Wednesday 24th of April 2024 Sahafi.jo | Ammanxchange.com

المواضيع الأكثر قراءة

 
  • آخر تحديث
    16-Apr-2021

«وحدي أنا والناي» .. مشهدية تحاكي الطبيعة والحياة

 الدستور-عمر أبو الهيجاء

ظهرت في الآونة الأخيرة في المشهد الشعري العربي ما يسمى بقصيدة «الهايكو العربي» عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة ما يكتبه بعض الشعراء الشباب متأثرين بقصيدة الهايكو الياباني، ويعتقد البعض منهم أن كتابة بعض الأسطر القليلة بأن هذه قصائد هايكو، دون الأخذ بالشروط الأساسية لكتابة قصيدة هايكو هذا من ناحية، من جانب آخر أرى ليس هناك هايكو عربي، وإنما هناك ما عُرف بالقصيدة الومضة أو التوقيعة أو البرقيات أو التلكسات السريعة، والمتعارف عليه أن الهايكو الياباني مختلف عن الفكر والأسلوب العربي في الشعر، حيث نشأ وعبر عن بيئة وطبيعة مختلفتين، وله خصوصيته وسماته تختلف كليا عن الطبيعة الشعرية العربية.
وقصيدة الومضة أو التوقيعة وغير ذلك تعتمد التكثيف والاختزال في اللغة والمجاز والإزياح، والمتأمل لهذا النمط من القصائد القصيرة بتسمياتها سالفة الذكر زاخرة بتراثنا الشعري وكذلك في الأمثال والحكم وكل يحمل في ثناياه عمق الدلالة واللغة المشعرنة.
إذن يبقى السؤال عميقا والجدل قائما هل هناك هايكو عربي؟ ولماذا يصّر البعض اللاهث حول هذه التسمية، ولدينا نماذج كثيرة في كتابة هذا الشكل الشعري في تراثنا قديما وحديثا، ومن أشهر شعراء قصيدة التوقيعة الشاعر الدكتور الرحل عز الدين المناصرة التي كتبها في العام 1964، ونزار قباني وراشد عيسى الذي كتب تلكسات سريعة في ديوانه «يرقات»، وهناك من استخدم القصيدة الومضة ومن هؤلاء الشعراء: إبراهيم نصرالله ومحمد لافي وكتب عنهم الناقد الراحل إحسان عباس، وممن كتب أيضا قصائد القصيرة الشعراء : يوسف الصايغ وسامي مهدي وغيرهم.
ونكرر هل هناك هايكو عربي؟ أم أن التسمية أصبحت مغرية إلى حد أننا تناسينا ما زخر به تراثنا العربي من قصائد قصيرة نهلت من الطبيعة شعريتها ومضامينها وتجلياتها الفنية المختزلة والمكثفة.
أردت من هذه الإطلالة، الولوج إلى مجموعة الشاعر عبد الرحيم جداية الصادرة حديثا عن الخليج للنشر والتوزيع وسمها «وحدي أنا والناي» وعنوان فرعي « هايكو سنريو»، يقع في زهاء 132 صفحة من القطع المتوسط، يأتي هذا العمل بعد أكثر من عمل شعري ونثري ونقدي، واللافت للنظر العنوان الفرعي «هايكو سنريو»، جداية من خلال اشتغاله على قصائده وأعماله الشعرية السابقة يسعى إلى التجريب كغيره من الشعراء الذين رفدوا الساحة الادبية بأعمال جديدة وناضجة، والسعي برأيي يكون أكثر ثقافة ووعيا ودراية وتميزا، وإلا ما معنى الاختلاف؟ فهل استطاعوا واستطاع شاعرنا جداية إلى ذلك سبيلا.
من هنا، نحن نحاول أن نقف أمام تجربة ألقت بظلالها على القارئ العربي، ألا وهي كتابة النص الشعري القصير الذي أطلق عليه «هايكو» كغيره من الشعراء الجدد، وجداية له تجربته في القول الشعري سابقا، وخوضه غمار هذه التجربة بمسميات أخرى غير المتعارف عليها ربما يدعو إلى الكثير من الأسئلة المشروعة، ونرى الآن ونشاهد في وطننا العربي: هايكو مغربي، هايكو تونسي، هايكو عراقي، وهايكو أردني.. وغير ذلك» لا أرى ذلك مجديا من اللاهث خلف التسمية.
في ديوان «وحدي أنا والناي» للشاعر جداية أرى أنه أتقن السباحة من خلال أدواته الفنية ورؤاه في الإمساك بزمام القصيدة القصيرة من حيث ومضاته وتوقيعاته على صفحة الكون والطبيعة التي استقى منهما شحناته الشعرية، هذه القصائد المختزلة والمكثفة التي يصحبها عنصر المفارقة والدهشة في خواتيمها، كان يرسم وينحت لوحة تشكيلية ومشهدية تحاكي الطبيعة وتمعن في إيقاع اللحظة المراد تصويرها بعين ثاقبة ومتدربة على اقتناص كل ما هو جميل.
«عازف العود/ يحتضن قصائد الشعراء/ ويرتجف الوتر».
نلاحظ هنا المفارقة العجيبة والمدهشة في القفلة للمقطع الشعري، نحسُّ ثمة كهرّبة ما تصيب المتلقي أو القارئ، ونقرأ له «من يومها/ لم أقصص أحلامي لأحد/ ما زلت أذكر الجُب».
لنرى هنا ذهاب الشاعر إلى مادته الدينية وطبيعته التي استقى منها رؤاه، هذا التوظيف لقصة سيدنا يوسف أعطى بعدا معرفيا وثقافيا للنص الشعري، و التوقيعات والومضات هنا أراها كثيرة حيث استفاد الشاعر من المادة التاريخية والدينية.
هذا العمل الشعري تجربة تنضاف إلى تجارب الشاعر السابقة، وتجريبا في الخوض في غمار القصيدة القصيرة أو الومضة وما شابه ذلك، فالتجريب يبقى متاحا على أن يقدم كل ما هو جديدا ومتميزا ومختلفا، وعلى أن يتجاوز الشاعر أي شاعر ما قدمه من قبل وأحسب شاعرنا يسعى وسعى لذلك.
«اخلع نعليك/ إنك في قلبي/قال الصوت»، «النار تأكل بعضها/لا جوعى/غير الحطابين».