Thursday 28th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    13-Feb-2018

أين المجلس الصحي العالي ؟ - د. زيد حمزة

 الراي - ليست هذه هي المرة الاولى التي اكتب فيها مقالاً بنفس العنوان فلقد سألتُ عن ((المجلس الصحي)) لاول مرة في ((الرأي)) 26/ 4/ 1991 لأني يومئذ افتقدته لمدة عامين لم يعقد فيهما اجتماعاً واحداً ونظامه يقضي بأن يجتمع مرة كل ثلاثة اشهر على الأقل! حدث ذلك الغياب حين تحولت�' رئاسته من وزير الصحة الى رئيس الوزراء ظنا من القائمين عليه أن التحول سيعطيه مزيداً من القوة فطالبتُ انطلاقاً من تجربة شخصية موثقة ومعلنة من قبل باعادة الوضع الى سابقه لأن الوزير هو صاحب المسؤولية الدستورية

عن جميع الشؤون الصحية حسب قانون الصحة العامة لسنة 1971 والرئيس هنا لا وقت لديه ولا قدرة لحمل عبء اضافي، ومما زاد الطين بلة في نظري توسيع عضوية المجلس بعدد كبير من وزراء وسواهم ممن لا علاقة حقيقية لهم بالصحة ولقد دعيت في وقت ما لحضور احد اجتماعاته فرايت كيف كان بعضهم يتثاءبون وبعضهم تأخروا طويلا عن موعد الجلسة لكنهم جميعاً لم يدلوا بدلوهم في اي من المواضيع التي طرحت على بساط البحث!
 
لا أنوي أن أعيد رواية تاريخ انشاء المجلس الصحي فقد سئمت وربما سئم القراء لكثرة ما كررتها في مقالات سابقة وسأكتفي بالقول بأنه كان هدفاً نبيلاً سعت له نقابة الاطباء منذ تأسيسها حتى حققته في عام 1966 بفضل إقناع النقيب وليد قمحاوي لرئيس الوزراء وصفي التل بضرورة إنشائه من اجل التشارك في تطوير الصحة في الاردن، وكنت حينها عضواً في مجلس النقابة، وسأقفز الآن عن باقي تاريخه رغم اني ملم به جيداً فقد كنت ذات يوم في صلبه وكاد أن يثمر خيراً عميماً لمجمل النظام الصحي في الاردن لولا أن أُقحمت�'
 
علينا المؤسسة الطبية العلاجية وكان ما كان ! لكني لم اتوقف عن متابعته والكتابة عنه عبر عقود عديدة تالية ناقداً ومنبهاً أو محذراً خصوصا عندما أصبح دون داعٍ جهازاً بيروقراطياً مكلفاً يقيم في بناء مستقلة وله ميزانيته الخاصة بعد أن كان مقرره الامين العام لوزارة الصحة وحده وفي مكتبه يصرّف
 
معظم اعماله ! ولتبيان مدى أهمية المجلس الصحي سأنقل للقراء نص المادة الرئيسية في قانونه رقم 9 لسنة 1999 حسب آخر تعديل عليه سنة 2017 ليحكموا بأنفسهم إن كان فعلاً قد حقق ما اسند إليه وأين قصّر أو فشل حيال هذا الحشد المزدحم بالواجبات والمهمات الطموحة: (( يهدف المجلس الى رسم السياسة العامة للقطاع الصحي في المملكة ووضع الاستراتيجية لتحقيقها، وتنظيم العمل الصحي وتطويره بجميع قطاعاته بما يحقق توسيع الخدمات الصحية لجميع المواطنين وفقا لأحدث الوسائل والاساليب والتقنيات العلمية المتطورة، وتحقيقاً لذلك يتولى المجلس المهام والمسووليات التالية: تقييم السياسات الصحية بشكل دوري وإدخال التعديلات اللازمة عليها في ضوء نتائج تطبيقها. والنظر في متطلبات واحتياجات القطاعات الصحية واتخاذ القرارات اللازمة بتوزيع الخدمات الصحية بأنواعها جميعاً على مناطق المملكة بما يحقق العدالة بينها والنهوض النوعي بالخدمات والايعاز الى الجهات ذات العلاقة لتنفيذها.
 
