الراي - أعادتني مقالة الزميل عصام قضماني» ما الذي تغير فينا» المنشورة في الرأي الى 2019 /1 /11 الجمعة الماضي بشبابه ومجاييله ومعطياته، واثارت امامي شجونا من الذكريات العطرة في الزمن المذاب، وأيقنت أنّ الماضي بتجلياته وبساطته وجماله كان مفخرة بكل معطياته ونواتجه، وتعالوا معي نتصفح شيئا من زواياه لكي نلتقي معه بِما أشار اليه من ايّام كانت وتغيرت، وهنا أعود بالذاكرة الى عام 1968 حينما أقامت بلدية عجلون احتفالا فنيا مهيبا تحت رعاية رئيس البلدية المرحوم سالم القضاة، وشارك فيه عدد كبير من الفنانين على رأسهم الفنانة هيام يونس، تسلقنا الاشجار يومها لكي نراها وهي تغني، حضر الاحتفال معظم اهالي عجلون؛ الرجال والنساء والشباب والأطفال، يومها كان الناس يعيشون في أجواء العائلة الواحدة، لا فرق بينهم في دين أو معتقد أو نسب أو عائلة كلهم واحد، ولا أنسى حالة الفرح التي كانت تغمر الوجوه، كنّا أطفالا ننظر الى المستقبل بعيون المحبة والشوق الى الحياة، لا أنسى الجيران الذين تربينا معهم على حسن الجيرة والاخوة؛ مسلمين ومسيحيين، لا فرق بينهم، كنّا أسرة واحدة في كل حارة، ولا أنسى في ذلك الزمن تلك العادات الجميلة والقيم النبيلة التي تحافظ على خصوصيات الناس وشرفهم وأعراضهم وعلاقاتهم وإحساسهم ببعضهم بعضا، كانوا في الأفراح والأتراح والزراعة ومواسم القطاف والحصاد والعمل يدا بيد، لا يتأففون ولا يكذبون ولا يغيبون عن بعضهم، يتناوبون الزيارات ويردونها دون مواعيد، ولا يتبرمون أو يتثاقلون من ذلك، ولا أنسى المدرسة وتقاليدها وهيبة المعلم وصرامته وحزمه وانتظامه في الساحة وغرفة التدريس، كان اذا سار في الطريق يهرب الطلبة ولا ترى لهم أي اثر، لن أنسى كيف كانت التربية تسبق التعليم، وكيف كان العقاب والثواب والحضور والغياب، كانت المدرسة تشتعل حياة واحتراما هكذا كنّا. كانت تلك الأيام أيام صفاء ووداد، وحياة الناس صبر ورضا، كان الناس رغم الفقر والجوع لا يشكون فقرهم ولا يأخذون حقوق غيرهم، وإذا ما هلّ الشتاء تقف من بعيد تتأمل البيوت في الصباح فترى أعمدة الدخان تتصاعد من مدافئهم، وحين يحل المساء تجد الجميع يتحلقون حول كوانينهم في بيوته، ما أقساها من ايّام وما أبسطها، أعراسهم فرح حقيقي وأحزانهم ايّام تتالى في بيوت العزاء، يكرمون بعضهم رغم قلة الامكانات، ولا ينتظرون ذلك، هكذا كنّا؛ ولكن ما الذي تغير فينا؟