Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Dec-2017

توجيهي.. ناجح وهو راسب وراسب وهو ناجح!! - صبحي عساف الحجاوي

الراي -  التوجيهي الذي نُعدّ أبناءنا للتقدم لامتحاناته في نهاية المرحلة الثانوية، والذي تناوله العديد من المختصين بالبحث المعمق من خلال الاجتماعات والندوات والمحاضرات والكتابات والأبحاث على مدى نصف العقد الأخير، وكل ذلك كان الهدف منه الأخذ بأيدي الطلبة منذ بداية توجههم إلى الحضانات ثم المدارس وإنقاذهم من حالة الضعف والتردي الذي تعاني منه الغالبية العظمى منهم، بدليل نسب النجاح المتدنية في امتحانات التوجيهي، حيث هبطت هذه النسب على مدى العقدين أو الثلاثة الأخيرة لتصل إلى 40 %أو أقل في بعض فروع التوجيهي وفي العديد من السنوات بعد أن كانت تتعدى 70 %قبل ذلك، وعمّت الكارثة العديد من المدارس التي لم ينجح منها أحد!

 
بدأت وزارة التربية والتعليم تتحسس الجرح والجسد المنهك كي تشخص عوامل وأسباب الخلل، وفعلاً قد اهتدت إلى الأسباب والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
- المعلمون الذين تخرجوا في الجامعات أو كليات المجتمع نسبة كبيرة منهم من طلبة التوجيهي الذي لم تنقذهم دراستهم الجامعية من حالة الضعف التي هم فيها، ولابد من إعدادهم وتأهيلهم قبل التعيين، وبدأت الخطوات العملية في ذلك من خلال أكاديمية الملكة رانيا العبداالله لتأهيل المعلمين قبل الخدمة، والتي كان لجلالتها اليد الطولى في تأسيسها.
- أن أي خريج جامعي يرغب في التعيين عليه أن يخضع لامتحان معين قبل التعيين وأن يلتحق بالكلية لينال التأهيل قبل الخدمة.
- ومن تحسس وتحري أسباب الضعف اتجهت الوزارة للصف الثالث الأساسي الذي يفترض أن يكون الطالب في نهايته قد أتقن المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والإملاء في اللغة العربية ومهارات الحساب الأساسية، فوجدت الوزارة في العينة التي تعرضت للتقييم أن ما يزيد عن مئة ألف من طلبة الصف الثالث هم شبه أميين لا يتقنون المهارات الأساسية في اللغة الأم وفي الحساب. هذا الاكتشاف جعل الوزارة بكافة أجهزتها تتوجه وتركز على الصفوف الثلاثة الأولى بتوجيه معلمين مؤهلين ونالوا الإعداد اللازم لتولي التدريس فيها باعتبارها أساس البنيان التربوي التعليمي الذي نطمح جميعاً لتحسينه ورفع مستواه.
 
وفي الخطط المنتظرة أن هنالك توجيهاً لإخضاع طلبة الثالث الإعدادي لمثل هذا القياس، وليت هذا التوجه يجعل الوزارة تفكر بإعادة العمل بامتحان الشهادة الإعدادية لتنتقل منه النخبة الناجحة إلى المرحلة الثانوية، فترتاح الوزارة وطواقم إدارييها ومعلميها في التعامل مع هذه الفئة التي خضعت لخطط التحسين كاملة والتقييم في نهاية المرحلة الأساسية في الثالث الإعدادي. وإن حصل ذلك فإنه يلزم إعادة الصف (العاشر) إلى المرحلة الثانوية لتعود ثلاثة صفوف كما كانت.
 
- توجهت الوزارة لدراسة وتقييم الكتب المقررة لتكتشف أن غالبية الكتب ليست في المستوى المطلوب ولا تحقق الأهداف التعليمية لأسباب منها عقم المحتوى، الحشو الزائد، الكم الهائل في محتوى الكتب الذي لا يمكن إنجازه في سنة دراسية، وما إلى ذلك من الأسباب التي جعلت الكتب تلزمها المراجعة وإعادة التأليف. ثم توصلت الوزارة بعد ذلك وبعد المداولات إلى تأسيس المجلس الأعلى للمناهج والكتب المدرسية الذي سيتولى مهمة تحديد المناهج وتأليف الكتب بكافة الصفوف.
 
