Friday 29th of March 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    23-Apr-2019

مع الحرية والتغيير السوداني*حمادة فراعنة

 الدستور-لا يختلف عمر البشير عن جمال عبد الناصر وهواري بومدين وصدام حسين وحافظ الأسد ومعمر القذافي، باستثناء أنه ينتمي للتيار الإسلامي، فكرة وأسلوباً واستعمالاً وتوظيفاً، بينما ينتمي أغلبية أقرانه لخيارات التيار القومي، وهذا يعود لخصوصية السودان وقوة انتشار الخيار الإسلامي وتجذره عندهم، وتعددية أحزابه وتنوعها وأغلب مرجعياتها الفكرية الإسلام، رغم قوة الحزب الشيوعي والبعثيين . 

عبد الناصر وبومدين وصدام والأسد والقذافي ومعهم البشير، جسدوا الطموح الوطني والقومي، وحملوا شعاراتها وأخلصوا لها، ولهذا تعرضوا للحصار والإفقار والمؤامرات الإسرائيلية والأميركية، ونالت منهم أو من بعضهم، ولكنهم بدلاً من مواجهتها بالوحدة الوطنية، واحترام التعددية، وتعزيز فرص الشراكة، وتوسيع قاعدة النظام والحكم، غرقوا بأمراض الفردية والأنانية والأحادية والشعور بالعظمة، فوقعوا في العزلة وضيق المساحة وضعف الخيار، محاطون بالانتهازيين، وربما بالمدسوسين المرتبطين الذين عززوا لديهم الأنانية الفردية، وإطلاق أوصاف العباقرة، وقادة ملاذ شعوبهم وأمتهم، فكبرت الفجوة بينهم وبين شعوبهم حتى باتوا فاقدي المصداقية ما بين بريق القول والرغبة، وبين تدني الفعل والعمل . 
وهذا يعود لعدة أسباب : 
أولاً : لأنهم عسكر، وثقافتهم وتربيتهم وخبراتهم وسلوكهم تعتمد على تلقي التعليمات وإصدارها، وطالما هم القادة، فاقتصر أداءهم على إصدار الأوامر ومطالبة القواعد تنفيذ التعليمات . 
ثانياً : لأن خبراتهم السياسية محدودة، وانتمائهم الحزبي محدود باستثناء صدام حسين، والحزبي يتحلى بالعمل الجماعي، وهم ليسوا كذلك، فوقعوا في خيارات الفردية والأنانية، بغياب مؤسسات العمل الجماعي، ورفض المعارضة وعدم الاستماع لها، وإن لجأوا لتشكيل أحزاباً صورية .
ثالثاً : لأنهم عسكر وغير حزبيين، وغير جبهويين، وغير وحدويين، وأحاديي النظرة العبقرية، وتعالي التفكير، والخيار المنفرد، والرؤية من طرف واحد، إتخذوا قرارات وإجراءات ضد الأخر وعاملوه باعتباره عدواً متأمراً، فبطشوا بخصومهم، وتحولوا إلى قتلة، وتحولت شعاراتهم إلى وظيفة يتم استعمالها للتغطية ومواصلة البقاء في الحكم والسلطة . 
رابعاً : وبسبب الحصارات التي تعرضوا لها وللمؤامرات التي استنزفت قدراتهم وامكانياتهم وبسبب ضيق خياراتهم، أخفقت برامجهم للتنمية، وإختلاق الحروب البينية بينهم ومعهم، فاضطروا لتقديم التنازلات للأجنبي بدلاً من تحصين جبهاتهم الداخلية بالوحدة الوطنية، وفشلوا في معالجة القضايا القومية للمواطنين الكرد والأمازيغ والأفارقة، التي غذتها التدخلات الأجنبية لتقويض أنظمتهم، بدلاً من معاملة الآخر القومي أو الديني معاملة المواطنة كما يستحقها . 
لقد رحل عبد الناصر وسيناء محتلة، ورحل الأسد والجولان التي احتُلت في عهده ولا زالت محتلة، ورحل صدام حسين والعراق كله مُحتل من الأميركيين، ووقع تحت النفوذ الإيراني، ورحل عمر البشير ولم يتمكن خلال الثلاثين سنة التي قضاها في الحكم الحفاظ على خارطة السودان موحداً فوقع انفصال الجنوب في عهده، فرحلوا ومعهم الإخفاق وعدم القدرة على تحقيق ما جاءوا وحكموا لأجله . 
