Saturday 20th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    18-Oct-2020

الروائي جلال برجس: الحكايات تروى في كل مكان والمبدع من يقولها بأدوات ورؤى جديدة

 الدستور– نضال برقان

 
يذهب الروائي الأردني جلال برجس إلى أنه لا يدخل «معترك رواية من غير أن يكون المكان بطلًا يشير إلى الأبطال الآخرين»، مؤكدا أن الرواية ما عادت «مرفأ للاستجمام الفكري والخلاص من القلق..»، وأننا تجاوزنا «على صعيد الرواية العربية، من حيث النسق الزمني، مرحلة ما بعد الحداثة، لكن من دون علامات عربية فارقة في المنتج الجديد».
 
برجس نفسه أصدر حديثا روايته «دفاتر الورّاق، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وقد كتب الشعر والقصة وأدب المكان قبل أن يتجه إلى كتابة الرواية، كما عمل في الصحافة الأردنية لعدد من السنين وترأس عددا من الهيئات الثقافية، وهو الآن رئيس مختبر السرديات الأردني، ومُعد ومقدم برنامج إذاعي بعنوان (بيت الرواية). صدر له في أدب المكان «شبابيك مادبا تحرس القدس» (2017)، و»حكايات المقهى العتيق» رواية مشتركة (2019). ونال عن روايته «مقصلة الحالم» (2013) جائزة رفقة دودين للإبداع السردي عام 2014، وعن روايته «أفاعي النار» (في فئة الرواية غير المنشورة) جائزة كتارا للرواية العربية (2015)، وأصدرتها هيئة الجائزة في عام (2016). وصلت روايته «سيدات الحواس الخمس» إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (2019).
 
الحوار الآتي يقدم إضاءة حول تجربة برجس الإبداعية بمناسبة صدور روايته الجديدة «دفاتر الورّاق».
 
* رواية جديدة تحلق بنا في فضاءات معرفية جديدة، من خلال توليفة خاصة على صعيد السرد وأدواته، تواصل من خلالها التقدم في عالم الرواية العربية بثبات، وهو ما يحيلني إلى السؤال حول مفهومك للتجديد في الرواية، ترى ما الذي تهجس به، على صعيد الأدوات الفنية والأسلوبية، قبل الشروع ببداية عمل جديد؟
 
- على صعيد الرواية عربيًا تجاوزنا من حيث النسق الزمني مرحلة ما بعد الحداثة لكن من دون علامات عربية فارقة في الجديد، وها نحن الآن نعيش أخطر ما أفرزته هذه المرحلة حيث مركزية الفرد التي نتج عن جانبها الإيجابي خطوات جادة نحو رواية عربية تخرج من عباءة الكلاسيك، هذا الكلاسيك الذي ما يزال طيف من الكتاب ينتمون إليه، لكن بعض تلك الخطوات كانت متعجلة أكثر مما ينبغي بحيث أغفل شرط حداثة قاعدة التلقي، وانصب الاهتمام على المُتَلَقى فحدثت الفجوة. في الوقت ذاته خرج الآخر صاحب السبق في الرواية من مسارات الواقعية السحرية، ومسارات روائية أخرى بينما ما زال بعضنا مرتهنا لها. هذا الانشغال الذهني السردي هو ما دفعني لاستعارة زاوية من زوايا روح ألف ليلة وليلة وترسيخها كبعد رابع لفكرة السرد والمسرود، بحيث تتقاطع اللحظة الفائتة باللحظة الآنية ذهابًا إلى اللحظة المستقبلية. الحكايات تروى في البيوت، والمقاهي، وحتى على قارعة الطرق، لكن تكرار أدوات قولها بالأدوات والرؤى ذاتها لن يكون إلا دوران في حلقة مفرغة من هنا أحاول أن أقول شيئًا جديدًا وبطريقة جديدة.
 
* تتحرك الرواية، على صعيد المكان، في ثلاثة أماكن رئيسة، هي: مادبا، وعمّان، وروسيا، وهو ما يعكس ارتباطك بمكانك الخاص (مادبا) بشكل دافئ وحميم، مع الانفتاح على العالم أجمع، ترى ماذا يعني لك المكان روائيا؟
 
- كيف للطائر لو استنطقناه روائيًا أن يعبر عن غبطته بدفء العش وعن البرد الذي يهدده، وعن يد تنوي تقويضه من دون أن يحكي عن ذلك العش؟ لو راجعنا معظم أفعال الإنسان منذ بدء الخليقة سنجد أنه ككيان تتنازعه غرائز متناقضة تهدد المكان مثلما تهدد الإنسان وزمانه فكيف لنص أدبي أن يستوي من دون المكان، كروائي لا يمكن لي أن أدخل معترك رواية من غير أن يكون المكان بطلًا يشير إلى الأبطال الآخرين. في (دفاتر الوراق) يحل الجفاف قرب مادبا عام 1947 من هنا تأتي الضرورة الروائي في أن نجعل القارئ يشعر أنه جزء من هذا الجفاف وعنصر متحرك فيه، وهذا لا يتأتى إلا باستدعاء المكان بكل عناصره.
 