- ضعف الإرشاد النفسي والتربوي في المدارس ولاسيما في المراحل الدنيا من المرحلة الأساسية، مما أسهم في وجود سلوكات شاذة لدى العديد من الطلبة وإلى تدنٍّ في تحصيلهم الدراسي، ولذا أكدت الوزارة على أن الإرشاد مسألة تحتاج المزيد من الاهتمام والتركيز عليها.
 
- الأبنية المدرسية التي تبين أن العديد منها وفي مختلف مناطق المملكة متهالكة وآيلة للسقوط، والمكونات الأساسية فيها التي هي مقومات المباني المدرسية غير متوفرة كما يجب، مثل الساحات والحدائق والشبابيك والأبواب ودورات المياه والمختبرات والمكتبات والأثاث والدهان الذي عفا عليه الزمن، والتدفئة والإنارة..... وعدّد ولا حرج.
 
- اللامبالاة التي نجدها لدى العديد من المعلمين لأسباب منها: اقتصادية، اجتماعية، ضعف التأهيل، تحاشي الحزم مع الطلبة خشية الرد العنيف، عدم تعاون أولياء الأمور ولامبالاة الكثير منهم في متابعة أحوال أبنائهم في مدارسهم (وهذا مختلف عما هو سائد في مدارس القطاع الخاص).
 
- عدم التحري الأمين في اختيار المديرين الأكفياء للمدارس، وتدخل المحسوبيات في هذا المجال، فالمدير هو القائد التربوي الأول في مدرسته، وهذه حقيقة نلمسها في المدارس التي تعتبر نموذجية بفضل وجود مديرين متميزين فيها.
 
- تدهور الأوضاع المعيشية وسوء الوضع الاقتصادي في المجتمع، وهذه مسألة يعرفها الجميع وتنعكس على العديد من الأسر وأبنائها الدارسين.
 
بعد أن عُرف الداء راحت وزارة التربية والتعليم تحدد الدواء وطرق العلاج، وتعاونت معها الدولة بكل أجهزتها وبتوجيه واهتمام من جلالة الملك وجلالة الملكة، مجلس الوزراء، مجلس الأمة، المهتمين والتربويين ممن هم في الميدان أو من المتقاعدين الذين عاشوا هموم التربية والتعليم وعاصروا العهود الزاهرة منها، وغدت الوزارة وكأنها خلية نحل، الكل يعمل، فلامجال للتلكؤ أو الانتظار، ولا بدّ من النهوض بالجيل الناشيء ووضعه على الطريق الصحيح، كي نضمن المخرجات التي يصبو إليها الوطن، والتي بدأت بواكير الإبداع تظهر من طلبة يضع أحدهم نظريات جديدة في الرياضيات أو العلوم، وأخرون يقومون باختراع أجهزة وتسجل اختراعاتهم لدى الجهات المختصة، وينتظرون من يتبنى هذه الاختراعات وفي المجالين الوطني والعالمي، وكم من أبنائنا الطلبة شاركوا في مسابقات على مستوى العالم وأحرزوا المراكز الأولى فيما أبدعوه من اختراعات أو نظريات علمية متعددة.
 
هذه كلها بشائر خير أوجدتها الجهود الحثيثة لمعلميهم الذين أخذوا بأيدي أبنائهم الطلبة لنرى في الوطن الثمر الطيب للغرس الصالح.
 
وعليه، فإن الوزارة يجب أن تضع مقاييس ومعايير عالية القيمة وعلى الطلبة أن يحسّنوا قدراتهم ويرتفعوا إلى مستوى هذه المعايير، لا أن تنزل الوزارة إلى المستويات المتدنية التي هم عندها أو دونها لكي نضمن مستويات متقدمة للناجحين في التوجيهي الذين يفترض أن ينتقلوا للجامعات ليكونوا فيما بعد هم من يتولى الأمانة في تدريس الطلبة في المدارس وفي مختلف المراحل، وهكذا دواليك. إن وزارة التربية والتعليم، وانطلاقاً من الإيمان بثقل الأمانة، تزيل العقبات وتمهد الطريق وعلى الطلبة أن يسلكوه بكل جدية واهتمام إن أرادوا الخير لأنفسهم، أما من يأبى منهم فإنه يحمل وزر خطاياه ويجني ثمار ما زرع!
 
