Tuesday 23rd of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Nov-2017

المغربي محمد بنيس و«الحداثة المعطوبة» - يوسف عبدالله محمود

 الراي - محمد بنيس كاتب مغربي مرموق، يقلقه الواقع الثقافي العربي، يقلقه هيمنة «السلطة» على المثقف العربي، فهو إما أن يخضع لجبروتها متنازلاً عن قناعاته وقيمه الانسانية التي يبشر بها او يموت جوعاً، او يهيم على وجهه طريداً في المنافي.

يسخر محمد بنيس من «حداثة معطوبة» –كما سماها- تتفاخر بها بعض المؤسسات السياسية في
البلدان العربية زاعمة انها وفرتها للمثقفين في مجتمعاتها، بينما الواقع خلاف ذلك.
في كتابه «الحداثة المعطوبة» الصادر عن دار طوبقال بالمغرب ينعى هذا الكاتب حداثة معطوبة يتم التفاخر بها عربياً، يدلع لها لسانه ساخراً!
يقول محمد بنيس وبمرارة: «ما يسود في هذا الزمن هو انتصار اللامعرفة لدى المنتسبين الى «الحداثة». انتصار يتحول الى سخرية من المعرفة باسم ما بعد الحداثة حيناً، وباسم التملص من المعرفة حيناً، تلك المعرفة التي افسدت الحداثة في زعم هؤلاء». كأني به يقول حداثتنا بلا «دسم»!
وفي مقارنة بين نخب المثقفين العرب من العشرينات حتى السبعينات من القرن الماضي يقول: «فالتكوين المعرفي الذي اقبلت عليه النخبة الحديثة من العشرينات حتى السبعينات يقابله جفاء ممزوج بالمقت لدى اللاحقين». المرجع السابق ص 24. يتساءل «كيف يمكن الاستمرار في الدفاع عن الحداثة في مجتمع العنف الثقافي كهذا الذي يتحكم ببطش في حياتنا الثقافية؟ ثم يعترف وبمرارة أيضاً «ان الحرية والمعرفة لم تكونا عنصرين مُضافين الى الحداثة». عن اي حداثة اذن نتحدث؟
يأخذ بنيس على المجتمعات العربية تمسكها بِ»التقليد». انه «تقليد يتسع بقدر ما ينسحب الوعي النقدي في الفكر والابداع معاً.
وبانسحاب الوعي النقدي تبطل المعرفة». بدوري اقول: وتسود اللاعقلانية.
وبجرأة اكثر يقول « تقليد كان اهتدى بقراءة دينية وقومية تبسيطية، تتخلى عن المعرفي الذي ينقل الرؤية من مكان الدلالة الواحدة الى مكان الدلالة المتعددة». ص 74 .انها التبسيطية التي تسطح الوعي وتستخف بالابداع.
يُفرغ الكاتب المد الاصولي الذي يكتسح المجتمعات العربية محارباً اي تحديث «نحن الآن مع تصاعد الخطاب الأصولي نجد انفسنا في شبه فضاء يتيم».
كل الاسئلة متهمة بكونها غربية، او هي مُنبتة عن اصولها في ألطف التعابير. اسئلة «الحداثة» باتت مُدانة ومتهمة. ص 74. وفي نقد مرير منه للمؤسسة السياسية العربية يقول «ان المؤسسة السياسية العربية اختارت إبعاد الثقافة؛ كبتها خارج عتبات البيت».
«ايقافها، اتهامها بالكفر، بالزندقة، بالتآمر على المقدسات، بتخريب الأمة، بالاباحية، بالغزو الفكري، بالشعوبية». ما ابعد هذه الاتهامات عن الواقع! ص 103.
وفي نقد مشروع للمثقفين الذين يُبدلون جلودهم من حين لآخر طلباً للوجاهة والمنصب، فمن معارضين في السابق الى منخرطين في ركاب السلطة السياسية، يقول: «ها نحن نحسّ بافتقادنا لشريحة من المثقفين كان لها كلمة الرفض في الماضي، فإذا هي اليوم تُبرر وتدافع عما لم تكن تؤمن به، او ما يتعارض مع الاساسيات التي استندت اليها في فعلها الثقافي الاول». المرجع السابق ص 105 .إنه «التماهي» مع المؤسسة السياسية كسباً للمنافع الشخصية.
وهكذا، وبدلاً من الدفاع عن «الوطن» اصبح الدفاع عن مؤسسة السلطة، تبرير بلا حدود لكل تصرفاتها. في مثل هذا الظرف الشاذ يغيب «الوعي النقدي»، ويغدو «الدجل» هو سيد الموقف. اما المثقفون الشرفاء فيصفهم بأنهم «حكماء خارج القاعة» ص 109. والمحزن ان التحريض على هؤلاء «الحكماء» مستمر من قبل المثقفين المنافقين! يجلدونهم دون رحمة!
يَأس محمد بنيس على «الوعي النقدي» الذي «اصبح منعزلاً ووحيداً في شوارع وساحات تضج بما يريده الزمن من الثقافة» ص 147 .انه زمن «الانبطاح».
وهنا نراه يستحضر قامتين شامختين هما نصر حامد ابو زيد وادوارد سعيد، فوعيهما النقدي جعلهما يدفعان الثمن غالياً. هذان الرمزان الكبيران اللذان اخلصا لمبادئ التحديث في العالم العربي، انهال عليهما النقد والتجريح. الأول لانه اعاد قراءة النص الديني بانفتاح واستنارة، فكان ان تم تكفيره واهدر دمه مما اضطره للسفر خارج وطنه مصر خشية الاغتيال.
والثاني مُنعت اعماله التي تناولت بالنقد مفاوضات اوسلو من دخول فلسطين بحجة سياسية.
وبعد، الا تُعد حداثتنا العربية –وكما وصفها هذا الكاتب- «حداثة معطوبة» اي غير حقيقية لانها لا تستوعب قيم الحداثة بمعناها الانساني؟ الا تُعد حداثة «مُشوهة»؟
مثقفونا في غالبيتهم «لا يجدون غضاضة في الخضوع للسلطة بتعدد تسمياتها الدينية والسياسية ما دامت السلطة الاقتصادية لم تتشكل بعد علاقتها بالحقل الثقافي» انه غياب بالقهر في الغالب.
ثمة الغام في الطريق تحول دون «الحرية» التي توفر لِ»الابداع» الاجواء المواتية. ثمة استبداد «لا يشيخ» ليغتال الفكر المبدع. يُطارد المطالبين بحياة انسانية يتساوى فيها الجميع، لم نتحرر تماماً من فلك الممنوع بعد! زمننا العربي الراهن لا يعبأ بِ»الحكمة»، «الحكماء» في زمننا هذا تُصادر اعماله الابداعية، تُشن عليهم الحملات الظالمة مطالبة بالقصاص منهم! منهم من في المنافي.
دعونا –يا قوم- لا نبالغ في «التمركز حول الذات العربية الفخورة بأمجادها». دعونا نبدع كما ابدع صانعو هذه الامجاد. فلننظر الى انفسنا في «المرآة».
«السؤال النقدي» يتجنب الكثيرون منا طرحه على انفسهم، يخشون طرحه، هناك من يترصدهم إن طرحوه، مشروع التحديث الثقافي الذي تم مرة التبشير به ولى واندثر! تكفير شرفاء الكلمة ما زال سائداً! ما اقسى ان تكفر شريفاً! فتاوى المفتين لا حصر لها في زمننا الرديء!