Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    06-Dec-2017

وصفي والرهان على الناس - بلال حسن التل

 الراي - تحدثتُ في مقال سابق عن بعض مكامن القوة في شخصية الشهيد وصفي التل وقلت أن هناك مكامن قوة ذاتية لم يكن أحد يستطيع انتزاعها منه أول عناصرها قوته الفكرية التي سعى إلى تجسيدها في حياته وحياة الناس أما العنصر الثاني والمهم من عناصر قوة الشهيد وصفي التل الذاتية فهو إيمانه بالناس، وتعلقه بهم وإصراره على البقاء في مربعهم يتحدث بلهجتهم، ويعيش عيشتهم، حتى وهو في أعلى مواقع المسؤولية، وهذا الإيمان بالناس هو الذي جعله يراهن عليهم في كل المواقع، وكل المعارك التي خاضها، سواء كانت هذه المعارك عسكرية أو سياسية أو إنمائية، فعلى الصعيد العسكري يكفي الشهيد وصفي التل فخراً، أنه أول من نادى بضرورة فتح جبهة شعبية لقتال المحتل وقيام الانتفاضة الشعبية في فلسطين المحتلة، والتي أسماها بالجبهة الرابعة، والتي ألح عليها في اجتماعات مجلس الدفاع العربي المشترك التي استشهد أثناءها، عندما أشاد بتقرير رئيس هيئة الأركان المصري الفريق سعد الدين الشاذلي، حول تفعيل الجبهات الثلاث المصرية والسورية والأردنية، حيث أكد وصفي التل في تعليقه على تقرير الشاذلي على أهمية تثوير الداخل الفلسطيني، ليكون هو الجبهة الرابعة، وهو ما تحقق بعد 16 عاماً من استشهاد وصفي، عندما اندلعت انتفاضة أول الحجر في فلسطين، وهي الانتفاضة التي دعا إليها وبشر بها وصفي التل، الذي كان يؤمن إيمانا مطلقاً بأن الانتصار على المحتل الإسرائيلي لن يتم إلا بالحرب الشعبية، ومن خلال نظرية الأرض المحروقة التي كتبها ودعا إلى تبنيها.

واللافت في تقرير الفريق الشاذلي المقدم إلى اجتماعات مجلس الدفاع العربي، أنه تحدث عن جبهات ثلاث هي المصرية والسورية والأردنية، مع عدم ذكر للجبهة اللبنانية، وبعد ذلك لم يمر عقد من الزمان حتى أصبحت الجبهة اللبنانية هي الأكثر سخونة، والأكثر تأثيراً على العدو الصهيوني، بفضل المقاومة الشعبية التي انطلقت على أثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان، فهب الشعب اللبناني بمكوناته المختلفة للدفاع عن أرضه، في تطور أكد صوابية رأي الشهيد وصفي التل في المراهنة على الشعوب في كل المعارك، بما فيها المعارك العسكرية، فالإنتفاضة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية الشعبيتان هما اللتان أجبرتا العدوالإسرائيلي على تقديم التنازلات، بعد أن الحقتا به الهزيمة قبل أن يتم التآمر عليهما ووقف اندفاعتهما.
ومثلما تمكنت المقاومة الشعبية من إحداث التغير في موازين القوى بين العرب وإسرائيل، فإن المقاومة الشعبية هي التي تمكنت من إحداث التغير في الموازين السياسية في أكثر من بلد عربي، أثناء ما يسمى «بالربيع العربي»، مع تحفظنا على الكثير من مجريات هذا الربيع، غير أن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الناس هم الذين شكلوا قوة التغيير الحقيقية التي وقعت بفضل تطورات وأحداث ما سمي بالربيع العربي بصرف النظر عن من حركهم، وكيف ولماذا، لكن النتيجة تؤكد صحة رهان وصفي التل على الناس وأهمية بناء جبهة شعبية واعية وفاعلة شريطة أن يكون هناك حسن توجيه لها.
ومثلما راهن وصفي التل على الناس في تخطيطه العسكري، فقد راهن عليهم في معركة البناء والإنتاج، التي حرص خلالها الشهيد وصفي التل على استثمار كل مكامن القوة والعطاء عند الأردنيين، حيث كان يستثمر كل لقاء له مع الناس ليحثهم على الإنتاج، حتى عندما كان يقضي حاجاتهم في لقاء الثلاثاء الأسبوعي المخصص لهذه الحاجات، وكثيرة هي القصص والأمثلة عن تحريض وصفي للناس كي يشمروا عن سواعد الجد لاستثمار ثروات بلادهم، وهو في هذه لم يتوقف عند حدود التنظير بل مارس العمل بيده، ضارب للناس المثل والقدوة، فذهب إلى الصحراء ليستصلح أرضها فكان يحرث الأرض ويبذرها بيده، وفي إطار حرصه على توظيف كل مكامن القوة والإنتاج عند الأردنيين، جاءت فكرة معسكرات الحسين للبناء والعمل، التي تمكن خلالها طلاب المدارس من زراعة الآف الدونمات عدا عن فتح الطرق وصيانة المرافق العامة.
خلاصة القول ونحن نحيي ذكرى استشهاد وصفي التل: هي أن قوة الرجل كانت مستمدة أولاً من ذاته، وثانياً من إيمانه بالناس الذين أخلص لهم فأحبوه وبادلوه وفاء بوفاء فصار من الخالدين.
Bilal.tall@yahoo.com