ولا بد من وقفة ودعوة للمراجعة في بعض الجوانب على طريق العملية التربوية الجادة والشاملة:
- مادام الإصلاح الشامل قد بدأ، وأن التشاور بين الوزارتين، التربية والتعليم والتعليم العالي قد حصل، وأن أفكاراً قد أعلنت بأن علامات النجاح في المباحث التي يتقدم فيها طلبة التوجيهي للنجاح هي 50 %لكل مبحث، ولكن المفاجأة كانت أن وزارة التربية والتعليم قررت أن 40 %هي علامة النجاح. أعتقد أن هذا القرار هو في صالح الطلبة الضعاف الذين ازدهرت الآمال مع كل خطوات الإصلاح الشامل أن يسايروا ركب الإصلاح لا أن يبقوا في مواقعهم المتأخرة إن أرجعنا علامات النجاح إلى 40 %بدلاً من 50 %في الوقت الذي لمسنا فيه التحسن في نسبة النجاح في الدورة الصيفية الأخيرة للتوجيهي حين تجاوزت الـ50 ،%وهذه النسبة، ومع استمرار الجدية في الإصلاح والتطوير التربوي يفترض أن ترتفع لمستويات أفضل. فهل نكرم ضعاف الطلبة بأن ننزل إلى مستوى تحصيلهم ونقول لهم: (تكرموا،
علامة النجاح 40 %وليست 50%؟!).
 
- ألم يكن الرد المباشر من وزارة التعليم العالي بالرفض حين أعلن وزيرها أنه لن يقبل أي طالب توجيهي اعتبر ناجحاً إن كان معدل علامته في أي مبحث يقل عن 50 ،%وأن وزير التعليم العالي سيوصي برفع معدلات القبول في الجامعات الرسمية إلى 70 %؟!.
 
- وبعد مضي سنة دراسية، كما علمنا ستصبح المباحث التي سيتقدم لها الطلبة في امتحان التوجيهي سبعة مباحث، وقد يكون هنالك مبحثان ليسا أساسيين، هذان المبحثان لو اعتبرت علامة النجاح لكل منهما 40 %يكون الوضع طبيعياً لأنهما لن يدخلا في مجموع علامات الطلبة الناجحين، وبذا لن يؤثرا على معدلاتهم وانتقالهم للدراسة في الجامعات الرسمية أو الخاصة.
 
- مسألة أخرى بحاجة لإعادة النظر فيها، وهي أن يذكر للناجح في النتيجة أنه ناجح، أما المبحث الذي لم يحصل فيه علامة النجاح فيذكر أمامه راسب أو غير مستكمل، إظهاراً لحقيقة واضحة وضوح الشمس، ليس فيها تغيير أو تجنّ من خلال علامات الطلبة التي حصلوها.
 
- لسنا بحاجة لأن يرتفع الهمس بأن القرار في يد المسؤول الأول في وزارة التربية والتعليم!
إن الأمل في وزارة التربية والتعليم التي تعمل طواقمها بمسؤولية مؤكدة وجلد ومثابرة، بقيادة وزيرها المثابر والذي يمارس مهامه بعقلية علمية وبروية ووعي تام، أن يتم التوقف وإعادة النظر في هاتين المسألتين الأساسيتين: فالعرف السائد أن من يحصل على أقل من 50 %في أي امتحان لدى أي جهة تعقده اعتبر راسباً، فكيف نعتبره ناجحاً؟!
المسألة الثانية هي الاعتراف الخطي للناجح وعلى أوراقه التي تتضمن علاماته أن تثبت له الوزارة عليها كلمة ناجح، وكذلك أمام المجموع العام أو في خانة خاصة، وذلك إقرار لحقيقة، في الوقت الذي هو تكريم ورفع معنويات للناجحين. ألسنا، إن لم نعترف بأنهم ناجحون صاروا أشبه بالراسبين؟!
بوركت الجهود المخلصة في تربية النشء وتعليمهم الذين سيكونون ورثة في حمل الأمانة في وطنهم الغالي، وصدق االله العظيم
القائل في كتابه العزيز:
«إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً».
subhiassaf@gmail.com
* تربوي