والمساهمة في رسم السياسة التعليمية لدراسة العلوم الصحية والطبية داخل المملكة وخارجها وتنظيم التحاق الطلبة بهذه الدراسات. وتشجيع الدراسات والبحوث العلمية ودعم البرامج والنشاطات والخدمات بما يحقق أهداف السياسة الصحية العامة.
 
وتنسيق العمل بين المؤسسات والهيئات الصحية في القطاعين العام والخاص بما يضمن تكامل اعمالها. وتعزيز التعاون بين المؤسسات والهيئات الصحية المحلية وبين المؤسسات والهيئات العربية والاقليمية والدولية المعنية بالصحة. والاستمرار في توسيع مظلة التأمين الصحي. ودراسة القضايا التي تواجه القطاع الصحي واتخاذ الاجراءات المناسبة بشأنها بما في ذلك إعادة هيكلة القطاع الصحي. ودراسة مشاريع القوانين والأنظمة والتعليمات المتعلقة بالمجلس وبالقطاع الصحي ورفع التوصيات التي يراها ضرورية بشأنها. والنهوض بالقطاع الطبي ورفع كفاءة العاملين في القطاع العام وتوفير الحوافز المناسبة لهم)).
 
لا اريد أن اظلم المجلس بالقول بأنه قصر في تحقيق اي من هذه الاهداف الجليلة عبر سنوات عمره الطويل لكن المواطنين انفسهم مازلوا يرون الجهات الصحية المشاركة فيه بعيدة عن التعاون والتنسيق والتشارك اذ تعمل كل واحدة منها كإقطاعية خاصة برئيسها مستقلة بشؤونها وقراراتها وسياساتها ثم يرون نتيجة لذلك تزايداً هائلاً في الانفاق الصحي بلغ عشرات الاضعاف حسب الميزانيات الرسمية المعلنة ولا يجدون بالمقابل ارتقاًء في مستوى ما تقدمه لهم من خدمات لا بل يسمعون المسؤولين فيها يتذمرون من ضَعف الموارد المالية ويعزون لها القصور اذا اعترفوا به!
 
ووسط هذه الدوامة فوجئنا في العام الماضي بان المجلس الصحي ذا المهمات الكبرى قد استُخدم على وجه غير شرعي وغير منطقي في استيلاد نظام غريب لشركة تجارية تدّعى وصلاً بصحة الناس وتسمي نفسها هيئة غير ربحية لكنها تتقاضى اجوراً بمئات الالوف، وقد مكنها النظام من العمل كمؤسسة حكومية مستقلة رغم أن جميع النقابات الصحية ترفضها وتعترض عليها!
 
وبعد.. صحيح أن استعراض ماضي المجلس بعبره ودروسه قد يفيدنا في السعي لاصلاحه وجعله أكثر قدرة على تحقيق اهدافه لكن علينا الآن ان نصون حاضره ونفعّله فنرحب اولاً بتعديل القانون الذي أعاد وزير الصحة الى موقعه الصحيح كرئيس للمجلس وتلك فرصة حقيقية لعودة المجلس نفسه الى احضان الوزارة معنىً ومبنىً، فلقد كان بقاؤه بعيداً عنها مغترباً عن نشاطاتها بحجة اللامركزية (!) أمراً إدّاً وشاذاً لا يجوز استمراره اذ أن مكانه الطبيعي حقاً في قلبها فهو جناح من اجنحتها الخفاقة وسوف يكون بقيادتها وتعاون المؤسسات الاخرى قادراً على تحقيق اهدافه التي ينتظرها الوطن منذ زمان طويل.. ووزارة الصحة مؤهلة لهذه القيادة.. لو قصدت�'!