Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    12-Jan-2020

رحيل باني عُمان*زياد الرباعي

 الراي

قلة هم القادة الذي تقترن نهضة بلادهم بأسمائهم، وقلة من البشر يبذلون الغالي والنفيس، بل يضحون حتى الرمق الاخير من عمرهم لصالح ومستقبل بلادهم.
 
هذا هو السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، فقد امضى 50 عاما لبناء عُمان، انسانا وعمرانا ونظاما ودولة واقتصادا وفنا، ونقلها الى عصر الحداثة، علما وادارة ومؤسسات، بل واعاد لها ماضيها التليد وعراقة حضارتها عبر التاريخ، بروح تحاكي التقدم، بعد ركود نال منها، الى ان جاءت النهضة عام 1970 على يد السلطان قابوس، فرسخ قوام الدولة على العلم والادارة والقانون، فجال ابناء عُمان في مختلف دول العالم يطلبون المعرفة والخبرة، ما مكنهم من بناء دولة حديثة يشار لها بالبنان، فمن خير عُمان اقيمت المدن وصروح العلم والصناعة، وسخر ?روات بلاده لتنمية وطنه، ونأى بالسلطنة عن حروب الاخرين، وتوترات الاقليم الملتهب، بل كان جامعا للاضداد، وممهدا لحل الخلاف الاميركي الايراني حول الملف النووي، وعاملا جادا من أجل السلام والتصالح بين العرب وغيرهم، دارا للفتنة والانغماس في متاهات الدمار التي لا تبقي خيرا للشعوب، ولا مستقبلا للاجيال القادمة.
 
السلطان الراحل لم يتدخل في شؤون الأخرين، بل كان متسامحا معهم، ولم يتوقف عند الأخطاء، بل واجه المعضلات بالحكمة، ولغة المنطق والحوار، بعيدا عن علو الصوت وضجيج الاعلام، فالهدوء والسكينة طبعا وجه عُمان، لتكون بؤرة استقطاب لطالبي العون السياسي لفرقاء اليمن بالتحديد، وكان لخارجيتها جولات صامتة بين العديد من اطراف النزاع والصراع في المنطقة في العراق وسوريا ولبنان، ولم تغلق مسقط ابوابها يوما في وجه مساعي الخير لتقريب وجهات النظر، أو من ضاقت بهم ويلات الحروب، طالبين السلام والطمأنينة، ولم تذهب لمقاطعة أي نظام عربي،?لأن التواصل في نظر قابوس خير من أي قطيعة ولأي سبب.
 
الايادي الخيرة للسلطان الراحل لم تتوقف على بناء عُمان، بل امتدت للدول العربية والاسلامية، وذاكرة الاردن واسعة في هذا المجال، ولم يكن دور عُمان وخاصة في اليمن وغيرها عبر تاريخها الحديث، إلا مسح الجروح واغاثة الملهوف، فعمل السلطان وبتوجيهات منه، على مد اليد اليمنى لليمن بالتحديد، فعلى حدود اليمن يقدم الغذاء والدواء والكساء والوقود بعيدا عن كاميرات التصوير، فجل عطاء قابوس ستظهره الايام ولن تنساه الاجيال العُمانية مدى الحياة، فمن ينسى أباه وأخاه وصانع المجد والمستقبل له.
 
من وصية قابوس نقرأ حكمة ستبقى متداولة طيلة العصر العُماني والعربي الحديث، فخليفته جاء بوصية، ومباركة من مجلس الدفاع الاعلى بقوامه من عسكريين وقضاة المحاكم العليا ومجلس العائلة بحسب نظام الحكم، درا لأي خلاف، وصونا للدولة، وزيادة للتعاضد بين مكوناتها، للحفاظ على الانجاز والتطلع للمستقبل بأمل.
 
رحم الله قابوس باني عُمان الحديثة.