Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    29-Nov-2019

قراءة في كتاب «أحمد بن قاسم الحجري الأندلسي/ أفوقاي»

 الدستور-ماجد ذيب غنما

هذا الكتاب للدكتورة رشأ الخطيب هو دراسة تاريخية لسيرة أحمد بن قاسم الحجري الأندلسي «أفوقاي» الشخصية الأندلسية الموريسكية، المترجم والرحالة والسفير الذي عاش في المرحلة التاريخية الحرجة والمؤلمة التي اعقبت سقوط غرناطة وانحسار الحكم العربي عن الأندلس، والكتاب محاولة جادة لملء فجوة في المكتبة العربية حول هذه الشخصية الموريسكية الشهيرة .
يضم الكتاب فصولا متعددة من سيرة أحمد بن قاسم ومصادر دراسته ومنزلته في تاريخ الاستشراق وعن ثقافته ونشاطاته العلمية والجدلية وعن أعماله العربية التي تعد تمثيلاً للنشر الموريسكي العربي.
احمد بن قاسم هو اكثر الشخصيات الموريسكية شهرة بين الباحثين اليوم، وقد عرفه المغاربة باسم الشهاب وعرفه الإسبان باسم بيجيرانه وهو الاسم الذي عُرف به في اسبانيا؛ إذ اضطر الموريسكيون إلى ان يحملوا اسماء اسبانية يعرفون بها بين الناس إلى جانب اسمائهم العربية التي كانوا يتعارفون بها فيما بينهم في الخفاء من السلطات الاسبانية بعد القرارات الملكية الاسبانية التي صدرت وكانت تمنعهم من استعمال اللغة العربية والمظاهر الاسلامية كالأزياء والاسماء وغيرهما.
تذكر المؤلفة في كتابها أن احمد بن قاسم الحجري ولد في قرية من قرى غرناطة اسمها الحجر الاحمر التي ينتسب إليها، ونشأ في الاندلس وعانى ما عانى منه الموريسكيون بعد نحو قرن من سقوط غرناطة. وقد تنقل في عدد من المدن منها اشبيلية ومدريد وغرناطة ثم رحل مهاجراً بدينه كما تقول المؤلفة إلى المغرب على الرغم من مكانته عند الاسبان وذلك عام 1598م -1007هجرية.
بعد وصوله إلى المغرب وكان في الثلاثين من عمره تزوج من ابنة أحد قادة ثورة البشرات وله من الأولاد ولدان وبنتان، وقد عمل في الترجمة في بلاط السلطان المغربي بعد استقراره في مراكش زمناً طويلاً من العام 1598 وحتى عام 1636 ميلادية. وكان ابرز حدث له في تلك المرحلة من حياته سفارته لنحو سنتين عن السلطان المغربي إلى فرنسا وهولندا بصفته ترجماناً في بلاطه وبصفته اندلسياً يفصل في قضية نهب حوائج للموريسكين تعرضوا لها من بعض السفن الفرنسية.
 وقد التقى اثناء رحلاته في اوروبا إلى جانب مهمته الرئيسية لاسترجاع حقوق الموريسكيين المنهوبة، ببعض العلماء والمستشرقين الأوروبيين وجرت له معهم مناظرات ومحاورات دينية كانت مثار اعجاب من استمعوا إليه، وقد ذهب الحجري سفيراً في هذه الرحلة برفقة خمسة رجال من الأندلسيين المنهوبة حوائجهم من أهل الخير والدين كما يقول والتقى بأحد أمراء هولندا في مدينة لاهاي الذي منح كلا منهم توصية خاصة للسفر وهدايا فاخرة حتى تمت عودتهم إلى المغرب بأمان.
بعد ذلك شد الرحال إلى الحرمين الشريفين سنة 1046 وتوقف في طريق عودته إلى المغرب بمصر والتقى بعلمائها من الازهر ومنهم شيخ المالكية الذي اشار عليه بتدوين رحلاته، وبعد اقامة فترة في مصر ارتحل إلى تونس التي استقر فيها كثير من الموريسكيين الذين اتخذوها موطناً جديداً لهم، وتنقطع اخباره بعد هذا التاريخ وعمره قد تجاوز السبعين.
 من آثار احمد بن قاسم الحجري الاندلسي – أفوقاي – الباقية مختصر رحلته السفارية التي قام بها إلى فرنسا وهولندا 1611-1613 وسماها ناصر الدين على القوم الظالمين، والترجمة العربية التي قام بها لكتاب «في فن المدفعية» وبجانبها بعض رسائل شخصية له تكشف للقارئ صورة من اعمال الحجري بخط يده ونصوصا حية باقية من نثر ذلك العصر.
ولا يعرف باي مكان مات أو دفن، وعلى الارجح أن ذلك كان بتونس التي استقر بها آخر ايامه ووصفها بأنها (مطهر الغرباء) وذلك في رسالته التي وجهها في آيار 1615م من باريس للموريسكيين في القسطنطينية كتب فيها أنه في كل الاوقات وبأي حال من الاحوال وحتى اليوم تونس هي افضل مستقر للأمة، وتقول المؤلفة أنه يقصدأمة الأندلسيين المهجرين من بلادهم.
ما ذكرته سابقا عن احمد بن قاسم هو غيض من فيض، وعلى من يرغب بالمزيد من المعلومات والحقائق عن هذا الرجل وسيرته عليه أن يعود إلى فصول الكتاب: الفصل الأول بعنوان (احمد بن قاسم الحجري أفوقاي الأندلسي في الدراسات العربية والغربية) والثاني بعنوان (منزلة أحمد بن قاسم الحجري في تاريخ الاستشراق) والثالث بعنوان (ثقافة احمد بن قاسم الحجري أفوقاي الاندلسي من رحلته) والرابع بعنوان (من النثر العربي الموريسكي) وذلك لأن المقال والمجال لا يتسعان لذكر ذلك كله في هذه الكلمة.
بقيت ملاحظتان الأولى ان كلمة الموريسكي وتعني المسلم هو الاسم الذي صار يطلق على مسلمي الاندلس الذين آثروا البقاء وعدم الرحيل بعد سقوط غرناطة.
والملاحظة الثانية ان كلمة أفوقاي التي عرف بها احمد بن قاسم تعني بالإسبانية المحامي، وهنا نكتشف ان احمد بن قاسم الحجري الاندلسي هو اول محام عربي في تاريخنا الحديث ولعل من واجب اتحاد المحامين العرب ان يقيم له نصباً تذكارياً كأول محام عربي.
والجدير بالذكر أن كتاب الدكتورة رشأ الخطيب هذا حائز على جائزة ابن بطوطة للدراسات لعامي 2017-2018م في أدب الرحلة، وهو جهد وعمل رائع وإسهام في كشف بعض الجوانب الخافية من تاريخ الاندلس، ومحاولة ممتازة لإعطاء أكمل صورة ممكنة لافوقاي المحامي العربي رقم «1» كمثقف اندلسي من طراز خاص، وكل هذه أعمال رائعة تستحق المؤلفة الفاضلة عنها كل تقدير وثناء.