Friday 19th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    09-Oct-2015

أميركا وروسيا في سورية: مواجهة بين قوى عظمى أم فرصة؟* مايكل أوهانلون

الغد-يقال إن واشنطن وموسكو تعملان من أجل التوصل إلى طرق من شأنها الحيلولة دون حدوث تعارض في عملياتهما العسكرية التكتيكية في داخل سورية، في أعقاب الوصول العسكري الروسي إلى المسرح السوري في الأسابيع الأخيرة. وهذه أخبار جيدة. ذلك أن آخر شيء نحتاجه الآن هو وجود قوتين نوويتين، واللتين تطلقان النار على بعضهما بعضا، بسبب الإهمال -أو حتى عن قصد- في مستنقع ما في الشرق الأوسط.
لكن استراتيجيتي هاتين الدولتين حيال سورية ليستا، بطبيعة الحال، في أي مكان قريب من عدم التعارض والتصادم.
لقد أعلن الرئيس بوتين أن هدفه في سورية هو مقاتلة مجموعة الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش". أما هدفه الآخر الذي يحظى بقدر أكبر من إمكانية التصور، كما انعكس في اختيار جيشه لأهداف القصف المبدئية، فيكمن في دعم قبضة الرئيس الأسد المهتزة على السلطة، عبر مهاجمة الثوار القريبين في الجوار، حتى لو كانوا من المعتدلين نسبياً وغير التابعين لأي من مجموعة "الدولة الإسلامية" أو "جبهة النصرة". ويريد بوتين حماية وكلائه الخاصين، والمحافظة على وصول روسيا إلى مرفقها البحري على ساحل البحر الأبيض المتوسط في طرطوس، والأكثر ترجيحاً: إحراج الولايات المتحدة في وقت تظهر فيه قدرة روسيا على الوصول العالمي. وبينما يشعر بوتين بلا شك بالقلق من مجموعة "الدولة الإسلامية" عند أحد المستويات، فإن من غير المرجح أن يحاول إلحاق الهزيمة بها عسكرياً. إنه سوف يترك تلك المهمة لنا نحن. كما أن حقيقة مسؤولية الأسد عن قتل معظم الربع مليون شخص الذين ماتوا في هذه الحرب حتى الآن، والتسبب في معظم حالات التشرد وتدفقات اللاجئين أيضاً، لا تهم بوتين العملاق إلا قليلاً، والذي يلقي باللوم على السذاجة الأميركية أكثر من أي عامل آخر على حقيقة أن هذه الحرب قد استمرت لأربعة أعوام ونصف العام بصورة مأساوية.
لكن التشاؤم الذي يضفيه تدخل بوتين على هذه الحرب لن يعيق التعاون الأميركي الروسي على صعيد التوصل إلى طريق عملي إلى الأمام. وإذا ما تصورنا نوعاً من النموذج البوسني لما نحاول إنجازه في سورية، والعمل بأثر رجعي، فإنه سيكون من الممكن على الأقل التوفيق بين الأهداف الروسية وتلك الأميركية إلى حد كبير -أو باستخدام التعبير الشائع اليوم، الحيلولة دون حدوث صدام.
وفيما يتعلق بالمصالح الأميركية، فإننا نحتاج إلى إلحاق الهزيمة بمجموعة "الدولة الإسلامية" والانتقال بالتالي في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالأسد، بينما نخفف من أثر الكارثة الإنسانية التي حلت بالبلد بالسرعة الممكنة. ويحتاج بوتين إلى احتواء مجموعة "الدولة الإسلامية" قبل أن تستيقظ الفروع التابعة لها في موسكو، كما كانت مجموعات سابقة من الجهاديين قد فعلت على مدار الأعوام السابقة. وهو يريد، بالإضافة إلى ذلك، ممارسة الضغط والنفوذ الروسي على مسرح الشرق الأوسط بطريقة تعزز المكانة القومية لروسيا. وأود أن أعترف بأن معظم، إن لم يكن كل هذه الأهداف، هي متساوقة من حيث المبدأ على الأقل.
