Thursday 18th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    24-Feb-2017

"أفي الله شك"؟ - أ. د. محمد خازر المجالي
 
الغد- تمر ببعض الناس مشاعر وأحوال يتأثر من خلالها ببعض الوساوس من شياطين الجن والإنس، مفادها في النهاية أن: هل الله موجود؟ وهل لو كان موجودا، فإن له مطلق الطاعة والانقياد؟ وكيف كان الخلق؟ وأين كان الله من قبل؟ وهكذا سلسلة من التساؤلات يحق للإنسان أن يسأل عنها استعلاما واستفهاما، لا إنكارا واستهزاءً وتكبرا.
هذا العنوان جملة من آية في سورة إبراهيم عليه السلام، قصت الآيات قبلها فحوى رسالة كل نبي؛ وهي هداية الناس إلى الخير والهدى، وهذا النبي على وجه التحديد (محمد صلى الله عليه وسلم) الذي أُنزل عليه القرآن ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، وبعد المقدمة تعريض بالذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، ويصدون عن سبيل الله، فهم بذلك متكبرون عادون. ويبين الله تعالى وضوح الرسائل، فما أرسل رسولا إلا بلسان قومه ليبين لهم، وفي هذا درس للدعاة بضرورة أن تكون الدعوة واضحة.
بعدها يشرع النص في الحديث عن جانب من قصة موسى عليه السلام مع قومه، ومهمته في هدايتهم وتذكيرهم بأيّام الله ونعمه عليهم، وصريح الحديث بأن الله غني عن العالمين، ليس بحاجة إليهم، وتذكير بالأنبياء وأقوامهم العتاة من قبل، حين جاءتهم رسلهم بالبينات، فتكبروا وكذبوا وكفروا بالرسالة، وزادوا الأمر تعقيدا بأنهم في شك من الأمر. وهذه الأخيرة تنبئ عن أن القوم يريدون الهداية، ولكنهم في شك مريب من الرسالة، حينها قال الله: "قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ" (إبراهيم، الآية 10).
عبّر القوم صراحة بأنهم يشكّون في الرسالة والرسل، مع أن الرسل مؤيَّدون بالمعجزات الباهرات التي لا تدع مجالا للشك أبدا. فالرسول من قومه، ومعروف لديهم، فما معنى أن يأتي بشيء (آية) يعجز الباقون جميعا عن الإتيان بمثلها؟! لا بد أنه مؤيَّد من عند الله تعالى، وهي دليل قطعي على أن الرسول –أي رسول- صادق فيما يدعو القوم إليه من عبادة لله وحده، ولكنها المصالح التي تقود المنكرين إلى الكفر والتكبر، وليت الأمر ينتهي هنا، بل يتعداه إلى المعاداة والتنكيل بالرسل وأتباعهم.
وأود أن أركز على ما أجاب به سبحانه هؤلاء حين أعلنوا شكّهم المريب في الرسل والرسالة، فقال الله لهم: أفي الله شك؟ وهنا وقفة، فلم يقل سبحانه أفي الرسل والرسالات شك؟ لأن الأمر بمجرد وقوعه دعوة لعبادة الله تعالى وتوحيده فهو شأنه تعالى، وهو المُرسِل والمؤيِّد للرسول بمعجزته، فجعل الشك فيهم شكا فيه سبحانه، وفي هذا من التعظيم للرسل ورسالاتهم ما فيه. ثم يخبر سبحانه عن نفسه بأنه فاطر السماوات والأرض، وهي دعوة للإنسان أن ينظر في ملكوت الله تعالى، ويتفكر بعد ذلك، فمن خلق هذا الكون؟ أيعقل أنه وُجد صدفة؟ أو أنه أوجد نفسه بنفسه؟ أم أن منطق الأشياء يتحدث أن له موجدا؟ ومن سيكون هذا الذي أوجد هذا الكون والأجزاء العظيمة والدقيقة وقدّر الأمور وأتقنها إلا الله؟!
وبين سبحانه في الرد أنه فاطر السماوات والأرض يدعونا ليغفر لنا من ذنوبنا، فهي المغفرة والرحمة، ودعوة للإنسان أن يتواضع قليلا ويتفكر، فلا بد من وجود إله، وقد فُطِر الإنسان على ذلك، وما عليه إلا أن يتعرف أكثر على خالقه الرحيم به، ولا يتكبر ويعاند من أجل مصالح آنية وبعدها هو راحل عن الدنيا كلها، فكل نفس ذائقة الموت، وكلنا مبعوث موقوف بين يدي الله تعالى في يوم لا ريب فيه.
والعجيب من رد هؤلاء أنهم يستغربون كون الرسل بشرا! وقد بين الله في موضع آخر أن الرسل من اختياره تعالى، والعبرة في الرسالة نفسها، هل هي صحيحة أم خطأ؟ ولينصرف الاهتمام إلى طبيعة المعجزة أيضا، فإن جمعنا بين الرسل وأنهم في العادة من أعلى أقوامهم شرفا ونسبا، والرسالة التي هي واضحة فيها الهدى والنور، والمعجزة التي هي دليل عملي واضح على صدق الرسول، حينها لا يعاند ويكفر إلا أصحاب الأهواء والمصالح، فيلجأون إلى التهديد والوعيد والتنكيل، وهي حجة المفلس.
وزاد القوم المسألة تعقيدا حين جلبوا إلى الذاكرة أن ما يعبدونه هو دين الآباء والأجداد، وهؤلاء الرسل معتدون حين يصدون القوم عن عبادة ما يعبد الآباء، وهذا أمر متكرر في خطاب الأقوام لرسلهم، والله تعالى يلفت أنظارنا إلى حقيقة ما يحدثه الناس عبر التاريخ من تشويه للرسالة حتى يكون الانحراف، وهنا تكون ضرورة إرسال رسول جديد ليستمر الخير والهدى، وليقيم الله الحجّةَ على الناس.
وتطلب الأقوام أن يأتيهم الرسل بسلطان مبين، وهنا أجاب الرسل بأنهم بشر، والأمر بيد الله تعالى، ومع ذلك فالأقوام في غالبهم لم يؤمنوا، بل ناصبوا الرسل وأتباعهم العداء، وهذا ما عبّر عنه النص: "... وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا..." (إبراهيم، الآية 12)، و"وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ" (إبراهيم، الآيتان 13 و14). وهي بشرى من الله تعالى لعباده المؤمنين بالنصر بعد الصبر والأخذ بالأسباب، فلن يضيع الله عباده المؤمنين أبدا.
هي حماقة الكفر وأتباعه في أساليبهم وانغلاقهم على أنفسهم وغوغائيتهم. وفي المقابل، لا بد من ضرورة الوعي والصبر والأخذ بالأسباب الصحيحة عند المؤمنين، فصراع الحق والباطل قديم ولن ينتهي، ولئن شك القوم في الله خالقا وهاديا وواحدا، فلا نريد للمسلمين أن يكون عندهم شعور الشك بالله ناصرا وهاديا، ولا الشك في المنهج والتشريع، فعلينا العمل مع الإيمان، بثقة كاملة بالله تعالى، وهو حسبنا ونعم الوكيل.