Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-May-2018

«الوصية» في حياتنا! - د. زيد حمزة

 الراي - لا أحد يستطيع القول إن ((الوصية)) بمعناها الاجتماعي الانساني متجذرةٌ في ثقافتنا كما هي في الغرب، او أنها كحق طبيعي مشروع شائعةٌ في عاداتنا وتقاليدنا كما في دول اسلامية لا تلتزم بفقه السنة أو أخرى طورّت هذا الفقه وطوعتّه للقبول بالوصية ولو جزئياً، ثم .. لعلنا دون حرج نقول بان الحديث المتداول ((لا وصية لوارث))، رغم إخفاء الجزء الباقي منه وبالتالي عدم دقته في رأي مراجع عديدة، هو المهيمن على تفكير غالبية الناس عندنا وهو السلاح الذي يُشهر في وجه من يشكك في تحريم الوصية أو يتذمر من مجافاتها للانصاف حين تُمنع عن مستحقيها، ومنذ طفولتي السحيقة في القدم مازلت اذكر بحرقة وألم يوم صرخ معلم اللغة العربية والدين في وجه تلميذ من رفاقنا في الصف (( أُسكْت يا ولد فهي حرام )) رداً على تساؤله واستغرابه من ان رفض المحكمة لوصية جده المتوفى قد أدى الى معاناة عائلته ودخولها في خلافات بين افرادها فيما يتعلق بتركته وما جرى من ظلم للبنات والاخوات في الميراث وحجب الأعمام الذكور لهن على وجه الخصوص، وقارنها بقصة عائلة انجليزية كان قد شاهد في احد الافلام الاجنبية كيف توزعت الثروة على بعض اعضائها دون البعض الآخر طبقاً لوصية اودعها المورّث قبل وفاته لدى محاميه حسب القانون فقد وهبها لمن اعتقد انهم يستحقونها من ورثته وحرم منها من لا يستحقون وخصص قسماً منها لجمعياتٍ رأى انها جديرة بالمساعدة.

وما زلت أذكر بعد ذلك قصةً كانت معروفة في مجتمعنا الشرق الاردني الصغير عن غني لم ينجب إلا البنات ولا يريد لاخوته الذكور ان يرثوا منه وكلهم اثرياء (!) وأن يحجبوا عنهن جزءاً من ثروته بعد وفاته فما كان منه الا أن سافر الى لبنان وغيرّ مذهبه السني الى الشيعي، لا تسألوني عن الطريقة بل تفكرّوا جيداً في دلالتها الراسخة في النفس البشرية!
ثم أذكر بعد ذلك بعقود اني استمعت من الشيخ عز الدين الخطيب التميمي الذي تقلد منصب وزير الاوقاف اكثر من مرة ما قاله في ندوة مغلقة عن ((الوصية)) بفهمٍ مختلف غير متزمت وأكد أن انكارها كلياً غير صحيح وغير منصف وأن هناك تفسيرات فقهية حديثة ينوي طرحها تتيح إعادة النظر في منعها القطعي والسماح بها حسب حاجات المجتمع وظروفه لكنه رحل قبل ان يحقق ذلك..!
أما في ايامنا الحاضرة فهناك كثير من المفكرين الاسلاميين الجدد الذين ناقشوا أمر ((الوصية)) ودافعوا عن مراميها النبيلة الخيرّة وتجرأوا على نقد تغييبها لدى اهل السنة، ولست هنا لاعددهم أو لأشرح في حيز ضيق وجهات نظرهم، لكني اشير فقط الى واحد منهم هو محمد شحرور الذي لا يزال يطرح آراءه المخالفة للسائد في شؤونٍ دينية عديدة من بينها الوصية وقوانين الميراث ويناقشها بشجاعة وصراحة ويتحمل جراّءها الردود الشديدة القسوة من بعض الرافضين لآرائه منذ كتابه الاول ((الكتاب والقرآن.. قراءة معاصرة))
الذي صدر عام 1990 ثم يقوم بتفنيدها مستنداً الى تأويل يراه الكثيرون منطقياً يتفق مع التفكر السليم، لا بل انه يدعو الناس الى إعمال عقولهم للتخلي عن بعض فقهٍ قديم لم يعد مناسباً للعصر رغم ان الذين صاغوه علماء اجلاّء بمفاهيم زمانهم ومنهم من بلغت بهم الجرأة في التمسك بالحق كما اعتقدوه حد إغضاب الحكام فاضطهدوهم واعتمدوا بدلا منهم من سماهم التاريخ ((فقهاء السلاطين)) الذين كانوا يصدرون الفتاوى حسب الرغبة والهوى.
ليس شططاً القول الآن بان الفقهاء الأوائل بشر يخطئون ويصيبون، ومن حق مفكري هذه الأيام ان يقارعوا حججهم باخرى استجدت ماداموا يفعلون ذلك بالطرق القانونية المشروعة التي تتيح حرية التعبير وما داموا لا يلجأون لفرضها بالقوة والعنف، وبالمقابل ليس لأحد الحق في منعهم او إرهابهم أو اتهامهم جزافاً بالمروق والكفر والتجديف خاصة حين يجتهدون في امور لا تمس صلب العقيدة ولا تخدش قواعد الايمان ولا تتبنى مبادئ تُعرّض المجتمع للخطر كما فعلت المنظمات الارهابية حين حكمت بين الناس برهة في العراق وسوريا، لا بل على العكس يقصدون بها التسهيل على الناس في شؤون حياتهم والمحافظة على وشائج القربي بينهم والتخفيف من اختلافاتٍ تدمر الأسر احيانا مع أنها قابلة للمعالجة بحلول ميسرة في حدود المنطق والعقل والعقيدة..
وبعد.. ينبغي التذكير بان ((الوصية)) التي نتحدث عنها اليوم لا تتعلق بالاموال فقط بل ايضاً بأمور شخصية بحتة قد تبدو بسيطة لكن من حق كل انسان ان يقررها بنفسه ويوصي بتنفيذها بعد وفاته مثل طريقة نعيه او دفنه أو العزاء فيه او حتى تبيان رغبته في عدم تابينه الذي خبره اثناء حياته اسلوب نفاقٍ يمجّه! او تتعلق بتبرعه باعضاء جسده وهو ارقى وانبل أشكال العطاء والتعاطف والمشاركة الانسانية.