من الممكن أن تكون سورية مستقبلية عبارة عن كونفيدرالية من قطاعات عدة -واحد علوي بشكل رئيسي على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط؛ وآخر كردي على طول الشريط في الشمال والشمال الشرقي بالقرب من الحدود مع تركيا؛ وربما ثالث درزي في الجنوب الغربي؛ وثمة على الأقل واحد إضافي مكون بشكل رئيسي من المسلمين السنة؛ ثم أخيراً منطقة مركزية من مجموعات مختلطة في حزام السكان الرئيسي امتداداً من دمشق إلى حلب. وسيكون من الصعب إضفاء الاستقرار على المنطقة الأخيرة، لكن المناطق الأخرى قد لا تنطوي على مشاكل بشكل حتمي على طول الطريق.
مع هذا الترتيب، سوف يترتب على الأسد التنحي عن السلطة في دمشق في نهاية المطاف -لكنه ربما يستطيع البقاء في القطاع المخصص للعلويين كحل وسط. وستحل حكومة مركزية ضعيفة محله، لكن معظم السلطة ومعظم القوات المسلحة المستقبلية ستستقر في إطار القطاعات الفردية التي تتمتع بحكم ذاتي (والتي تعود إلى الحكومات المناطقية المختلفة). ومن المؤكد أن يتطلب مثل هذا الترتيب وجود قوات حفظ سلام دولية للحفاظ عليه إذا ما تم التوصل إلى صفقة في المستقبل. وتستطيع القوات الروسية المساعدة في هذه المهمة على طول حدود المنطقة العلوية، مع أجزاء أخرى من البلد على سبيل المثال.
سيكون من شأن الوصول إلى نقطة تصبح معها حتى هذه الصفقة ممكنة أن يستغرق وقتاً وجهداً كبيرين. ويترتب والحالة هذه الاستمرار في تدريبنا وتجهيزنا لقوات المعارضة المعتدلة بشكل كبير. ويجب، في الأثناء، تخفيف معايير التدقيق والفحص بطرق عديدة. وبالإضافة إلى ذلك، يحتاج المدربون الأميركيون وغيرهم من المدربين الأجانب إلى الانتشار في داخل سورية بغية الإسراع في التدريب، وفي الأماكن حيث يعيش المجندون المستقبليون في واقع الأمر (وحيث يجب أن يمكثوا إذا أرادوا حماية عائلاتهم).
من الممكن أن تتلقى تلك المناطق التي يمكن أن تصل إليها القوات الدولية، بدءاً ربما بالقطاعين الكردي والدرزي، إغاثة إنسانية بمقدار أكبر بكثير. ومع الوقت، سوف ينمو عدد المناطق التي يمكن الوصول إليها بالتزامن مع تقوية قوات المعارضة المعتدلة. وتستطيع هذه العملية المساعدة في خفض مستوى المعاناة وتدفقات اللجوء، في الحال -حتى لو استغرق الأمر، كما يجب الإقرار، عامين- حتى تتمتع الاستراتيجية الكلية بأي فرصة حقيقية للنجاح.
لكن، وبينما قد يستغرق الأمر شهورا أو أعواماً عدة لإنجاز هذه المحصلة التي نريدها، فإن التحدث عن هذا النوع من الرؤية الآن يمكن أن يزودنا بأساس للعمل سوية، أو على الأقل عدم العمل ضد لاعبين خارجيين رئيسيين آخرين في النزاع، بما في ذلك روسيا وتركيا ودول الخليج والعراق. (ولا أدعي أن من الواقعية التعاون مع إيران -فتلك ستكون مفاجأة تحظى بالترحيب، لكنها ليست مفاجأة رئيسة، إذا ثبت أنها أصبحت واقع الحال).
من المؤكد أن التدخل الروسي في هذه الحرب لم يكن مدفوعاً بدوافع حسنة النية ومفيدة تماماً. فعلى المدى القصير، جعل هذا التدخل الأمور أكثر تعقيداً بكثير. لكننا إذا استخدمنا هذه المناسبة للاعتراف بأن الاستراتيجية الغربية الراهنة فاشلة تماماً في سورية، فإننا ربما نكون قادرين على إيجاد مسار أفضل للأمام، والذي يعثر في نهاية المطاف على المزيد من نقاط الاتفاق بدلاً من عدم الاتفاق بين موسكو وواشنطن -والأكثر أهمية أن يتماشى ذلك على نحو أكثر واقعية مع الوقائع الراهنة للسلطة والسياسة في داخل هذه الأرض الكئيبة.

*زميل رفيع في معهد بروكينغز، وهو عضو في مبادرة الأمن الأفريقية ومؤلف الكتاب الجديد: مستقبل حرب الأرض.
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان:America and Russia in Syria: Superpower Showdown or Opportunity ؟

abdrahaman.alhuseini@alghad.jo