Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Sep-2017

(النص) و(العالَم): دخول.. خروج (نموذج تطبيقي) - معاذ بني عامر
 
(1): نموذج تطبيقي
الغد- ثمة خروجان ينبغي على المسلم أن يخوض تجربتهما لكي يلتحق بركب الحضارة الإنسانية، ولا يعود مجرد مُتفرّج على ما حدث سابقاً من خلال التمجيد المجّاني له، وعلى ما يحدث الآن من خلال الشعور المأتمي بالضعف والانسحاق، وعلى ما سيحدث مستقبلا لناحية الاستسلام لليأس والقنوط وعدم القدرة على فعل أو اجتراح أي عمل من شأنه أن ينقله من طور المفعول به/ المنفعل حضارياً، إلى طور الفاعل الحضاري:
الخروج الأول: من (التدين التاريخي) ودخوله في (النصّ الديني)، سيخنقه لاهوتياً.
الخروج الثاني: من (النصّ الديني) ودخوله إلى العالَم، سيخنقه ناسوتياً.
في الخروج الأول (من التدين إلى الدين) سيخوض غمار التيه الروحي، إذ يكون عمره قد ضاع، وهو يدافع عن أسئلته الوجودية الكبرى حول الله والإنسان والكون بإجابات غيره.
وفي الخروج الثاني (من الدين إلى العالَم) سيخوض غمار التيه العقلي، إذ سيكون عليه ردم هوّة هائلة من الأسئلة الشائكة والشائقة، التي كان النصّ الديني قد أجاب عنها. فهو بإزاء تفجير حقول الدراسات المعرفية بكافة تمظهراتها العلمية والفلسفية والأدبية، والأخلاقية بكافة تجلياتها القيمية، والجمالية بكافة تجلياتها هي الأخرى من فنون وموسيقى ورسوم وتصميمات وهندسات؛ لغاية إبداع كتاب حضاري شامل منفصل عن يقينات مبدئية تتحكّم بنتائج تمثّلاته في الواقع المعيش. فالحضور الكبير هو للعلاقة الجدلية بين الذات والعالَم، بما يمنحها طابعاً متحرّكا على الدوام.
 
