Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    07-Aug-2017

استراتيجية أميركية قصيرة الأمد في سوريا - حسن أبو هنية
 
الراي - مع مرور الوقت تتكشف الاستراتيجية الأميركية القاصرة في سوريا، وإذا كان الرئيس الاميركي دونالد ترمب قد عاب على سلفه باراك أوباما غياب استراتيجية واضحة وفعالة في سوريا، فإن ترامب كشف عن غياب استراتيجية بعيدة المدى وقصور نظر في التعامل مع التطورات، ذلك أن الخطوط الأساسية التي يتبعها ترمب لا تزال تسير على خطى أوباما وتستكمل ما دشنه على امتداد سنوات الأزمة السورية، وتواجه إدارة ترمب تحديات أكثر صعوبة دون اتخاذ قرارات وإجراءات ضرورية.
 
لقد كشف الاتفاق الروسي- الأميركي الأخير بشأن مناطق تخفيف التصعيد في سوريا، إلى أن نهج إدارة ترمب «قصير الأمد» و»أسوأ» من إدارة أوباما حسب تشارلز ليستر، ذلك أن هذا الاتفاق يضمن استمرار الصراع وعدم الاستقرار ويدعم تنظيم القاعدة ويجعل إيران الفائز الأكبر، وقد برهنت الأيام والأسابيع الأخيرة عن زيادة نفوذ القاعدة من خلال تمدد هيئة تحرير الشام وطرد قوات المعارضة السورية المعتدلة من إدلب، وزيادة نفوذ إيران ومليشياتها في مناطف عديدة كما حدث في عرسال وحمص ودير الزور وغيرها.
 
لم يعد خافيا على أحد أن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها السياسة الجديدة لإدارة ترمب إزاء سوريا تتمثل في أن السبب الوحيد لوجود الولايات المتحدة في سوريا هو محاربة «داعش» فقط وترك نظام بشار الأسد، كما أنها باتت تقر بالنفوذ والدور الروسي الأساسي في إدارة الأزمة عبر اقتراحها بإنشاء «مناطق تخفيف التصعيد» باعتباره المسار الأفضل لضمان وتحقيق الاستقرار، وتبدو الولايات المتحدة غير قادرة على استثمار التقدم الذي أحرزته في المناطق التي تدخلت لتحريرها، والحفاظ على استقرار هذه المناطق وحماية سكانها من الجماعات المتطرفة والمليشيات وقوات النظام.
 
تبرز معركة الرقة التي تخوضها الولايات المتحدة بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية بمكوناتها الكردية الأساسية لطرد تنظيم داعش الخلل الكبير في السياسة الأميركية، والذي يتزامن مع دعم اتفاق وقف إطلاق النار بوساطة روسية في جنوب غرب سوريا من خلال تكتيكات ديبلوماسية تخفيف التصعيد، حيث تبدو هذه الآلية الاستراتيجية أكثر فائدة لروسيا من أجل ضمان إحراز الأسد انتصارا ممنهجا من خلال اعتماد تجميد انتقائي للخطوط الأمامية تفسح المجال كي تتفرغ القوات الموالية لإيران ونظام الأسد للقتال في أماكن أخرى.
 
تقوم الانتقادات الأكثر موثوقية لدى الخبراء والسياسيين ومراكز الأبحاث في الولايات المتحدة وأوروبا، على الإجماع على أن الاستراتيجية الأميركية في سوريا «قصيرة الأمد»، فتحديد أهدافها بجهود مكافحة الإرهاب عبر هزيمة تنظيم داعش يُمثل اعترافا بهزيمة الولايات المتحدة أمام روسيا وإيران، إذ لم تعد الولايات المتحدة تقود من الخلف، بل تحولت إلى مجرد المتابع فقط من الخلف، وتقتصر فعاليتها على ردود أفعال اللاعبين الآخرين.
 
