Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Aug-2020

مُعضلة الحاكمية*د. أحمد يعقوب المجدوبة

 الراي

أصبح جليّاً أن التحدّي الأكبر للعديد من الدول العربية، والسبب الكامن وراء تأخّرها، هو تحدّي الحاكمية.
 
من المحزن أننا لا نكاد نجد جمهورية عربية واحدة ناجحة بامتياز. فمعظمها يعاني، والعديد منها مصّنف على أنه فاشل.
 
ما حدث ويحدث في دول «الربيع» لهو أكبر مثال على ذلك. وهنالك أمثلة من غير دول «الربيع» تدلّل على الحالة ذاتها، ومنها لبنان: الدولة التي كانت مُبشّرة وواعدة، لا بل مثالاً يحتذى به، وصارت دولة مأزومة.
 
عدة عوامل لا شك تقف وراء ذلك.
 
منها الاستعمار الخبيث الذي قسم المنطقة العربية، بعد أن عاث فيها فساداً وخراباً لعقود وأكثر، إلى دويلات ممزقة، متنافرة ومتناحرة؛ وما زال يتدخل إلى الآن.
 
ومنها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية التي لم يتم التعامل معها بكفاءة في مرحلة الاستقلال؛ ومنها عدم نجاح التربية في خلق الحالة الحضارية المطلوبة.
 
ومنها عوامل أخرى أبسط أو أعقد.
 
بيد أن من أهم العوامل في تقديرنا الحاكمية.
 
لا يمكن تخيّل دولة تنجح وتنمو وتزدهر دون أن تُبنى على نظام حاكمية رصين يحقق درجة مقبولة من العدالة لكل المكوّنات والشرائح المعنية، الأمر الذي لا نجده في أي من الجمهوريات موضع الحديث.
 
فمعظم تلك الجمهوريات شهدت، في مرحلة الاستقلال وما بعده، إما أنظمة شمولية فرضت نفسها عليها بالقوة، أو أنظمة تقاسمتها مكونات ذات نفوذ تشكلت على أسس عائلية أو إثنية أو مذهبية جعلت مصالحها وليس مصالح شعوبها الاعتبار الأهم في تفاهماتها وتصريفها للأمور.
 
لم تُطوّر تلك الدول أي نظام حاكمية ناجح وفاعل وعادل يضع مصلحة الشعب ومصلحة الدول فوق كل اعتبار.
 
وعندما انتفضت الشعوب بدءاً من مطلع عام 2011 وطالبت بتغيير تلك «الأنظمة» ورحيلها، لم تتم بلورة أنظمة بديلة ناجحة وناجعة، فعمت الفوضى وتعاظم عدد المتدخلين واللاعبين فحصل الخراب والدمار.
 
أما «الأنظمة» التي بقيت تدير البلاد على أسس العوائل والمحاصصة الفئوية فأخذت دولها تسير من فشل إلى فشل.
 
المطلوب لإنقاذ تلك الدول إذاً هو بلورة أنظمة حاكمية صحيّة وصحيحة، ناجحة وناجعة، تقوم على إعلاء مصلحة الشعب والدولة وإدارة الاختلاف والتنوع بحرفية ويتم التمثيل فيها على أسس العدل والمساواة ووفق آليات مُحكمة مُؤسسة على قوانين تسمو على كل المصالح الفردية والفئوية إحقاقاً للحق وإنصافاً للناس.
 
اصطلاحاً، نقول بأن صيغة النظام المطلوبة هي الصيغة الديمقراطية المناسبة؛ فللديمقراطية صيغ ونماذج متعددة لا بد للدول المعنية من اختيار الصيغة التي تُناسبها.
 
لكن حتى لو بلورت الدول صيغاً أخرى غير الديمقراطية، تقوم على العدل والمساواة واحترام الحقوق، فلا بأس؛ ذلك أن النظم الديمقراطية ليست مقدسة ولا مُنزلة.
 
أمران يؤرقان العرب اليوم، إداراة العلاقات العربية-العربية بما يخدم مصالح العرب، وإدارة العديد من الدول لذاتها بما يخدم مصالح شعوبها.
 
بالنسبة للشق الأخير، لا بد من تطوير نظام حاكمية مناسب حتى تخرج الدول المأزومة من عنق الزجاجة، ولا تكون عرضة لمزيد من الإخفاق والفشل أو التدخلات الخارجية المؤذية في أمورها.