Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Oct-2017

إيران وهستيريا العقوبات* سوسن مهنا
العربية نت - 
تعاملت الولايات المتحدة الاميركية لفترة طويلة مع البرامج النووية في منطقة الخليج والشرق الاوسط كمعادلة استراتيجية، بمعنى انها لا تشكل تهديدا عسكريا مباشرا عليها ولكن قد تخفض من نفوذها وسطوتها في المنطقة كدولة محورية عالميا.
 
هذا ما دفعها في الدرجة الاولى لاحتلال العراق، وهذا ما دفع سلاح الجو الاسرائيلي عام 1981 للقيام بغارة استهدفت مفاعل "تموز1" النووي العراقي ما عرف وقتها بعملية "أوبرا"،حيث دمر المفاعل تدميرا كاملا في اول هجوم على منشأة نووية في العالم. كما العراق، كذلك ليبيا حيث قامت بالتخلي عن برنامجها النووي بعد سلسلة من الضغوطات الدولية عليها، وكان ذلك في عهد الرئيس الاميركي جورج بوش في كانون الاول عام 2004.
وهذا ما دفع ايضاً الرئيس الإيراني السابق أكبر هاشمي رفسنجاني في أب 2005 الى القول "إن بلاده لا يمكن معاملتها مثل العراق أو ليبيا". وأن قرار إيران باستئناف برنامجها النووي غير قابل للإلغاء"، وذلك اثر مطالبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لبلده بتعليق نشاطاتها النووية آنذاك.
تحولت سياسة الولايات المتحدة مع الرئيس السابق باراك اوباما، حيث كانت له رؤية مختلفة في التعامل مع الدول وسياسة اميركا الخارجية، بالنسبة له أن قوة أميركا تنبع من تماسكها ونموها الداخلي وليس من علاقاتها الدولية وسطوتها الخارجية، ويمكن القول ان ولايته قد اطاحت بالكثير من الجهود الجبارة التي قامت بها الولايات المتحدة عبر عقود لتكريس نفسها كدولة عظمى.
جاء الاتفاق النووي الايراني بناءً لجهود اوباما الحثيثة، وجهوده تلك هي التي اعادت ايران الى الحظيرة الدولية، وهو الذي سمح لها وعلى امتداد ثماني سنوات ان تبسط نفوذها كدولة قوية في المنطقة من الصعب اقتلاعها لسنوات عدة.
استطاعت ايران وبدهائها ان تحقق انتصارا موصوفا بانتزاعها الاتفاق النووي، لكن هل حافظت ايران على انتصارها، وهل يستحق قرار الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب عدم التصديق على أن إيران ملتزمة بالاتفاق النووي كل هذا التهليل؟
ما كان يوجع ايران بالمبدأ هو العقوبات الاقتصادية، اذ بلغت خسائرها قبل عام 2012 160 مليار دولار من عائدات النفط، ومع رفع تلك العقوبات يمكن لطهران الوصول إلى أكثر من 100 مليار دولار من الأصول المجمدة بالخارج.
رفعت العقوبات وافرجت الولايات المتحدة عن المليارات المجمدة ولكن الاموال المفرج عنها لم تذهب لتحسين الاوضاع الاقتصادية للمواطن الايراني، بل الى تمويل اهداف ايران وهي اكمال برنامجها النووي بالتوازي مع سياستها التوسعية في المنطقة، واحتلال ما تبقى من عواصم عربية لاكمال خريطة هلالها الشيعي.
اخطأ الاوروبيون والاميركيون عندما وثقوا بإيران، ذلك ان منهجيتها قائمة على السياسة التوسعية، ولا يمكن فصل السياسة النووية الايرانية عن مخططها الاستراتيجي، هدف الثورة الاسلامية الايرانية ومنذ قيامها عام 1979 كانت محددة تجاه المنطقة التخريب، بذر الفتن، نشر الارهاب والفوضى لاحكام السيطرة عليها.
لذا هي بحاجة للوفر المادي كي يذهب للحرس الثوري شريان النظام الحيوي، واذرعها في المنطقة من حزب الله في لبنان، الحشد الشعبي في العراق، انصار الله الحوثيين في اليمن، وما تراه مناسبا لمخططاتها من مؤسسات وانظمة في الاقليم.