* في الرواية ثمّة أجيال متعددة، يمثل (جادالله) فيها الجيل الثاني، جيل الآباء (آبائنا نحن ربما)، بيد أن حياة جادالله تنتهي بطريقة مأساوية، بعد إخفاقات متعددة ومركبة، سياسيا واجتماعيا، ترى لماذا أخفق ذلك الجيل ولم يستطع أن يحقق (نجاحا) ما، هنا أو هناك؟
 
- جاد الله في هذه الرواية معادل موضوعي للجيل الذي شهد خسارات على مختلف الصعد، وأمام هذه الخسارات أحلام كبيرة قادتهم إلى المغامرة وهذا ديدن الإنسان الحر، وأي مغامرة هي بالتالي فعل محفوف بعوامل النجاح والفشل. لقد كان ذلك الجيل آنذاك خارجًا من حقب زمنية إشكالية ومعقدة فيها (انتهاء الدولة الإسلامية، الاستعمار العثماني، استعمار ما بعد الحرب العالمية الثانية ) وبالتالي يمكننا القول إن مرحلة من الفراغ قد فرضت نفسها؛ إذ تصارعت الأقطاب (اليساري، القومي، الإسلامي) بوعي متوتر إزاء حالة خطيرة من الضعف فسارعت أقطاب دولية لملء هذا الفراغ؛ إذ تهشمت أحلام ذلك الجيل.
 
* يفقد (إبراهيم الورّاق) كشك والده، بعد أن تمت مصادرته من قبل (إياد)، المتنفذ، لبناء متجر مكانه. ثمة دلالة عميقة لهذه المقابلة بين الرجلين، في الراهن المعيش، ترى كيف تقرأ هذا المقابلة، وما الذي يمكن أن تفضي إليه؟
 
- إنه صراع المثقف مع من يريد أن يحول كل شيء إلى سلعة وسوق مع تجاوز كل الاعتبارات الإنسانية. العالم يمر بأزمة خطيرة تجري فيها الآن مراجعات علنية وسرية للنظام السائد عالميًا إلى أين يمضي؟ ما هي إمكانية الخروج من أزمته هذه وبالتالي إطالة عمره؟ وإن كان هناك طريق جديدة كيف شكلها؟ كل ذلك بهدف تفادي لحظة الانفجار العالمية التي يمكن أن تحدث في أي وقت. دعني أقول إن الصراع بين إبراهيم الوراق وإياد نبيل صراع حتمي لكن إلى ماذا يفضي ومتى يفضي فهذا مسألة أكثر إشكالية يصعب التنبؤ بغدها.
 
* تواصل، عبر الرواية، مواجهتك مع الظلم، والفساد، وهي مواجهة خضت جولات منها في رواياتك السابقة، ترى ألم تملّ؟ ألم تتعب؟ هل ما زلت مؤمنا بإمكانية أن تحقق الوجدانيات والمشاعر النبيلة (نصر ما) في مواجهة الماديات؟
 
- ما عادت الرواية مرفأ للاستجمام الفكري والخلاص من القلق؛ لهذا ما نفع الروائي إن ملَّ من مقاربة فضاء عيش الإنسان. على الصعيد الشخصي ما زلت أكتب وسأبقى، ومن جانب آخر ما الذي يتبقى من الإنسان إن جفت وجدانياته، إنها المستهدفة، وإنها الوسيلة ذاتها للحفاظ عليها.
 
* للمرأة وشجونها وشؤونها نصيب وافر من الرواية، ليس ابتداء من «ليلى» تلك الفتاة مجهولة النسب، التي عاشت طفولتها وصباها في الملجأ لم تسلم فيه من التحرش من قبل المشرفة عليها «رناد»، ولم يمنعها تنكرها بزي الرجل من التعرض للتحرش خارجه، وليس انتهاء بوقوفك عند مصطلح (جرائم الشرف)، وتلك الفتاة التي كانت على علاقة بزميلها في الجامعة فقام شقيقها بذبحها في الشارع متباهيا بأنه غسل عاره..، ترى لماذا كل هذا الاهتمام منك، بوصفك روائي، بالمرأة وعوالمها؟
 
- في دفاتر الوراق أكثر من نموذج للمرأة واحد للمقهورة، وآخر لمن تجاوزت محنتها، ونموذج للمرأة التي خرجت على كل ما يعيق آليات تفكيرها، وأؤكد هنا على حرية التفكير لا الحركة لأن هذه الأخيرة باتت غطاء مخادعًا لحالة خطيرة من القمع. في هذه الرواية أعود إلى أسباب الأزمات التي تعصف بنا؛ فامرأة مقهورة تربي أولادًا مقهورين سيفشلون اجتماعيًا وثقافيًا وسياسيًا، هنا تتطرق الرواية إلى البناء الكلي للحياة وتستعرضها كصورة شاملة قدر المستطاع والمرأة عنصر رئيس في هذه الصورة التي نحلم بأن تكون على قدر عال من البهاء والسلامة الحياتية.