Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    22-Oct-2016

د. خالد الكركي و«قراءات في الثقافة والسلطة والإعلام» - يوسف عبدالله محمود

 

الراي - «لا بُدَّ أن تخرج الحوارات حول دور المثقف من باب المجاملات إلى دوائر الصراحة».
 
في كتابه «قراءات في الثقافة والسلطة والإعلام» غوصٌ في تراثنا العربي منذ أقدم العصور وحتى أيامنا هذه.
 
يحاول من خلاله الدكتور خالد الكركي محاكمة هذا التراث برؤية ناقدة وبصيرة ثاقبة.
 
يُحدثنا عن علاقة المفكر والعالم بسلطة عصره فهو « قد يلتقي معها في بلاطها، وقد يلتقي معها في سجونها». ص16
 
قد يلتقي معها إذا تخلى عن مسؤوليته الأخلاقية والاجتماعية وراح يبرّر ظلمها وفسادها. الجور والقمع يصورهما عدلاً وإنسانية !
 
أما إذا جرؤ فعرّى طغيانها واستبدادها فالأغلب أن «يلتقي معها في سجونها» يَستلُّ هذا الباحث من التراث عيّنات تدين فساد عصورها، فمن لم يتزلف لهذا الحاكم أو ذاك ويحرق البخور بين يديه هُمّش أو حورب في لقمة عيشه، أما إذا عارض السلطة فالموت الزؤام ينتظره. السيف له بالمرصاد !. هناك استثناءات بالطبع حين يصلح الحكم فيكون المثقف عندها ناصحًا وموازراً.
 
بدوري أتساءَل هل اختلف عصرنا الحاضر عن تلك العصور التي سادها قهر السلطة لشعوبها ؟ هل العلاقة اليوم بين المثقفين والسلطة في العالم العربي هي علاقة يُشاد بها أم أنها «علاقة يحكمها الشك وعدم الثقة» ؟
 
وأضيف إلى «الشك» و»عدم الثقافة»، «الخوف» من بطش الحاكم أو السلطان، فكم من كلمة حق ظلت حبيسةً لا تجرؤ الأفواه أن تنطق بها خوفًا من القمع.
 
«إن هذه العلاقة بين المثقف والحاكم قد تأخذ شكل «التآزر» وقد تتحول «التضاد». وقد تأخذ شكل احتواء السلطة للمثقف تحت شعارات مُضللة منها «المصلحة العليا» و»المهمات الثقافية الوطنية» و»المساهمة في التغيير والتجديد وقد يقبل المثقف هذا الدور دون رؤية واضحة». ص36
 
ومع الأسف فإن بعض المثقفين قد يقبلون هذا الدور وهم يعلمون أنه ضد الجماهير. يفعلون ذلك طمعاً في الجاه والمال والمنصب !
 
أستثني المثقفين الذين على استعداد للتضحية في سبيل القيم الإنسانية التي ينادون بها أي أنهم مستعدون أن يحملوا أرواحهم على أكفهم من أجل أن تنتصر هذه القيم. ومع الأسف فهم قِلّة !
 
تَذْرُع كتاب د. خالد الكركي فتراهُ سيحتضر من التراث العربي القديم أقوالاً تدل على الحكم المطلق الذي لا يقيم وزناً للقيم الإنسانية كالقول المنسوب إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان حين ولي الخلافة :
 
«والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه».
 
«والله لا آمر أحداً أن يخرج من أبواب المسجد، فيخرج من الباب الذي يليه إلا ضربت عنقه».
 
كم من «محن» لحقت بفقهاء وعلماء لم يسكتوا على «عوار» عصورهم فسيقوا إلى المشانق !
 
ماذا حلّ بالحلاج وابن حنبل وغيلان الدمشقي إبن رشد حين احتجوا على ظالم عصورهم.
 
هذه المحن – مع الأسف – ما زالت تتكرر في عصرنا الحاضر. تشهد على ذلك أقبية السجون العربية.
 
من المؤسف أن يُحارب «الإبداع» إذا مَسَّ الخرافات وتسطح الوعي الذي يقف وراءه فقهاء يُقحمون الدين في الأعمال الإبداعية لتتمّ مصادرتها !
 
د. خالد الكركي يحزّ في نفسه كمثقف ملتزم، هذا الانحدار الذي وصلت إليه ثقافتنا العربية وهو انحدار سببه غياب الديمقراطية التي يخشاها هذا النظام أو ذاك.
 
إنه بِحسِّه القومي والعروبي والإنساني، يدعو إلى الالتزام بمفهوم واحد عن «سلطة الثقافة لا ثقافة السلطة»، «شريطة أن تكون الثقافة خارج أي أفكار شمولية أو ظلامية وأن يتمايز أهلها، وأن يخرج من بين صفوفهم القعدةُ والمترددون والخامدون والجاحدون».
 
وقبل أن أختم كلامي لا بد أن أشيد بأناقة اللغة التي يمتلكها هذا المفكر والعالم.
 
أناقة لغته تشدّ القارئ.
 
يسحر البيان يمتعه حقاً.