Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-May-2017

طموحات إيران الإقليمية - حسن أبو هنية
 
الراي - في غمرة انشغال الولايات المتحدة الأميركية بمحاربة تنظيم «داعش» في العراق وسورية استثمرت إيران حالة الفوضى والاضطراب التي عصفت بالمنطقة وأدت إلى ضعف الحكومات المركزية في بغداد ودمشق لتقوية نفوذها وفرض تصوراتها من خلال بناء مليشيات مسلحة عابرة للحدود تعمل تحت إمرة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني الذي بات يدير حروب إيران الخارجية في سوريا والعراق.
 
أدت التحولات التي عصفت في المنطقة على مدى أكثر من 6 سنوات إلى تغيرات في بنية المشروع الإيراني وطموحاته الإقليمية وبات يطمح إلى تحقيق خطة طموحة تهدف إلى خلق ممر بري يصل إيران بشواطئ البحر المتوسط مرورا بالعراق وسوريا لتعزيز نفوذ طهران في المنطقة، وهو مشروع إيراني وضع منذ أكثر من ثلاثة عقود لكنه واجه صعوبات نظرية وعملية عديدة، ورغم أن استراتيجية إيران الناشئة حديثاً في بلاد الشام طموحة إلا أنها تقع في إطار استراتيجية أكبر تأمل طهران من خلالها إلى تحقيق هيمنة إقليمية أوسع على المدى الطويل، وبهذا فإن الخطة المرحلية الإيرانية تهدف إلى تحقيق هيمنة مستدامة في العراق وسوريا ولبنان.
 
على الرغم من إدراك الولايات المتحدة للمشروع الإيرني، إلا أن إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ركزت على أولوية مواجهة تنظيم «داعش» وتغاضت عن الطموحات الإيرانية، وعقب وصول دونالد ترمب إلى سدة البيت الأبيض برزت أولوية أخرى وعادت الاستراتيجية الأميركية إلى منظوراتها التقليدية بالجمع بين الحرب على «الإرهاب» والحد من نفوذ «إيران»، فوفقاً لما جاء في تعبير وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، تستعرض إدارة الرئيس دونالد ترمب حالياً سبل مواجهة التحديات التي تفرضها إيران.
 
مع بروز تحولات الاستراتيجية الأميركية أصبح السباق على أشده بين أميركا وإيران وباتت الرسائل أكثر حزما، ففي خطوة استباقية للمليشيات الشيعية العراقية المسندة من إيران بعد ساعات قليلة على تسريبات خطة اتفاق أميركية عراقية تتعلق بملف الحدود العراقية السورية، وإعادة إغلاقها بشكل كامل، تحرك في 12 أيار 2017. تحرّك نحو 20 ألف عنصر من مليشيات «الحشد الشعبي»، مدعومين بوحدات من الحرس الثوري الإيراني باتجاه مدينة القيروان، الواقعة على بعد 40 ميلاً فقط من الحدود العراقية السورية، في المحور الشمالي الغربي من مدينة الموصل، بين مدينتي البعاج وسنجار العراقيتين، وتمثل الطريق المختصر للأراضي السورية، وسط تصريحات لقيادات بمليشيات «الحشد» تؤكد أن هدفها الوصول إلى الحدود السورية، وقد صرح نائب قائد مليشيات «الحشد» أبو مهدي المهندس بأن «عملية القيروان التي انطلقت اليوم ستنتهي وصولًا للحدود السورية».
 
الرد الأميركي لم يتأخر كثيرا ففي 18 أيار 2017 نفذت الطائرات الأميركية غارة ضد قوات النظام السوري ومليشيات مساندة لها على طريق دمشق بغداد، وتحديداً عند معبر التنف عند الحدود السورية القريبة من العراق والأردن، وهو أول رد عملي أميركي في موجهة فعلية للمشروع الإيراني الهادف إلى ربط الأراضي الإيرانية بتلك العراقية والسورية واللبنانية، وقد استهدف الضربات رتلاً لقوات النظام السوري كان يضم عناصر من قوات النظام وعناصر من مليشيات عراقية كان يحاول الوصول إلى معبر التنف على الحدود الأردنية السورية.
 