(2): خطوة إلى الخلف
كُنتُ قد أشرتُ في المقالة السابقة إلى نوعين من النصوص يضغطان على الإنسان لحظة تشكيل رؤيته للعالَم، لكن ثمة احتمال كبير في الخروج من النصّ، لا سيما النوع الثاني الذي أشرتُ إليه آنفاً، إذا ما توافرت الإرادة لذلك الخروج. 
وقد أردتُ في هذه المقالة أن أشير –عبر نموذج تطبيقي على النص الديني الإسلامي، لما للأمر من أهمية مُلحّة في وقتنا الراهن- إلى الصعوبة المزدوجة التي تواجه المسلم في الخروج من النصّ الديني لغاية دخول العالم، والتفاعل معه تفاعلاً مُنتجاً على المستوى الحضاري.
الصعوبة الأولى: متعلقة بالنصّ الديني نظراً للحمولة الكبيرة التي يحملها بين طياته، وتريد من المسلم أن يُؤسّس لوجوده في هذا العالَم اقتضاءً لواقع هذه الحمولة. ولغاية هذه اللحظة ما تزال انطباعات المسلم مُؤسّسة على النص الديني، حتى في تلك القضايا التي تبدو بعيدة عن السياقات الدينية، سنجد تأثيراً للدين عليها. فهو من القوة بمكان أن أطرَّ غالبية الرؤى –على مختلف الصعد الجسدية والعقلية والروحية- التي ينظر المسلم من خلالها إلى العالَم.
الصعوبة الثانية: متعلقة بمُلحقات النصّ الديني، سواء أكانت هذه المُلحقات على هيئة أشخاص أم هيئة مفاهيم. ولربما كانت شبكة المفاهيم والأشخاص أشد خطراً من النص ذاته في التأثير المباشر وغير المباشر، على عدم خروج المسلم من النص إلى العالَم. 
وقد كان لهذه الشبكة، لكي تصبح أكثر فاعلية في السيطرة على أجساد وعقول وأرواح المسلمين، أن تنتظم في مؤسسات دينية كثيرة وعديدة، بحيث يصبح لمنتوجاتها تأثير القانون، فما أن يخرج أحد على تعاليمها، التي تتخذ طابع النواميس المقدسة، حتى يُدفع به إلى الواجهة ليُواجه ما اصْطُلِحَ عليه من عقوبات دنيوية، كمقدمة لعقوبات أخروية ثانية، كنوعٍ من الإمعان في تشديد وتغليظ العقوبات، بحيث يفكّر المسلم ألف مرة قبل أن يُقدم على ما من شأنه أن يُخالف تعاليم شبكة الأشخاص والمفاهيم التي تحيط بالنصّ الديني من كل جانب.
وإذا كان لنا أن نستقرئ ما يحدث اليوم في العالَم الإسلامي فيما يتعلق بالموضوعة التي أتحدث عنها هنا: الدخول في النص/ الخروج إلى العالَم؛ فإننا بإزاء حالة دخول مستعصية ليس في النص الديني فقط، بل وفي ملحقات هذا النص، بما يستلزم ولادتين لكي نشقّ الصدفة القاسية ونخرج إلى العالَم وندخل معه في حركة جدلٍ دائم ومُتنامٍ. فنحن حالياً ليس داخل النص تحديداً بل داخل شبكة الأشخاص والمفاهيم المحيطة بالنص الديني، فهي بمثابة الجدار العالي لمواجهة أي خروج من التديّن ودخول في الدين. 
وعليه، فالصراع الآن في العالَم الإسلامي ليس لغاية الخروج من النصّ والدخول من ثمَّ في العالَم، بل هو لغاية الخروج من شبكة المفاهيم والأشخاص والدخول من ثمّ في النصّ. 
بلغة ثانية، لمّا نصل بَعْدُ إلى مرحلة النص، فثمة حَجْر مبدئي على ذلك، بموجب شبكة المفاهيم والأشخاص التي وظفّت نفسها ليس كحارسةٍ للنصّ الديني فقط، بل ومُمثلّة له تمثيلاً حصرياً، بما يمنح وجودها الدفاعي طابعاً قدسياً.
بلغة ثالثة، نحن الآن في مرحلة التدين وليس في مرحلة الدين، لذا سيستغرق الخروج من النص إلى العالَم وقتاً أطول، إذا لم نفتح الباب واسعاً لنقد النصّ الديني، وتفهّم جدواه في الاجتماع الإنساني. بما يستلزم وضع حدٍّ لتغوّل المؤسسة الدينية بكافة تجلياتها في إصدار أحكام قيمة على كل من لا يرى رؤيتها للنصّ الديني أو ينطوي تحت مظلتها في مواضعة هذا النص في الواقعين الفيزيقي والميتافيزيقي.
(3): الخروج أو الاندثار
على الطرف المقابل للولادتين: 1- ولادة الخروج من التدين والدخول في النصّ الديني. 2- ولادة الخروج من النص الديني والدخول في العالَم. قد يبدو المسلم سعيداً بما هو عليه من تموقع في شبكة المفاهيم والأشخاص من جهة، والنص الديني من جهة ثانية، فهو تموقع آمن من كل سوء في الحياتين الدنيوية والأخروية.
ليكن، لكن سيكون الثمن باهظاً على المستوى الحضاري، فمعاينة العالَم ستبقى رهناً لما جاء في النصّ الديني وملحقاته، ولن يستطيع المسلم أن يجاري الانفجارات المعرفية التي تتغيّر كل لحظة في عالمنا المعاصر، فهو دائماً بحاجةٍ إلى أن يستشير النص الديني أو ممثليه حول ما يجري ويجدّ، وبانتظار أن تتحقق الاستشارة (قبولاً/ رفضاً) انسجاماً مع مقتضيات النصّ الديني، سيكون العالم قد تجاوزه تماما.