Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    02-Sep-2022

الأنا والطبيعة والفلسفة ومفردات أخرى في ديوان باسمة غنيم

 الدستور-الناقد محمد رمضان الجبور

 
بين أيدينا ديوان الشاعرة المجيدة «باسمة غنيم»، وهو ديوان يحمل إبداعاً متميزاً ومغايراً في الشكل والبناء، وهذا ليس بغريب على شاعرة تسلحت بأدوات التعبير والبلاغة، فراح قلمها يسطر الجميل من الدرر، والأنيق من الصور الشعرية، فاختارت له عنواناً يناسب فلسفتها وحبها للطبيعة والحياة «شجرة تحضن ظلي».
 
فمنذ العتبة الأولى للديوان نرى أن الشاعرة تميل إلى محاكاة الطبيعة والحياة، فأي شجرة أرادت الشاعرة لتحضن ظلها وتبوح لها بأسرار سعادتها وبؤسها، لا شك أنها تلك المقطوعات التي نثرتها مُعبرةً عن حبها للطبيعة والحياة، والأم والوطن، والسعادة والنفس ومفردات أخرى.
 
الديوان صادر عن دار الآن ناشرون، وقد جاء في مائة وسبع وسبعون صفحة، وقد زيّن غلافه لوحة للفنان أحمد الشهابي من العراق الشقيق، وأغفلت الشاعرة العنوانات الداخلية الفرعية، فجاء الديوان كقطعة واحدة يفصل بين النص والآخر نجوم صغيرة لا تُشعر المتلقي أحياناً بانتهاء النص.
 
الأنا:
 
الأنا والآخر ظاهرة أدبية تم توظيفها في الشعر العربي قديمه وحديثه، وشغلت بحضورها جمهور النقّاد، ولن نقف عند تعريف الأنا والآخر، فهذا ليس مدار حديثنا، بل سوف نلجُ إلى أعماق ديوان الشاعرة، حيث استهلت الشاعرة ديوانها بجملةٍ اسمية تبدأ بـ( الأنا ) المعتزة والمُعرّفة فقالت:
 
أنا الباسمة/المتوجسة من النور/أحبسُني في سلالٍ أحوكها بتعاليم الطريق/أحيلُ أيامي آهاتٍ من حرير/وأجعل من شياطيني تعويذة/أنا مفاتيح شموسها/رياحها/وطيرها/ونذور خلاصي/أنا نبية يقيني/في كل ملهاة الحياة «/الديوان ص 9
 
فمفردة الباسمة في جملة ( أنا الباسمة ) تعبر عن أحدى المحسنات البديعية ( التورية )، فمفردة الباسمة لها مدلولان، فالشاعرة تريد أن تصف نفسها بالابتسام، وهذا المعنى الواضح والقريب، والذي قد يتبادر إلى الذهن سريعاً، ولكن الشاعرة تُضمر معنى مخفي هو الذي تريده وهو اسمها الحقيقي ( باسمة )، الأنا هنا تُعرّف بنفسها فهي المتوجسة من النور، وهي التي تجعل من شياطينها تعويذة، ثم تظهر الأنا المعتزة والتي تُعرّف بالشاعرة مرة أخرى، فالشاعرة تعتز وتثق بنفسها، وتقول بأن لا أحد يستطيع أن يسلب منها أناها « لا شيء يسلب منّي أناي/إذا ما تنزّلت عليّ/بعض آيات الوصال «.
 
الطبيعة والحياة وما يمت إليها من المفردات التي تؤرق فكر الشاعرة، تظهر في الديوان بوضوح، حتى في القطع التي اقتربت من الحبّ والغزل نرى الشاعرة تميل إلى الطبيعة أو أشياء منها، وهي تشبه نفسها بأنها هي الحياة، وتتمنى لو تفتح باب قلبها لتهدي للكون نبضاً يزهر بورده....» أود/لو أفتحُ بلا رتابةٍ باب قلبي/أهدي للكون نبضاً يزهر بورده/سماؤه/واسعة زرقاء/وعيون أطفاله البريئة/حرةٌ ومشاكسة/وأقول/أنا الحياةُ/سحقاً لمن داس على عشبٍ/لم يرَ ظلي الفاتن عليه..../» ( الديوان ص 12)
 
في نصوص الشاعرة نرى علاقة الأنا بالحياة، وبكل ما له صلة بها، معظم نصوص الديوان تؤكد أن الشاعرة دائمة البحث عن الحياة والطبيعة بكل مكوناتها وكائناتها، فهي كالطائر ليس لها فضاء محدد، رمزاً إلى الحرية والانطلاق:
 
« أنا الطائر الأزرق/ليس لوحدتي رفيق/ليس لفضائي حدود/إذا ما غفوت في العراء الفسيح/هدهدني غصنٌ/وظلّ/ووردة لا تغير لونها/وزقزقة من بعيد «. ( الديوان ص 52)
 
