Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Oct-2014

ما يحيي السياسة وما يميتها*د. علي محمد فخرو

العرب اليوم-من حقّ القطر العربي التونسي أن نعتزّ بطريقة تعامله مع ثورة شعبه، تلك الثورة التي فجّرت الينابيع الصافية في الماء العربي الآسن الرّاكد المتعّفن.

فأن يستطيع شعب تونس وقياداته السياسية أن يبحرا طيلة أربع سنوات في بحر متلاطم، من خلال ممارسة تجارب الخطأ والصواب والأخذ والعطاء، فان ذلك يطرح السؤال التالي: لماذا نجح أهل تونس، حتى لو كان نجاحهم نسبيا، ولماذا تعثّر غيرهم، حتى لوكان ذلك التعثّر مؤقتا ؟

الجواب على ذلك التّساؤل سيكون مفيدا لو أنه تخطّى المؤقت الظاهر إلى الثابت الأعمق. ولن يكون ذلك سهلا، ولكنّ أهمية الموضوع تستاهل المحاولة.

أولا، الأهمية القصوى لوجود المجتمع المدني الناضج الحيوي، الذي لا يقتصر على الوجود الفاعل للمؤسسات السياسية فقط وانّما يتعدّى ذلك إلى أن يشمل وجودا فاعلا مؤثّرا للمؤسسات المدنية الأخرى من مثل النّقابات العمالية والجمعيات المهنية والحقوقية والتجمعات النسائية والاتحادات الطلابية. وكمثال على ذلك يمكن الإشارة الى الدور الايجابي البارز الذي لعبته النقابات التونسية على الأخص إبّان الفترة الانتقالية التي عاشتها الحياة السياسية التونسية.

الوجود المجتمعي المدني الشامل الحيوي الملتزم الرافض لدور المتفرّج له أهمية قصوى في ممارسة الحوار والإقناع ومن ثم التقريب، في ممارسة الضّغط والتهديد لمن يناور بانتهازية، في ممارسة الفضح والثناء’ وبالتالي في مساعدة بناء الاتّزان والمعقولية في الحياة النضالية السياسية.

ثانيا، وجود ضوابط أخلاقية ووطنية تحكم العلاقات بين القوى السياسية، بحيث يحلُ التسامح محل التعصب، وتعلو مصلحة الوطن على المصالح الفئوية والحزبية، ويتمُ التعامل مع قضايا المواطنين وأحلامهم بجديّة وكفاءة وعدالة وليس بالفهلوة والمعارك الدونكشوتية.

وكمثال على ذلك القدرة المبهرة التي أظهرتها القوى السياسية التونسية، بأطيافها الإيديولوجية المختلفة بل والمتضادة، في العمل مع بعضها بعضا لإنجاح الفترة الانتقالية وترحيل أية خلافات بينها إلى حين وصول ثورة شعب تونس المباركة إلى برّ الأمان.منذ إنقسامات وصراعات خمسينيات القرن الماضي فيما بين القوى السياسية العربية القومية والإسلامية واليسارية والليبرالية، التي كانت لها نتائج كارثية على مجمل الحياة السياسية العربية في كل الوطن العربي، جرت محاولات جادّة للتقريب بين تلك القوى وايجاد أرضية مشتركة مقبولة من الجميع. لقد كان الهدف هو إقناع الجميع بأنه عندما يكون وجود الأمة في خطر أو تكون المجتمعات مستباحة وسقيمة وقريبة من الاحتضار فان واجب القوى السياسية أن تعلو فوق اختلافاتها الفكرية وخلافاتها التنافسية، وأن تضع المصالح الكبرى فوق كل المكاسب المؤقته أو الفرعية. لقد أثبتت فواجع السنوات الأربع الماضية أن مثل هذه الممارسة كان يجب أن تحكم الحياة السياسية العربية، على المستوى الوطني والقومي، بل ولسنين طوال قادمة، والاّ فان الجميع سيخسر، والا فان تضحيات شباب الربيع العربي ستذهب هباءً.

ثالثا، إن نجاح أو فشل الحياة السياسية في المجتمعات يرتبط إلى حدّ كبير بنوعية مزاج وروحية وسلوكيات شعوبها. هناك شعوب تتصف بسلوكيات تحيي السياسة وهناك شعوب مزاجها يميت السياسة. بعض الشعوب تميل سلوكياتها اليومية نحو الفهلوة والمراوغة والكذب فيصاب النشاط السياسي بالسطحية وعدم الجديّة بسبب غياب المساءلة من قبل الناس لمؤسسات السياسة ولقادتها.وبعض الشعوب سريعة الغضب، قليلة الصبر، تعتبر السَّحل وسفك الدماء رجولة، ما يقلب الحياة السياسية إلى صراعات وصراخ وحوار طرشان.

بينما تتصف بعض الشعوب بالرقّة والسّماحة والاتزان العاطفي، فتحتقر من يحاول إثارتها أو خداعها، وتنأى بنفسها عن الغلو والمماحكات والانقياد الأعمى في المواقف. عند ذاك ينعكس كل ذلك على الشارع السياسي ليصبح مسالما وصادقا مع نفسه، فلا يمارس الفحش في السياسة من خلال ممارسات إقصاء الآخرين وتهميشهم.

الذين خبروا شعب تونس، رجالا ونساءً، يعرفون أن كثرته تتصف بالكثير من الصّفات الإيجابية الحسنة التي ذكرنا.

وهي صفات فرضت على قادة السياسة في تونس أن يتعاملوا مع الفترة الانتقالية باتزان ومعقولية ورفض للعنف العبثي.

لا يعني كل ذلك أن تونس واحة للحياة السياسية المثالية، ففيها الكثير من الأخطاء والخطايا. لكن فيها مزاج ثقافي وارادة سياسية يواجهان تلك الأخطاء والخطايا ويوجدان الحلول المعقولة لها.