جاء قرار الرئيس الاميركي ترامب، ولكن هذا القرار لا يكفي لقطع اذرع الاخطبوط الايراني، لا يزال لايران هوامش كثيرة للتحرك:
اولا ان الحرس الثوري وعلى لسان وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون لن يصنف منظمة ارهابية: "ترمب سيفرض عقوبات محددة الأهداف على مسؤولين من الحرس الثوري الإيراني، إلا أنه لن يصنفه منظمة إرهابية".
ثانياً يمكن لايران الاتكال على الاعضاء الآخرون في مجموعة الدول 5+1 وهذا ما حصل فعلاً وفي بيان مشترك صادر عن رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون افادوا: "ما زلنا ملتزمين بالاتفاق وتطبيقه الكامل من قبل جميع الأطراف"، وهذا يدل على ان الاتفاقات الاقتصادية الاوروبية لا زالت سارية المفعول، كما ان أوروبا تعالج مشاكلها الداخلية وهي بغنى الان عن مشاكل اضافية مع طهران.
ثالثا النظام الايراني وعلى الصعيد الداخلي لا يزال قويا وهو يحكم السيطرة على مؤسساته ويأتي في هذا الاطار تعليق قائد "الحرس الثوري" محمد علي جعفري في رده على قرار ترامب الاخير ، إلى أن "يكون واثقاً من أن الحرس الثوري والحكومة ووزارة الخارجية في إيران موحّدون" و "نحن على وفاق تام"، ويكفي التذكير كيف قمعت ثورة "التحرك الاخضر" عام 2009 بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية اثر اعتراض متظاهرين على فوز احمدي نجاد انذاك وكان يتزعم المظاهرات مير حسين موسوي زعيم المعارضة، حيث قام النظام بسجن موسوي في بيته من 2009 وهو لا يزال يعيش تحت الإقامة الجبرية حتى الان، بكلام آخر اذا ما اعيد تفعيل العقوبات يستطيع "نظام الملالي" ان يصمد لسنين طويلة.
مع ذلك، يأتي قرار دونالد ترامب في مرحلة خطيرة وصعبة من تاريخ المنطقة ومن المواجهة مع ايران، وقد يكون ترامب جاد وحازم في قراره، لكن الادارات الاميركية تتبدل وتتغير، وايران ثابتة ولا تتحول عن اهدافها، يجب خلق قوة عربية توازيها قوة استراتيجيا وعسكريا كي تستطيع قطع اياديها، اي التحرك بخط موازِ لتحركها واسترداد الموقع العربي في ملفات المنطقة وبالتالي السيطرة على النفوذ الايراني.
وهو ما تقوم به المملكة العربية السعودية الآن، باستراتيجيتها الجديدة وبانفتاحها على اطراف كانوا حتى حين بعيدين عنها في السياسة، الانفتاح على الروس، استقبال اطراف عراقية معتدلة، مد اليد لاطراف ووفعاليات لبنانية من كل الاطياف، المحاولات الحثيثة لتوحيد المعارضة السورية ولحل سياسي بعيدا عن الاقتتال، وفي هذا الاطار ما جاء على لسان وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان بأن المملكة تؤيد جميع السياسات المحاربة للارهاب ومصدره واذرعه وعلى دول المنطقة جميعا ان تتوحد في مواجهه قتل الشعوب وتدمير السلم الاهلي"، هو بداية لتشكيل تحالف عربي استراتيجي موسع طال انتظاره بوجه التوسع الايراني.
على هذا التحالف ان يعمل بجهد حثيث امام المجتمع الدولي كي يضع:
اولا الحرس الثوري الايراني على قائمة الارهاب.
ثانيا محاولة عزل ايران مجددا اي اعادتها الى ما كانت عليه قبل الاتفاق النووي، وذلك عبر العمل مع المجتمع الدولي لكشف ايران وتعريتها كدولة راعية للارهاب.
نجحت ايران في انشاء مجموعات قوية موالية لها في الدول العربية بلعبها على الوتر المذهبي حينا والقضية الفلسطنية احيانا والمهمشين والمستضعفين احيانا اخرى، استطاعت ان تحمي نفسها وحدودها بدماء العرب ايضا، دماء شباب حزب الله في سوريا وشباب الحشد الشعبي في العراق والحوثيين اليمنيين، تغلغلت في النفوس والاعلام والمؤسسسات مستغلة اعتدال بعض الدول العربية كالمملكة السعودية والتهاء مصر بمشاكلها الداخلية وتفتت العراق وحرب سوريا، ولكن قد تواجه في المستقبل القريب حلفا واستراتيجية عربية قد تستطيع ان تسيطر على اطماعها التوسعية.