تعالج الشاعرة في ديوانها الكثير من القضايا التي تهم الطبيعة والإنسان والوطن والحرية حتى بدا ديوانها حديقة وارفة الظّلال، فيها من كل لونٍ زهرة، ولكل زهرة رائحة تفوح منها وتجذب المارين بها، فمنحت للمتلقي فسحةً من الإيحاء العميق والتأمل، وظلّت الشاعرة تبحث عن أناها بين دفتي ديوانها، متقمصة دور الأنثى الحائرة، باحثةً عن الحق والأمل، رافضة لكل أنواع الجهل والخداع، فوظفت في ديوانها الكثير من أنواع الأنا، وهي تظهر في الديوان بأشكالٍ عدّة، فكثيراً ما تأتي واضحة صريحة ظاهرة للعيان، وأحياناً مستترة، وأخرى ينوب عنها بياء المتكلم، ومن أشكالها وأنواعها: الأنا المحبة التي تتميز بالصبر والحب ولا تبالي بالشقاء والتعب فهي تُضحي من أجل الآخرين فالحب الحقيقي يكون بالتضحية، الأنا المتأملة، والأنا المتألمة التي يحاصرها الألم وتظلّ تجاهد النفس للتخلص من منها، وقد يكون حبّ الطبيعة والبوح للأشياء التي حولها أحدى الوسائل للتخلص من تلك الطاقة السلبية المخزونة في الأنا.
 
« إنه البحر/يرأفُ بأمواجه كلما عاودها الحنين/للشاطئ لتحضنها كفوف الأرض/إنه الثلج/يبارك هطولَه من سماء وادعة/إناه أنا/من أوحت لك بأنني شجرةٌ/وعصافيري كلَّ صباح تقف على نافذتك «. الديوان ص 114.
 
البعد الفلسفي:
 
عندما تكون التجربة الشعرية عند الشاعرة باسمة غنيم تجربة إبداعية وتأملية وفيها نَفَس الشاعرة الفلسفي فإنها تُعرّف الشعر قائلةً:
 
« الشعر/وحي يوحى إلينا/وحكايات تتجلّى/فيلم منسيّ/وطفولة ضائعة/حبٌّ لا ييأس/وعشق إلهي/حلم ينازعه الآتي فلا يأتي/الشعر/الذي نكتبه/هو يخطنا بملء إرادتنا/حين تنصاع أروحنا لمشيئة الورق/» الديوان ص 60
 
ففي هذا النص وفي نصوص كثيرة نثرتها الشاعرة في ديوانها نلمس الحس الفلسفي، وكثيراً من الموضوعات التي تعالجها الشاعر بأسلوب فلسفي عميق، فتوظف الكثير من الأسئلة الفلسفية لعرض رؤيتها الشعرية، باحثةً عن الحقيقة والوطن والأمن والموت والإنسان، فالشاعرة تبحث عن نوافذ تتنفس منها هواء الحرية والانطلاق، وتبث من خلالها همومها وشكواها، فهي دائمة التطلع إلى الكون والحياة والطبيعة، تريد أن تسبر أغوارها متسلحة بالتأمل العميق للوصول إلى غاية السمو.
 
الوطن:
 
تحضر تيمة الوطن في ديوان الشاعرة باسمة غنيم، بشكلٍ لافت وقوي ومهيمن، وتظهر الأنا المحبة للوطن، وتتغنى الشاعرة بالوطن في مقطوعات عديدة من الديوان، فتذكر فلسطين والقدس والمخيم، فبعد الشاعرة عن وطنها ولّد عندها الخوف والقلق والأمل والحب والأحلام....مفردات كثيرة وظفتها الشاعرة في حبّ الوطن وفي الغربة التي تعيشها بعيداً عن الوطن، فتأتي تلك المقطوعات التي تحاكي بها الوطن كاشفة عن حس وطني غني وعميق:
 
« الوطن/انتفاضة روح/وإصبع مرفوع/الوطن ترابٌ وحق/وطفلٌ لا يجوع/لا يتنازع عليه شعبه/في وقتٍ يكون الظلم فيه/قابعاً بين الضلوع/نحن حكايات فيه نذوب/على عتبات لا تلوي عنق الحلم/وتصرخ في اليأس/هيهات منّا الخنوع.» الديوان ص 164
 
ويظلّ المخيم قضية من قضايا الوطن، فالمخيم مفردة تحمل دلالات عدّة، الفقر، الجوع، التشرد، القهر، الحرمان، أبسط مقومات الحياة، فما زالت مفردة المخيم تتردد على ألسنة الشعراء عندما تحضر تيمة الوطن، وشاعرتنا كما كتبت للوطن كتبت للمخيم:
 
المخيم/لا يبرأ من اسمه/لا يطعن في السن/لا يتعبه التسلّق إذا ما ابتزه الماضي/ينام بلا اتكاء على أي كف/فما زال الجرحُ ينكأ به...والثقة عرجاء/المخيم وليد اللجوء/لطفلٍ/وليلٍ/وعيونٍ/وضحكاتٍ/وعجوزٍ يملأ قلبَ أحفاده بالوطن.» الديوان ص165