ونوع منفتح يُفسح المجال لإستنباط معارف جديدة «.
وعليه ، فالفكر المنفتح هو الذي يُفسح المجال « لإستنباط المعارف الجديدة « ، وهو الذي يؤمن بالتعدّدية المجتمعّية ، وحق الإختلاف ، ويدعو إلى الحوار « بالحكمة والموعظة الحسنة «.
لذا ، الاختلاف الفكري والتعدّدية الدينية ، هما مصدر قوّة وتقدم ، مستندين في ذلك إلى الحكمة التي تقول: « نعمل في ما إتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا حوله «.
إذاً ، المطلوب تحرير العقل العربي من الجهل والإنغلاق ، برسالة التربية والتعليم ، وبتدريس الفلسفة والمنطق ، لأن الهدف من التعليم « استبدال العقل المنغلق بعقل منفتح «.
ومن هنا يأتي دور المدارس والمؤسسات الدينية والثقافية ، في إقامة حلقات حوار وورشات عمل ، لتعزيز الفكر المنفتح المؤمن بالحوار والتعدّدية ، بعيداً عن الفكر التكفيري والإلغائي.
ثانياً: القلب المتسع :
يقول أحد الكتّاب الروحيّين: « كثيراً ما بحثت عن الله ولم أجده ، وكثيراً ما بحثت عن نفسي لم أجدها ، ولكني عندما بحثت عن أخي ( الإنسان ) وجدت الثلاثة: وجدت الله ونفسي وأخي».
نعم ، الآخر طريقنا إلى الله تعالى « فاذا قال أحدٌ: أنا أحبّ الله ، وهو يكره أخاه كان كاذباً «.
وفي القرآن الكريم يقول: « يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير « ( سورة الحجرات: 12).
فإذا كان « الله محبة «، فالمحبة قمة الفضائل ، والإيمان يكمن في الرحمة وليس في الحقد والكراهية. فإذا كانت الكراهية التي تسببت في عديد من المشكلات في هذا العالم الذي نحياه ، فالمحبة كالنور هي إشراقة الشمس التي تشرق على الجميع. « فكما أن حرارة الشمس تجعل الأشياء تتمدد ، هكذا حرارة المحبة تجعل القلب يتسع «.( القديس يوحنا الذهبي الفم ).
أجل ، عندما نعيش إنسانيتنا ، نستطيع أن نقبل بعضناً بعضاً ، لا بل نحبّ بعضناً بعضاً
فالإنسان بأصالة إنسانيته ، وقلبه الذي يتسع للجميع.
ثالثاً: الروح المتضعة :
تخيّل العالم لو كان كل منّا متواضعاً. من المؤكد أنه سيكون أجمل لو كنا مستعدين لأن نقّر بجهلنا للكثير من الأمور ، وبأن لدينا الكثير من نقاط الضعف ، وبأننا خطأة...
بل سيكون أفضل من هذا ، لو اعترفنا بأخطائنا والإعتذار عنها ، وسيكون العالم أفضل وأفضل لو أننا تعاملنا مع بعضنا البعض دوماً على أساس الأحترام المتبادل ، لأن التواضع واحترام الغير صنوان لا يفترفان.
ومن هذا المنطلق ، يطوّب السيد المسيح الودعاء والمتواضعين قائلاً: « طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الأرض «. « وكما أن الجسد يحتاج إلى ثوب ، كذلك النفس تحتاج لرداء التواضع «.
نعم ، التواضع أساس كل فضيلة ، لأن الإنسان المتواضع يرث الأرض بسيرته العطرة وبفكره المنفتح وقلبه المتسع ، وما الحياة سوى درس طويل في اكتساب التواضع.
خلاصة القول: لا يمكن تنظيم مجتمعاتنا ، ولا خلاص لبلادنا العربية إلاّ: بالعقل المنفتح ، والقلب المتسع ، والروح المتضعة ، أي بالمحبة والتضامن وقبول الآخر ، وهذه طريقنا نحو الوحدة والمستقبل.