في سياق استثمار معركة الموصل المهمة للولايات المتحدة وحلفائها في تثبيت عراق ما بعد الاحتلال التي أعلن عن انطلاقها في 17 تشرين أول 2016 فإن إيران ومليشيات الحشد الشيعي أولت أهمية أكبر لمعركة تلعفر لاستكمال تحقيق المخطط الإيراني نحو المتوسط حيث أعلنت مليشيات الحشد أنها بدأت في 29 تشرين أول الماضي بالتحرك باتجاه مدينة تلعفر معقل تنظيم «داعش» غرب الموصل والتي تقع على مسافة نحو 55 كيلومترا غرب الموصل، وبحسب مارتين تشولوف فإن معالم الطريق الإيراني نحو المتوسط بدت معروفة، ما يجعل من مهام ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية غرب الموصل جزءا من ورشة إيرانية تشارك في إنجازها قوى مختلفة تعمل لتحقيق طموحات طهران.
 
مسارات الفضاء الجيوسياسي الإيراني بخلق الممر يبدأ من بعقوبة في محافظة ديالى وهي أقرب مدينة عراقية للحدود الإيرانية باتجاه الشرقاط في محافظة صلاح الدين التي سيطرت عليها الميليشيات في سبتمبر 2016 ويمتد باتجاه تلعفر وسنجار التي تسيطر عليها منذ نوفمبر 2016 قوات حزب العمال الكردستاني القادمة من سوريا بدعم ورعاية من مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض، ويستمر امتداد الممر من معبر ربيعة بين العراق وسوريا مرورا بالقامشلي وعين العرب (كوباني) وصولا إلى عفرين، وهي مناطق تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، ويتطلب المشروع الإيراني إجراء تغييرات ديموغرافية بدأ بتنفيذها في وسط العراق وهي جارية حاليا في شمال سوريا حيث تعمل على إنجاح الخطة وتأمين مراحلها ميليشيات وأحزاب عراقية تابعة لإيران كل وفق حساباته، وتعتبر حلب أكبر مفترق لإنجاز هذا الممر حيث استثمرت طهران كثيرا من جهودها وهي تحشد حاليا نحو 6 آلاف من الميليشيات الشيعية العراقية لاستعادة شرق المدينة من قوات المعارضة.
 
وفقاً لما ذكره عدد من كبار المسؤولين الإيرانيين حسب اهود إيعاري، تتمثل الفكرة بتكليف القوات التي تعمل بالوكالة عن إيران بالإشراف على هذين الممرين، مثل «حزب الله» ومختلف الميليشيات الشيعية التي ترعاها إيران في العراق وسوريا لكي تتجنب طهران استخدام قواتها العسكرية لضبط الممرين. وستتمكن الميليشيات التي تعمل بالوكالة عن إيران من تأمين قوةٍ ميدانية يتراوح عددها بين150,000 إلى 200,000 مقاتل، من بينهم 18,000 شيعي أفغاني و 3,000 إلى 4,000 شيعي باكستاني، بالإضافة إلى ميليشيات صغيرة مسيحية ودرزية. وقد تم بالفعل نشر بعض هذه القوات في قطاعاتٍ مختلفة على طول الممرين المتوخّين. وستتمكن إيران أيضاً من تجنيد المزيد من الشيعة، وخاصة اللاجئين من أفغانستان وباكستان الذين يبحثون عن فرص عمل وقضية يخدمونها.
 
لا تزال الولايات المتحدة تفتقر إلى استراتيجية متكاملة ومحددة وفعالة في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، فهو أمر يتطلب تجاوز عقبات عديدة، إلا أن التموضع الأميركي الجديد على جانبي الحدود في العراق وسوريا يقع في إطار الحيلولة دون تمدد إيران وزيادة نفوذها من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشق، كما أن تنفيذ بعض الضربات الجوية تحمل رسائل واضحة، لكن ذلك لا يبدو كافيا دون إشراك تركيا ودول المنطقة وإيجاد حلول سياسية حقيقية في العراق وسورية.