لقد تعرفت على الرئيس عمر البشير في وقت مبكر بعد نجاح انقلابهم في حزيران 1989، حين كنت مرافقاً للرئيس الراحل ياسر عرفات في زيارة عمل للخرطوم، وكنا في منزله حينما شكى للرئيس أبو عمار من تأثير الحصار السياسي والإعلامي على السودان، فوعده أبو عمار بالمساعدة، ووقع الاختيار عليّ للقيام بالمهمة، فعملت مع قادة « ثورة الإنقاذ « بناء على توصية أبو عمار وتعليماته، بعد أن تفهم طلب البشير واستجاب له .  
وهكذا عملت مع الرئيس عمر البشير وطاقم مكتبه، ومع الشيخ حسن الترابي ورفاقه، ومع قياداتهم السياسية، وأول ما عملنا لأجله إنجاح فكرة عقد المؤتمر الشعبي القومي الإسلامي الذي التئم في نيسان 1991 بالخرطوم رداً على احتلال العراق وخلق جبهة شعبية قومية لمواجهة الأمريكيين وأدواتهم، وجمع العديد من القيادات العربية من الاتجاهات الإسلامية والقومية واليسارية وأبرزها جورج حبش ونايف حواتمة وقادة الأحزاب العربية من الأردن ( سليمان عرار وعبد اللطيف عربيات وسالم النحاس ) ومن اليمن والعراق ومصر والجزائر وتونس راشد الغنوشي، ومن الجزائر جبهة التحرير الوطني وقادة الإنقاذ . 
وعملت في مهمة المساهمة في كسر الحصار السياسي والإعلامي عن السودان، فلم أترك حزباً أردنياً ولا شخصية سياسية إلا ووفرت له دعوة ومرافقته، ولم أترك صحفياً إلا دعوته من طارق مصاروة وصالح القلاب وطاهر العدوان وفيصل الشبول وجهاد المومني وعصام قضماني وسلطان الحطاب وغيرهم العشرات . 
كان رجائي للقيادة السودانية إطلاق سراح المعتقلين، من القوميين واليساريين، وهذا ما حصل فعلاً عندما تم عقد الدورة الأولى للمؤتمر الشعبي القومي الإسلامي، وانتقل من الاعتقال إلى الإقامة الجبرية كل من الصادق المهدي رئيس حزب الأمة وإبراهيم نُقد أمين عام الحزب الشيوعي السوداني، ورجوت القيادة السودانية حتى لا أقول اشترطت عليهم لمواصلة مهمتي العمل على إطلاق سراحهم، وقد سمحوا لي كمقدمة لذلك زيارة الاثنين رغم ما هم فيه من إقامة جبرية، فكانت زيارتي إلى الصادق المهدي ومعي طاهر العدوان وسلطان الحطاب، وكانت زيارتي إلى الشيوعي إبراهيم نُقد ومعي جميل النمري وإبراهيم العبسي . 
لم يظهر على عبد الناصر وبومدين والأسد وصدام مظاهر الفحش والثراء والفساد، وكذلك عمر البشير فقد كانوا أوفياء لقضيتهم ولكن فرديتهم وتسلطهم أعماهم، وهُزموا أمام أعداء العراق والسودان وسوريا وليبيا ومصر، وفشلوا في حماية بلادهم من المؤامرات والفقر والتسلط والاحتلال وهكذا غابوا بلا نتائج عملية ملموسة مبشرة نحو المستقبل . 
مرحلة العسكر إنتهت، ولن تعود، حتى لو نجح أحدهم بعد الربيع العربي، للفلفة الوضع وتغيير الدوائر وتبديل الأولويات، ولكنه سيبقى عنواناً للماضي لا للمستقبل، وأداة للفشل وليس للنجاح، ورمزاً للديكتاتورية وليس للديمقراطية، فالمعطيات التي فجرت الربيع العربي، معطيات موضوعية ضرورية ملحة، وهي فشل خليفة هؤلاء وما يمثلون من توجهات، فشلوا في استكمال خطوات الاستقلال السياسي والاقتصادي، وفشلوا في تحقيق العدالة الاجتماعية، وإزالة الفوارق العنصرية بين مكونات المجتمع الواحد على أساس التعددية والمواطنة وتكافؤ الفرص، وفشلوا في تحقيق الديمقراطية وتداول السلطة والاحتكام إلى نتائج صناديق الاقتراع، رغم كل مظاهر التفاني التي تحلوا بها، رحلوا ولن يعودوا لا أشخاصاً ولا أفكاراً ولا ممارسات مماثلة، فالاستقلال السياسي والاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، والديمقراطية ومواجهة العدو الوطني والقومي المشروع الاستعماري الإسرائيلي، وتحرير فلسطين هو عنوان النجاح لا غيره .