Thursday 25th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    28-Nov-2018

الشهيد وصفي التل وسؤال الأزمات المتراكمة - بلال حسن التل

 الراي - يحيي الأردنيون اليوم ذكرى الشهيد وصفي التل، وهي فرصة سنوية يعبر من خلالها الأردنيون عن حجم قلقهم على دولتهم وعلى هويتهم الوطنية، بعد أن صار وصفي رمزاً للهوية الوطنية الأردنية ببعدها القومي في وجدان الأردنيين، ورمزاً للحفاظ على دولتهم قوية متماسكة، وقد أخذ هذا التعبير عن القلق أشكالاً مختلفة أبرزها الشعارات والهتافات الصريحة والمدوية، سواء تلك التي تطلقها المسيرات التي تؤم ضريح الشهيد، أم تلك التي ضجت بها جنبات الملاعب الرياضية، في أكثر من مناسبة، يضاف إليها الآف التغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وصولاً إلى المقالات على صفحات الصحف، مروراً بالندوات التي تعقد في الكثير من المدن والقرى الأردنية.

وفي ذلك كله يطرح الأردنيون سؤالاً، هو هل يجري تنفيذ المخطط الذي أوقفه وصفي التل بدمه، بأسلوب آخر غير أسلوب المواجهة المسلحة، التي مورست في أيلول 70 وما قبله، والتي حسمت لصالح مشروع الدولة الأردنية، واستبدال ذلك بإغراق الدولة بأزمات متراكمة تنهكها، كما نعيش ونلمس؟ وفي الطليعة منها أزمتنا الاقتصادية الخانقة والسؤال الذي نطرحه اليوم هو: إذا كان حل أزمتنا الاقتصادية ليس كله بأيدينا، فما بال أزمات أخرى تتفاقم رغم أن كل خيوطها بأيدينا؟ فهل يعقل أن تظل الدولة الأردنية كل هذه السنوات الطويلة تتحدث عن أزمة الإعلام الأردني ولا تستطيع أن تنهي هذه الأزمة؟ أم أن أزمة الإعلام هي جزء من مؤامرة إغراق الدولة الأردنية في أزماتها ومراكمة هذه الأزمات ومن ثم تجريد الدولة من أسلحتها وأدواتها، بعد أن صار الإعلام من أهم مكونات قوة الدول في العصر الحديث، وهو ما أدركه وصفي مبكرًا.. لذلك سعى ومعه رفاقه إلى بناء منظومة إعلامية أردنية قوية وقادرة على مواجهة أعتى المنظومات الإعلامية في المنطقة. فعلوا ذلك رغم قلة ذات اليد، ونعجز نحن رغم كثرة الصحف والإذاعات والفضائيات التي تصدر في الأردن، والتي غالبًا ما توظف لاغتيال الشخصية الوطنية الأردنية، بالاغتيال المعنوي للرجال الذين يمثلون هذه الشخصية، وكأنه لم يعد مسموحًا أن تبرز شخصية أردنية جديدة تملأ الفراغ، أو جزءا من الفراغ الذي تركه وصفي. فهل صحيح أن الدولة الأردنية عاجزة عن حل أزمة إعلامها، أم أنه لا يراد لها أن تحل هذه الأزمة وغيرها من الأزمات التي تتراكم وتتعمق؟ سؤال يثور كلما تحدثنا عن وصفي الإعلامي يوم كان الإعلام الأردني كتيبة أردنية متقدمة، تجسد بأغنياتها وبرامجها وتعليقاتها الشخصية الوطنية الأردنية وتحفظ هويتنا الوطنية، التي لم يعد لها أثر اليوم في الإعلام المسمى أردنيًا بشقيه الرسمي والأهلي.
وارتباطًا بالحديث عن وصفي الإعلامي وعن أزمة الإعلام يأتي الحديث عن وصفي المثقف الذي يؤمن بدور الثقافة في بناء هوية الدولة والتعبير عن هذه الهوية؛ لذلك كان اهتمام وصفي بالثقافة والفنون، وبأسرة المسرح وبالكتّاب، والأدباء، والمبدعين الأردنيين الحقيقيين، وهو الاهتمام الذي صار اليوم في ذيل اهتمامات الدولة الأردنية لتتعمق لدينا أزمتان، أولهما: أزمة الثقافة الوطنية، والمثقف الأردني المنتمي، وثانيهما: أزمة الهوية الوطنية التي تبنيها الثقافة الوطنية وأداتها الإعلام الوطني.
وعند الحديث عن وصفي المفكر والمثقف يثور سؤال آخر خلاصته: لماذا كل هذا الإهمال والتخريب لكل عناصر ومؤسسات بناء الإنسان الأردني المنتمي لوطنه وهويته؟ فمثل حجم التراجع في الإعلام والثقافة وبحجم أزمتيهما في بلدنا هناك تراجع أكبر في مؤسسة التربية والتعليم، ويكفي أننا نعيش هذه الأيام أزمة وطنية طاحنة حول هوية مناهجنا ومضامين كتبنا المدرسية، وما خفي كان أعظم، ويكفي أن جامعاتنا التي يفترض بها أن تقود عملية التغيير في مجتمعنا كما أُريدَ لها عند تأسيس الجامعة الأردنية في حكومة وصفي الأولى، صرنا نتحدث اليومعن سوء مخرجات التعليم ورداءتها، وعن الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تعصف بجامعاتنا وتهدد بقاءها.
لقد صار ذلك كله من المسلّمات التي يمكننا الاستدلال بها على مؤامرة تغييب الدولة، ومعها تغيبِ الشخصية الوطنية.. ليس من خلال القوة المسلحة كما جرى في أيلول 1970، وما سبقه وما تلاه. والذي دفع الشهيد حياته ثمنًا للتصدي له، ولكن من خلال خيانة مشروعه في إقامة الدولة والحفاظ على شخصيتها الوطنية.
Bilal.tall@yahoo.com