يحدد تشارلز ليستر مأزق الاستراتيجية الأميركية في سوريا بأربع إشكاليات رئيسية، تقوم الإشكالية الأولى على أن الولايات المتحدة تقصر دورها على مكافحة الإرهاب، وهذا يعني استمرارها في معالجة أعراض الأزمة بطريقة غير منطقية، وفي الوقت نفسه السماح ببقاء السبب الحقيقي للأزمة؛ وهو نظام بشار الأسد، ويحذر ليستر من أنه أيا كان الشكل الذي سيكون عليه داعش مستقبلاً فإن التنظيم الإرهابي سوف يستفيد بلا شك من عدم الاستقرار المستمر في سوريا، ولكن تنظيم القاعدة سيكون الفائز الأكبر؛ إذ من خلال وجود القاعدة في سوريا، نجح أفراد التنظيم في دمج أنفسهم بعمق داخل الحركة المناهضة لنظام الأسد، ومن هذا المنطلق، سمحت الولايات المتحدة ببقاء الأسد، ومن ثم انتصار روسيا وإيران، الأمر الذي سوف يقود على الأرجح إلى صعود تنظيم القاعدة.
 
أما الإشكالية الثانية فتبرز من كون الولايات المتحدة لا تبدو مستعدة للاستثمار في جهود تحقيق الاستقرار الطويل الآمد في الأراضي التي يتم استعادتها من سيطرة داعش، وبدلاً من ذلك يتم نقل القرارات المحلية إلى شركاء الولايات المتحدة المحليين كقوات سوريا الديمقراطية التي تتألف بصورة رئيسية من وحدات حماية الشعب الكردية، والتي تتوافر على علاقة غامضة مع نظام الأسد، فهي تشاركه السلطة في بعض المناطق، وتنسق معه عسكريا في أماكن أخرى، وبهذا لا يستبعد مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية أن يقوم نظام الأسد في نهاية المطاف بإعادة ترسيخ نفوذه في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، كما أن عودة نظام الأسد إلى المناطق التي حررت من داعش يتناقض مع جميع القيم والأخلاقيات التي تدعمها الولايات المتحدة، وسوف يقود ذلك إلى تعزيز الأسباب التي أدت إلى ظهور جماعات إرهابية مثل داعش في المقام الأول.
 
تتمثل الإشكالية الثالثة في أن استعداد الولايات المتحدة لدعم المبادرة الروسية لإنشاء «مناطق تخفيف التصعيد» في سوريا يدل على توافر بعض الثقة في نوايا روسيا وقدرتها على تحقيق الهدوء، وأن الولايات المتحدة قد تجاهلت اخفاق روسيا في تأمين وقف إطلاق نار واحد محايد وهادف ودائم منذ تدخلها في سوريا قبل عامين، وربما ترغب روسيا فعلاً في تحقيق الهدوء في بعض المناطق، ولكنها تفعل ذلك من أجل تعزيز قبضة نظام الأسد فقط، ولا دليل على أن موسكو لديها النفوذ اللازم للسيطرة على سلوك الأسد وإيران. ومن المستبعد أن تكون مناطق تخفيف التصعيد الروسية آليات دائمة للاستقرار.
 
أما الإشكالية الرابعة فهي أن انتهاج الولايات المتحدة لاستراتيجية محدودة لمكافحة الإرهاب والقبول الضمني لانتصار نظام الأسد يعني أن إيران قد حققت انتصاراً إستراتيجياً كبيراً؛ فعلى مدار السنوات القليلة الماضية استغل الحرس الثوري الإيراني عدم الاستقرار من أجل إقامة شبكة كبرى ومعقدة من المليشيات الشيعية في الشرق الأوسط. واليوم قد تمارس إيران نفوذاً سافراً، إن لم يكن سيطرة فعلية، على أكثر من 230 ألفاً من المليشيات في سوريا والعراق ولبنان، من بينهم 150 ألفاً في سوريا فقط، وبهذا يتحقق الطموح الإستراتيجي الإيراني الطويل الأمد.
 
خلاصة القول أن الاستراتيجية الأميركية في سوريا تعاني من اختلالات جوهرية، فهي قصيرة الأمد ومحدودة الأهداف تقتصر على تصور انتقائي في حرب الإرهاب، ولا تقود إلى تشكيل واقع بديل عن نظام الأسد، الذي لا توجد لدى الولايات المتحدة مصلحة في تغييره بالقوة، بل أن هذه الاستراتيجية تعمل على تمكين الأسد فضلا عن سماحها بتحقيق إيران لطموحاتها الاستراتيجية بعيدة المدى، فضلا عن إقرارها بالنفوذ والدور الروسي والاعتراف بروسيا كلاعب أكبر في سوريا.